واشنطن: شكوك في فعالية إمداد الناتو أوكرانيا بالدبابات
أقرّت وسائل إعلام غربية بقصور نوعية الإمداد من دبابات "آبرامز" الأميركية لأوكرانيا، لأن "خدمتها وصيانتها، عبر المساحات الشاسعة لأوكرانيا، تُعَدّان تحدياً صارخاً"، على الرغم من أن وصولها "سيستغرق وقتاً، وربما شهوراً".
اتّقاد حماسة القادة الأميركيين، من سياسيين وعسكريين، لإعلاء آلة القتل العسكرية في أوكرانيا، وتزويدها بمدرّعات حديثة وأسلحة فتّاكة أخرى، جوبه بتحذير من أبرز أذرع وزارة الدفاع الفكرية، مؤسسة "راند"، ومفاده أنه يتعيّن على صنّاع القرار في واشنطن تفادي الانخراط في حرب طويلة، وكأنها تعيد إلى الأذهان تدرّج واشنطن في حربها ضد فيتنام.
في أحدث دراسة صدرت عن المؤسّسة جاء بصريح العبارة إن "المصالح الأميركية تتحقّق بفضل الامتناع عن الدخول في صراع طويل الأجل". وأضافت "راند" أن واشنطن "ليس في وسعها وحدها تقرير طول الحرب، لكنها قادرة على اتخاذ إجراءات من شأنها إنهاء الحرب عبر مسار تفاوضي حتمي" (دراسة بعنوان "تجنّب حرب طويلة: السياسة الأميركية ووجهتها بشأن صراع روسيا وأوكرانيا"، كانون الثاني/يناير، 2023).
منذ مطلع العام الماضي، تحشد واشنطن دعم "حلفائها" الغربيين لمواجهة روسيا، اتّعاظاً بتأكيد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن الهدف هو "إضعاف روسيا، وأن يؤدي غزوها (لأوكرانيا) إلى فشل استراتيجي" (لويد أوستن، نيسان/أبريل، 2022).
وأتت دراسة "راند"، على الرغم من موضوعية استنتاجاتها، لتسليط الضوء على أولويات الاستراتيجية الأميركية في اتجاه مواجهة الصين، بحسب الاستراتيجيين الأميركيين، انطلاقاً من خشيتهم انعكاسات الحرب الأوكرانية على "انشغال كبار القادة السياسيين وتشتيت جهودهم" في وجهة غير محسوبة بدقة.
قرار الإدارة الأميركية، ونجاح جهودها الضاغطة على حلف الناتو، من أجل إمداد كييف بمدرعات حديثة، وبأعداد متواضعة، لقيا صدىً وتأييداً من المؤسسات الإعلامية المتعددة، ومن سياسيّي واشنطن وعسكرييها على السواء.
عبّرت شبكة "سي أن أن" الإعلامية عن رضاها كونه "قراراً بالغ الأهمية، وهدف الدبابات ضرب القوات الروسية بقوّة في هجوم برّي". واستدركت بالقول إن إرسال 31 دبابة من طراز "آبرامز" الأميركية هو أمر "رمزيّ بصورة كبيرة، ووفّر مظلّة دعم الناتو لهذه الخطوة بشأن خرق الخطوط الحمراء" (26 كانون الثاني/يناير، 2023).
وأقرّت الشبكة لاحقاً بقصور نوعية الإمداد من دبابات "آبرامز" لأن "خدمتها وصيانتها، عبر المساحات الشاسعة لأوكرانيا، تُعَدّان تحدياً صارخاً"، على الرغم من أن وصولها "سيستغرق وقتاً، وربما شهوراً" (تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، 25 كانون الثاني/يناير، 2023).
لا يسود الإجماع بين القيادات العسكرية المتمرّسة بشأن "خرق الخطوط الحمراء". فلقد أعرب الضابط المتقاعد في سلاح الجيش، دانيال ديفيس، عن اعتقاده أن التهويل هو "عملية إعلامية بحتة، ولن تغيّر في الوضع الميداني الحقيقي"، فضلاً عن محدودية فعاليتها (موقع "بريتبارت"، 30 كانون الثاني/يناير، 2023).
