أزمة البحر الأحمر ساحة صراع جديدة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية

في حال عقد مؤتمر دولي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية التي ترى بكين أنه يقوم على أساس حل الدولتين، فستسعى جاهدة إلى أن يكون لها دور أساسي في المفاوضات إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية.

  • البحر الأحمر والحرب على غزة.
    البحر الأحمر والحرب على غزة.

بعد فشل الأساطيل الأميركية في وقف هجمات أنصار الله في البحر الأحمر ضد السفن المرتبطة بـ"إسرائيل"، طلبت الولايات المتحدة الأميركية من الصين حثّ إيران على كبح الهجمات. وخلال اللقاء الذي جمع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في تايلاند، ضغط المسؤول الأميركي على "يي" من أجل أن تستخدم بكين نفوذها لدى طهران لوقف هجمات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد طلبت مراراً وتكراراً من الصين التدخل لدى إيران لوقف هجمات "الحوثيين". وطبقاً لتقرير نشرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، ناقش مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ونائبه جون فاينر الأمر خلال اجتماعات تمت هذا الشهر في واشنطن مع ليو جيان تشو رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني. 

وبحسب وكالة رويترز البريطانية، فإن مسؤولين صينيين طلبوا من نظرائهم الإيرانيين التدخل لوقف الهجمات التي يشنها "الحوثيون" في البحر الأحمر، وإلا فإن العلاقات بين بكين وطهران قد تضرر.

منذ بداية العداون الإسرائيلي على قطاع غزة، اتخذت الصين موقفاً معادياً لـ"إسرائيل"، إذ امتنعت عن إدانة الهجمات التي قامت بها حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وعقد مؤتمر سلام لإيجاد حل للقضية الفلسطينية الذي ترى أنه يقوم على أساس حل الدولتين.

موقف بكين لم يعجب واشنطن التي ضغطت على الصين مرات عدة لحثّ طهران على تجنب توسيع رقعة الصراع في المنطقة نظراً إلى العلاقة القوية التي تربط إيران بالصين، ولكن الأخيرة ترى أن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على وقف الحرب في غزة عبر الضغط على "إسرائيل"، وأن التوتر في البحر الأحمر هو تجسيد للتداعيات الخارجية للصراع في غزة، كما رفضت بكين المشاركة في التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة لمواجهة هجمات أنصار الله في البحر الأحمر، ووصفت الهجمات العسكرية عليهم في اليمن بأنها بمنزلة صب الزيت على النار، وشددت على أن مجلس الأمن في قراره رقم 2722 لم يفوض أي دولة باستخدام القوة ضد اليمن.

مما لا شك فيه أن بكين ناقشت الأوضاع في البحر الأحمر مع طهران. يستدل على ذلك من تصريحات المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وين بين الَّذي قال في مؤتمر صحافي إن "الصين على اتصال وثيق مع كل الأطراف المعنية وتبذل جهداً لمنع التصعيد". 

ومن غير المستبعد أن تكون الصين قد ناقشت مع إيران عدم التعرض لسفنها في البحر الأحمر والإضرار بمصالحها مع أن أنصار الله أكدوا مراراً أنهم لا يستهدفون إلا السفن الإسرائيلية أو السفن التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة. وحتى الآن، لم يتم استهداف أي سفينة صينية في البحر الأحمر.

 ومع ذلك، فإن مصالح الصين تضررت نسبياً نظراً إلى ارتفاع تكلفة الشحن وتعليق بعض شركات الملاحة البحرية الصينية رحلاتها إلى "إسرائيل"، مثل شركة كوسكو للشحن البحري المملوكة للحكومة الصينية. 

تسعى واشنطن، التي تدَّعي أنها تدافع عن أمن الملاحة في البحر الأحمر، لتحقيق عدة أمور من جراء انخراط الصين أو امتناعها عن التدخل في أزمة البحر الأحمر.

وفي حال امتناع بكين عن التدخل، تريد واشنطن إظهار الصين على أنها تستفيد من هجمات القوات المسلحة اليمنية أو أنها غير قادرة على أن تكون لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط عبر الضغط على إيران بعد تعزيز علاقاتها بمختلف دول المنطقة ونجاحها في أداء دور الوسيط بين الرياض وطهران.

 وفي حال ساهمت بكين في إيقاف هجمات أنصار الله، فإن ذلك يشكل طوق النجاة لواشنطن التي فشلت في إيقاف الهجمات، ولكن في المقابل فإن صورة واشنطن سوف تهتز أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، على اعتبار أن الولايات المتحدة استعانت بالصين، منافستها الاستراتيجية، لإيقاف هجمات القوات المسلحة اليمنية.

الصين من جهتها تحاول الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والمبادئ التي تدعو إليها وموقفها التاريخي من القضية الفلسطينية وعلاقتها بدول الشرق الأوسط. 

ترى الصين أنَّ هجمات أنصار الله هي نتيجة طبيعية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وبالتالي إيقاف الهجمات مرتبط بوقف "إسرائيل" هجماتها على القطاع، والصين لا تريد أن تضغط على إيران لأسباب عدة، منها أن بكين داعم قوي للقضية الفلسطينية.

ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دانت بكين الهجمات الإسرائيلية، واعتبرتها تجاوزاً لحدود الدفاع عن النفس. وتكرر الصين دائماً أن الشعب الفلسطيني تعرض لظلم تاريخي، فليس من المعقول أن تضغط بكين على طهران لوقف هجمات الحوثيين. في المقابل، تستمر "إسرائيل" في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين. 

من ناحية أخرى، تريد بكين أن تُظهر للعالم، وفي ضوء الصراع الأميركي الصيني، أن واشنطن هي التي تسبب الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وأن المفاوضات هي الحل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس التصعيد العسكري.

بالمختصر، إذا ضغطت واشنطن على "تل أبيب" لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، فإن الصين ستحثّ إيران على التساهل في مفاوضات وقف إطلاق النار، وهجمات المقاومة اليمنية واللبنانية والعراقية ستتوقف. وفي حال عقد مؤتمر دولي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية التي ترى بكين أنه يقوم على أساس حل الدولتين، فستسعى جاهدة إلى أن يكون لها دور أساسي في المفاوضات إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية. هذا الأمر يتوقف على حسابات كلا الطرفين، وعلى الاتفاقات التي يمكن أن يعقدها الجانبان لإيجاد حل للقضايا الإقليمية والدولية الأخرى.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.