ليبيا والعدّ التنازلي.. هل تنسحب تركيا؟
ترشّح مثل هذه المعطيات المرحلة المقبلة لمزيد من المفاجآت، بعناصرها الداخلية والخارجية.
مع استمرار الرهان على حظوظ المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة الليبية، أعلن عماد السايح، رئيس المفوضية العليا للانتخابات (الأحد) فتح باب الترشح حتى الـ22 من الشهر الحالي، معلناً إتمام كلّ الإجراءات الخاصة بالانتخاباتِ في موعدها المقرّر في الـ24 من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
إعلان السايح جاء قبل أيام من المؤتمر الدولي الخاص بليبيا، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الـ12 من الشهر الحالي، وسيشارك فيه ممثّلون عن أميركا وروسيا وألمانيا وإيطاليا وليبيا والأمم المتحدة، ودول أخرى.
ويهدف المؤتمر، وهو الأخير قبل الانتخابات، إلى حسم مجمل الأمور المعلّقة، وفي مقدّمتها إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، خلال فترة أقصاها نهاية الشهر الحالي.
وتوقعت مصادر ليبية أن تزور اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) أنقرة بعد مؤتمر باريس فوراً، باعتبار أن تركيا هي الطرف الأساسي في مجمل تفاصيل عمل اللجنة، وفي مقدّمتها إخراج القوات التركية والمرتزقة الذين تم نقلهم من سوريا إلى ليبيا. اللجنة التي اجتمعت نهاية الشهر الماضي في القاهرة مع ممثلين عن الدول المجاورة لليبيا، ومنها السودان والنيجر وتشاد، لبحث إخراج المرتزقة التابعين لهذه الدول، ستزور موسكو أيضاً بعد أنقرة، لبحث موضوع مسلحي شركة "فاغنر" الروسية التي تدعم قوات حفتر.
رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، المحسوب على تركيا، زار أنقرة لعدة ساعات
(الـ4 من تشرين الثاني/نوفمبر)، والتقى الرئيس إردوغان، وبحث معه تفاصيل التنسيق والتعاون المشترك لمواجهة التطورات المحتملة، بما فيها احتمالات ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية، مع استمرار الضغوط الدولية لإخراج المرتزقة فوراً. معلومات الإعلام الليبي تحدثت عن طلب الدبيبة من إردوغان زيادة عدد المستشارين العسكريين الأتراك في ليبيا، وتدريب أكبر عدد ممكن من الضباط الليبيين في تركيا، وزيادة حجم التنسيق والتعاون الشامل في جميع المجالات، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الرئيس إردوغان يرفض سحب القوات التركية من ليبيا، متذرّعاً بطلب الحكومة الليبية بقاءها هناك، إلى أن يقرر البرلمان المنتخب مصيرها؛ اذ ترفض الحكومة الحالية إعادة النظر في الاتفاقيات التي وُقّعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وتم بموجبها رسم الحدود البحرية بين البلدين، وإقامة قواعد بحرية وجوية تركية في ليبيا.
واستغلت أنقرة وجودها العسكري، فقامت بنقل الآلاف من المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، من دون أي اعتراض من العواصم الغربية التي أرادت أن توازن بذلك الدعم الروسي والمصري لقوات حفتر. ويفسّر ذلك تمسّك حكومة الدبيبة بهؤلاء المرتزقة الذين يعملون مع الفصائل الموالية لأنقرة التي تريد لهم أن يبقوا هناك لمواجهة احتمالات انفجار الوضع الأمني قبل الانتخابات أو بعدها، في حال إجرائها في موعدها المقرر. وتتحدث المعلومات عن مساعي الفصائل والقوى الموالية لأنقرة لتأجيل الانتخابات أو إلغائها بحجج ومبررات مختلفة، بعد أن توقع العديد من استطلاعات الرأي خسارة مرشحيها، بمن فيهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا المحسوب على تركيا، والذي يتغنّى بأصوله العثمانية، بعد أن قال الرئيس إردوغان "إن ما لا يقل عن مليون ليبي هم من هذه الأصول".