ربما الأهم في التصريحات العسكرية المتتالية ما جاء على لسان الفريق المتقاعد من سلاح الجيش، مارك هيرتلينغ، و"المحلل العسكري" لدى شبكة "سي أن أن"، ومفاده أن تزويد كييف بمعدات عسكرية "فكرة خاطئة".
وأوضح هيرتلينغ، في وقت سابق، أن القوات الأوكرانية ما زالت تقاتل وفق عقيدة سوفياتية وتسليح غربي، الأمر الذي يضاعف تعقيدات مساعي التدريب والاندماج الميداني بالسرعة المطلوبة.
أمّا ما يتعلق بتزويد أركان حلف الناتو، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وامتداداً بولندا، لكييف بعدد محدود من مدرّعاتها العسكرية، فأضحى مثاراً للسخرية: بريطانيا، 14 دبابة تشالينجر "عقب مكالمة هاتفية بين (رئيس الوزراء) ريشي سوناك وزيلينسكي"؛ فرنسا، 10-12 دبابة لوكلير؛ ألمانيا، 14 دبابة من طراز ليوبارد؛ بولندا، 14 دبابة ليوبارد.
أمّا الدبابات الأميركية الموعودة، آبرامز، فسيتم نزع عدد من المواصفات التقنية، كالتدريع المتطور قبل دخولها الأراضي الأوكرانية، بينما أُحيلت دباباتها، من طراز "برادلي"، على التقاعد في الترسانة الأميركية، والتي مضى عليها نحو 40 عاماً من الخدمة الفعلية، وقد ترسل نحو 50 دبابة.
اللافت أيضاً ما نقلته يومية "إندبندنت" البريطانية بشأن دبابات "تشالينجر"، ومفاده أن رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، "أراد التخلص منها لاعتقاده أنها لم تعد مجدية في المعارك"، وأنه ألغى بند تمويلها خلال مراجعة لميزانية الدفاع البريطانية لعام 2021 (صحيفة "إندبندنت"، 18 كانون الثاني/يناير، 2023).
الدعوات الأميركية "الخافتة" للبيت الأبيض إلى السعي لإنضاج مناخ حوار تفاوضي بين موسكو وكييف جاءت على لسان أعلى القيادات العسكرية مرتبة، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميللي، يحث فيها على التفاوض، قائلاً إن "انتصار أوكرانيا قد لا يتحقق عسكرياً، وفصل الشتاء قد يوفّر فرصة (لها) من أجل بدء مفاوضات مع روسيا" (خطاب أمام "النادي الاقتصادي لنيويورك"، تشرين الثاني/نوفمبر، 2022).
لعلّها من الفرص النادرة أن يشهد المرء تبايناً واضحاً يصل إلى حدود الانشقاق بين توجهات القيادات العسكرية الأميركية وصناّع القرار السياسي، لكنها تدلّ على حقيقة الشرخ بين الطرفين في الفترة الزمنية الراهنة، وأن مستشاري الرئيس بايدن من "ثلاثي" المحافظين الجدد، لهم الأولوية، كما يتردد بقوة، وهم: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ونائبته فيكتوريا نولاند.
وأكدت نولاند، في مثولها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عزم الإدارة على استمرار دعمها أوكرانيا، التي "يجب ألّا تبقى في قيد الحياة فحسب، بل أن تخرج من الحرب أشد بأساً وأكثر ديموقراطية ودولة أوروبية، وتخدم مصالحنا القومية" (نص شهادتها بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر، 2022).
وفي أحدث تصريح لها أمام تلك اللجنة في مجلس الشيوخ، أكدت نولاند مجدداً أن إدارة الرئيس جو بايدن تريد "ضمان حيازة أوكرانيا ما تحتاج إليه من معدات دفاعية، ليس بهدف تأكيد قدرتها على فرض انسحاب روسي فحسب، بل أيضاً من أجل ضمان عدم قدرة (الرئيس) بوتين على إعادة تشكيل قواته والتقدم مجدداً" (شهادة نولاند أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، 26 كانون الثاني/يناير، 2023).