انتخابات تركيا.. الكرد سلاح ذو حدين!
بعد أن توقعت كل استطلاعات الرأي أن يحظى كليجدار أوغلو منافس إردوغان بتأييد ما لا يقل عن 10-12% من مجموع أصوات الناخبين، وعددهم في تركيا أكثر من 60 مليون. فهذا الأمر سيكون كافياً لانتصاره في انتخابات الرئاسة.
على الرغم من كثرة المشكلات الداخلية والخارجية الخطيرة التي تعيشها تركيا، يسعى الرئيس رجب طيب إردوغان لمنع الشعب التركي، وبشكل خاص أتباعه وأنصاره، من التفكير في هذه المشكلات ليقول لهم " لا أعتقد أنكم ستضحّون برئيسكم من أجل البصل والثوم ".
جاء ذلك رداً على الحملة التي تبنّتها المعارضة، وحملّت إردوغان مسؤولية الغلاء الفاحش في الأسعار، وكان البصل رمزاً لهذا الغلاء؛ لأن سعره قد زاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية أربعة أضعاف.
ومن دون أن يعني ذلك أن البصل كان وما زال الموضوع الرئيسي في حملة المعارضة الانتخابية، والذي أحرج إردوغان فردّ بهجوم معاكس بهدف تضييق الحصار على هذه المعارضة. يكاد لا يمر يوم أو خطاب لإردوغان ووزرائه إلا ويتّهم فيه منافسه كمال كليجدار أوغلو وحلفاءه زعماء أحزاب المعارضة " بالخيانة الوطنية ومعاداة المصالح الوطنية والقومية للأمة والدولة التركية، وذلك بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي"، ويقول عنه إردوغان "إنه امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي".
ومن دون أن يتطرق إردوغان، على الأقل حتى الآن، إلى امتدادات هذا الحزب شمال شرق سوريا حتى لا يزعج واشنطن التي تدعم "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية، التي كانت أحد أسباب الفتور والتوتر بين إردوغان والرئيس ترامب، الذي بعث له في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 برسالة قال فيها " لا تكن غبياً، اجلس وتحدث مع مظلوم عبدي"، وهو القائد العسكري للميليشيات الكردية شرق الفرات. وكان إردوغان، آنذاك وحتى بعد انتخاب الرئيس بايدن، يهدد ويتوعد واشنطن لأنها تدعم هذه الميليشيات إلى درجة أنه اتهم أميركا باحتلال الشمال السوري.
في وقت تذكّره المعارضة بأنه "هو السبب في الوضع الحالي شرق الفرات، وسوريا عموماً؛ بسبب تدخله هناك ودعمه المجموعات المسلحة بأشكالها كافة". كما استضاف الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردستاني السوري صالح مسلم أكثر من مرة في أنقرة وإسطنبول، وطلب منه التمرد ضد الرئيس الأسد.
وعندما رفض مسلم ذلك قطع إردوغان علاقته به وبحزب "الشعوب الديمقراطي" داخل تركيا، وذلك في حزيران/يونيو 2015 عندما خسر حزب "العدالة والتنمية" في هذه الانتخابات الأغلبية في البرلمان. وهو ما دفعه إلى التحالف مع عدوّه اللدود دولت باهشلي، زعيم حزب "الحركة القومية"، الذي اشترط عليه وقف الحوار مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، وشنّ حملة سياسية وإعلامية، بل وأمنية ضد قيادات هذا الحزب وكوادره وأتباعه وأنصاره.
وتم ذلك فعلاً بعد سلسلة من العمليات الانتحارية التي قام بها عناصر "داعش" في أنقرة وإسطنبول وجنوب البلاد، ورافقتها سلسلة من الاغتيالات الغامضة التي قيل إن الكردستاني رفض ذلك، واتهم الدولة التركية بفبركة هذه الأمور. بدورها، حمّلت المعارضة الرئيس إردوغان مسؤولية العمليات الانتحارية، وقالت إن السلطات كانت على علم مسبق بهذه العمليات، بيد أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنعها. وكانت هذه الأحداث الإرهابية كافية لتوتير الشارع بعد حملات إعلامية مكثفة أقنع من خلالها إردوغان المواطنين أنه إذا سقطت حكومته فالبلاد ستدخل في دوامة من الأحداث الدموية. فتكررت الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر بعد أن فشل أحمد داود أوغلو آنذاك وبتعليمات من إردوغان في تشكيل الحكومة ففاز حزب "العدالة والتنمية" هذه المرة بأغلبية البرلمان من جديد. ليكون ذلك نهاية الحوار الذي بدأه إردوغان مع حزب "العمال الكردستاني" وزعيمه عبد الله أوجلان الموجود في السجن منذ شباط/فبراير 1999. وكان هذا الحوار قد بدأ بوساطة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني عام 2011 في أوسلو بهدف التوصل إلى حل سياسي وديمقراطي للمشكلة الكردية.