كما توقعت استطلاعات أخرى احتمال فوز المشير خليفة حفتر، بعد أن سئم سكان المناطق الغربية من سلوك الفصائل والمجموعات الإسلامية المسلحة وتصرفاتها واستفزازاتها. ودفع مثل هذا الاحتمال رئيس المجلس الاستشاري، خالد المشري، وهو من قادة الإخوان المسلمين، إلى الإعلان عن رفضهم المسبّق لفوز حفتر، حيث قال في حديثه إلى قناة الجزيرة، لسان حال الفصائل الإسلامية وتركيا، "إن حفتر لن يكون رئيساً لليبيا ولو على جثث عشرات الآلاف من الليبيين، إن لم يكن مئات الآلاف. وفي حال فوزه، فإن أبناء ليبيا في مدن المنطقة الغربية ومحافظاتها سيقاومون ذلك بالسلاح، وستدخل البلاد في حرب أهلية طاحنة".
تهديدات المشري وأمثاله رافقتها أحاديث إعلامية عن احتمالات قيام الإسلاميين بعمليات تزوير واسعة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، في حال فشلهم في تغيير موازين القوى عشائرياً لمصلحة مرشحيهم، وهو ما سيكتسب وضوحاً أكثر بعد الإعلان النهائي عن أسماء المرشحين، وأهمهم سيف الإسلام القذافي الذي يستبعد البعض ترشيح نفسه، بسبب ملفه في المحكمة الجنائية الدولية. ويدفع مثل هذا الاحتمال أنقرة إلى إقامة علاقات مباشرة معه وتطويرها، ومع القبائل المؤيدة له، وأهمها المقارحة والأورفلة والقذاذفة، وستلعب دوراً مهماً في تقرير مصير الانتخابات التي ستكون عرضة لسلسلة من التدخلات الإقليمية والدولية، المباشرة منها وغير المباشرة.
فالإسلاميون الذين خسروا السلطة في السودان بعد إطاحة عمر البشير، وهُزموا في انتخابات المغرب، وحوصروا في تونس، وهم ملاحقون في الجارة الرابعة مصر، سوف يستنفرون كل قدراتهم للتمسّك بمواقعهم في ليبيا، بعد ما حققوه من مكاسب ميدانية بفضل الدعم التركي لهم. وكان لهذا الدعم دور مهم في انتخاب الدبيبة رئيساً للوزراء، والمنفي رئيساً لمجلس الرئاسة، في الـ5 من شباط/فبراير الماضي، وهو ما لم يكن يتوقعه أحد آنذاك. وتحدثت المعلومات وقتذاك عن تكتيكات تركية ذكية في عملية الانتخاب، والتي أسقطت تحالف باشاغا وعقيلة صالح، بعلم ممثلة الأمم المتحدة ستيفاني وليامز التي غابت عن الساحة في ما بعد.
وجاء قرار المجلس الرئاسي المفاجئ الذي أوقف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن العمل، وأحالها إلى التحقيق بعد اتهامها بعدم التنسيق مع المجلس، ليثير تساؤلات جديدة حول المستقبل السياسي للبلاد. فقد اعتبرت أوساط ليبية قرار المجلس محاولة يائسة من الثنائي المنفي - الدبيبة لمنع المنقوش من السفر الى باريس للمشاركة في المؤتمر الدولي هناك، وهي الأكثر حماسة في موضوع إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، قبل الانتخابات، كما أنها معروف عنها رفضها للوجود العسكري التركي في ليبيا.
وترشّح مثل هذه المعطيات المرحلة المقبلة لمزيد من المفاجآت، بعناصرها الداخلية والخارجية، مع استمرار العواصم الدولية في مساعيها لضمان إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، ليسهم ذلك في إعادة ترتيب الوضع الداخلي في ليبيا، البلد الغني بغازه ونفطه المهمّين جداً بالنسبة إلى أوروبا.
وهو الرهان الأصعب، حتى وإن حالف الحظ الجميع في حسم موضوع الانتخابات التي لن يكن سهلاً فيها التغلب على مخلّفات السنوات العشر الماضية من الحرب الأهلية، في بلد تحكمه عادات وتقاليد قبلية عريقة.
وازدادت هذه العادات والتقاليد تعقيداً بالتيارات الإسلامية المختلفة، من الاعتدال إلى درجات التطرف كافة، وازدادت قوة بفضل الدعم الذي حظيت به من تركيا، وهو ما سيدفع الرئيس إردوغان إلى التمسك بهذه القوى لتساعده على البقاء في ليبيا، بعد ما حقّقه من مكاسب استراتيجية إقليمية ودولية، بفضل هذا الوجود، كما هي الحال في سوريا.