أسباب خشية "إسرائيل" من تحرير أفغانستان

راقبت "إسرائيل" تسارع الأحداث والتطورات في أفغانستان وكأنها في قلب المشهد، رغم بعد المسافات، فلماذا اهتمت بالحدث الأفغاني؟

  • دوائر صنع القرار الصهيوني تعتقد أنَّ الحدث الأفغاني ليس معزولاً عنها.
    دوائر صنع القرار الصهيوني تعتقد أنَّ الحدث الأفغاني ليس معزولاً عنها.

بعد نحو 20 عاماً على الغزو الأميركيّ لأفغانستان، تمكّنت حركة "طالبان" من دحر قوات الاحتلال الأميركي، ودخلت العاصمة الأفغانية كابول من دون مواجهة عسكرية حقيقية، بعد أن هرب الرئيس الأفغاني ونائبه المواليان للإدارة الأميركية، واستسلمت القوات الأفغانية، ولم تقاوم قوات الحركة، رغم الفارق الكبير في الإمكانيات العسكرية والبشرية التي أنفقت عليها الإدارة الأميركية مليارات الدولارات تدريباً وتسليحاً، لتكون جاهزة لحظة المواجهة، لكن إرادة القتال كانت معدومة، في مقابل روح قتالية عالية لقوات "طالبان".

عوامل كثيرة ساهمت في دحر الاحتلال الأميركي والمتعاونين معه من أفغانستان. ورغم أنّ العامل الأهم هو إرادة مقاتلي طالبان وقدرتهم على خوض حرب استنزاف ضد القوات الأميركية، رغم فارق القوة الهائل بين الطرفين، فإنَّ توجهات السياسة الأميركية الخارجية ألقت بظلالها على قرار الانسحاب؛ فهي تتجه للتركيز على منافسيها الدوليين روسيا والصين، وتعتقد أنَّ تدخلها المباشر في المنطقة، وخصوصاً في العراق وأفغانستان، أدى إلى استنزافها عسكرياً وبشرياً واقتصادياً، ولم يحقّق النتائج التي أُريد تحقيقها، بل على العكس تماماً، فما حدث عزَّز مكانة منافسيها الدوليين في مقابل تراجع مكانتها كقوّة عظمى هي الأولى عالمياً.

راقبت "إسرائيل" تسارع الأحداث والتطورات في أفغانستان وكأنها في قلب المشهد، رغم بعد المسافات، فلماذا اهتمت بالحدث الأفغاني؟ وهل تخشى التداعيات التي قد يتركها الانسحاب عليها؟ وما هي هذه التداعيات؟

دوائر صنع القرار الصهيوني تعتقد أنَّ الحدث الأفغاني ليس معزولاً عنها؛ ففي البعد النفسي والمعنوي، عندما تتمكَّن قوة تحرّر وطني من دحر قوة احتلال أجنبي، فإن ذلك يعني إنذاراً وهاجساً لها كقوة احتلال، وربما استحضر الكيان مشهد الانسحاب الأميركيّ وكأنّه مشهد يخشى حدوثه على أرض فلسطين التي احتلّها وهجّر أهلها قبل نحو 73 عاماً.

تدرك "إسرائيل" من جهة أنَّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان يعني تراجعاً في مكانة ودور أكبر حليف لها. ومن جهة أخرى، هو رسالة تخلٍّ عن الحلفاء والأصدقاء. وربما لا نبالغ إذا اعتقدنا أن قيادة العدو تتساءل في دوائرها المغلقة: هل يأتي اليوم الذي تتخلى فيه صديقتنا الصدوق "أميركا" عن "إسرائيل"، وتدير لها ظهرها، في حال تحول الحلف إلى عبء عليها، وليس رافعة لها؟!

لا شك في أنَّ الهواجس الإسرائيلية تتطابق تماماً مع هواجس دول التطبيع العربي المتحالفة مع الولايات المتحدة، بل هي أكثر وأشدّ وأعمق. وتخشى "إسرائيل" أن تتراجع قوة الدفع العربية نحو التطبيع والتحالف معها والبحث عن سياسة أكثر توازناً في المنطقة، نتيجة انعدام اليقين تجاه تماسك تحالفها مع الولايات المتحدة، والتي اعتبرت أن التطبيع مع "إسرائيل" رافعة لهذا التحالف.

تعي قيادة العدو الإسرائيلي أنَّ انتصار "طالبان" سيترك رسالة مشجعة ومحفزة لحركات المقاومة في المنطقة، ما سيدفعها إلى التمسك بنهج المقاومة المسلحة ضدها، ويراكم مقدراتها، ويعزز حلف المقاومة ومحوره في المنطقة، الذي ربما تنضم إليه دولة جديدة، هي أفغانستان، بقيادة حركة "طالبان" الإسلامية.

وما عزّز تخوفات العدوّ هو الصور والرسائل المتبادلة بين قيادة حركة "حماس" وقيادة حركة "طالبان"، ولا نستبعد تنظيم زيارات ولقاءات بين قيادة "طالبان" وقيادات محور المقاومة في المنطقة. عسكرياً، تخشى "إسرائيل" أن تنتقل التكنولوجيا والخبرة العسكرية التي اكتسبتها حركة "طالبان" إلى يد حركات المقاومة في المنطقة.

التخوفات العديدة والهواجس المختلفة التي يعيشها الكيان الصهيوني ليست مستغربة، بل هي حالة طبيعية لكيان يعلم حقيقة وجوده ونشأته غير الشرعية على أرض فلسطين. ورغم ما يتمتع به العدو من تحالف فريد من نوعه مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنه يبقى تحالفاً قائماً على المصلحة والاستخدام، وكما قال كيسنجر: "لا توجد صداقات دائمة، بل مصالح دائمة"، والعدو يدرك أن مكانته لدى حليفه الأميركي تتراجع، وباتت دوائر قريبة من صناعة القرار الأميركي تعتقد أنَّ "إسرائيل" تتحول تدريجياً إلى عبء. ومع ما تشاهده "إسرائيل" بأمّ عينيها من الهروب المذل للنظام الأفغاني الموالي لأميركا أمام جحافل قوات "طالبان"، ربما عليها استحضار مشهد أكثر ذلاً عند اندحارها من فلسطين.

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.