ووقّع الطرفان على محضر للتنسيق والتعاون بين الحكومة و"الشعوب الديمقراطي" الجناح السياسي لحزب "العمال الكردستاني"، بعد سلسلة من المشاورات السرية والعلنية مع زعيم "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان. ووصفه الإعلام الموالي لإردوغان آنذاك بأنه " زعيم سياسي عظيم وذو رؤية استراتيجية عميقة "، وهو الذي كان يقول عنه في السابق إنه "أخطر إرهابي مسؤول عن مقتل الآلاف من الأتراك والكرد بمن فيهم الأطفال والنساء ". وعاد هذا الإعلام من جديد ليقول ليس فقط عن أوجلان وقيادات حزب "الشعوب الديمقراطي"، بل عن كمال كليجدار أوغلو وزعماء أحزاب "تحالف الأمة" بأنهم جميعاً "إرهابيون". وهذا هو الموضوع الرئيسي في حملة إردوغان الانتخابية، ووزرائه وإعلامه، واستنفروا جميعاً كل إمكانيات الدولة لإقناع المواطنين بأن كليجدار أوغلو ومن معه هم إرهابيون متحالفون مع "العمال الكردستاني" وهدفهم جميعاً تمزيق وحدة التراب التركي، وخلق المشكلات الخطيرة للأمة والدولة التركية"، على حدّ قول إردوغان.
وتذكّره المعارضة بأنه هو الذي تحالف مع "العمال الكردستاني" عام 2011، وهو الذي أرسل في 28 آذار/ مارس الماضي ممثلاً عنه إلى عبد الله أوجلان الموجود في السجن لإقناعه بضرورة الكف عن دعم حزب "الشعوب الديمقراطي" لكمال كليجدار أوغلو مقابل وعود بحلّ المشكلة الكردية، بل البحث في إمكانية إخلاء سبيله.
وقيل إن أوجلان طلب من إردوغان أن يصرّح بوعوده هذه بشكل علني ورسمي، وهو ما رفضه خوفاً من ردود فعل الشارع القومي الذي يحتاج إليه.
ومن دون أن يتذكر إردوغان أنه قبل ثلاثة أشهر كان قد أرسل وفداً إلى مقر حزب "الشعوب الديمقراطي" في أنقرة، واقترح على قيادات الحزب الدخول في حوار جديد من أجل الحل الديمقراطي للمشكلة الكردية، وهو ما رفضته القيادات المذكورة بعد أن شككت في وعود إردوغان ونيّاته، وهو المسؤول عن سجن الرئيسين المشتركين السابقين للحزب صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساك داغ وآخرين من أعضاء البرلمان وأكثر من 40 من رؤساء البلديات عن حزب "الشعوب الديمقراطي"، وهم في السجون منذ أواخر 2016 يضاف إليهم الآلاف من أعضاء الحزب المذكور وأنصاره وأتباعه.
ويعرف الجميع أنه سيقرر مصير الانتخابات بعد أن توقعت كل الاستطلاعات له أن يحظى بتأييد ما لا يقل عن 10-12% من مجموع أصوات الناخبين، وعددهم في تركيا أكثر من 60 مليون. وهو ما سيكون كافياً لانتصار كليجدار أوغلو في انتخابات الرئاسة، كما سيكون كافياً لحصول الحزب على نحو 70 مقعداً في البرلمان (يشغل الآن 53 مقعداً) لأنه سيشارك بلائحته الخاصة مع دعوات متتالية من دميرطاش للكرد بضرورة التصويت لكمال كليجدار أوغلو.
ويزعج هذا الاحتمال إردوغان ويدفعه إلى مزيد من التصعيد ضد "الشعوب الديمقراطي"، ولولاه لما حالف الحظ كليجدار أوغلو في الانتصار على إردوغان، المتوقع له أن يتجاوز خلال الأيام القليلة القادمة حدود الاتهامات ضد هذا الحزب وكليجدار أوغلو في محاولة أخيرة منه لاستفزاز الشعور القومي العنصري لدى أتباعه وأنصاره، ناسياً أنه هو الذي تحالف مع حزب "الهدى" الكردي الإسلامي المتهم بالكثير من الأعمال الإرهابية، وربما في محاولة منه لمواجهة حزب "العمال الكردستاني" في حال انفجار الوضع الأمني وفق كلام المعارضة.
وهذا ما تتحدث عنه عدة سيناريوهات خطيرة تعبّر عن قلقها من احتمال التصعيد والتوتر كما جرى في الفترة حزيران/يونيو -تشرين الثاني/نوفمبر 2015. ولتثبت كل هذه المعطيات بتفاصيلها السياسية والاجتماعية والنفسية وأخيراً الأمنية أن الكرد كانوا وما زالوا سلاح إردوغان الأهم في حملته الانتخابية، ناسياً أن هذا السلاح ذو حدين إن لم تتقن استخدامه فسوف يقتلك (بالمفهوم السياسي) قبل أن يدمي عدوك!