اليمن 2022.. تقدّم نحو السعودية وباب المندب؟
قد يشهد العام المقبل فرض معادلات ميدانية جديدة داخل العمق السعودي، عبر التقدم شمالاً والسيطرة على محافظات الجنوب السعودي.
كل الدول والشعوب والأوطان تتعرض لأزمات ومآسٍ وحروب، وعلى خلفياتٍ متعددة، سياسية اقتصادية، دينية. بعض هذه الدول يفشل في مواجهتها، فتتغلب عليه وينهزم، ومنها من يثبت وينجح، فيتغلب عليها وينتصر، وفي حال الهزيمة أو الانتصار، تكتسب هذه الشعوب الكثير من الدروس والعبر، فتجعل منها ذخيرة للمستقبل، تهبها لأجيالها اللاحقة، وبنسب متفاوتة طبعاً، ترتبط في الأساس بقدرات وبإمكانيات تلك الشعوب الفكرية والثقافية والعلمية والإنسانية، والأهم، بما تملكه هذه الشعوب من روح المقاومة والقتال في سبيل سيادتها وكرامتها وحقوقها المقدسة.
الشعب اليمني مثله مثل أغلب هذه الشعوب، تعرّض خلال تاريخه للكثير من الحروب والاعتداءات، وأهم هذه الاعتداءات وأكثرها تأثيراً، يبقى العدوان الأخير الذي شنّته قوى عربية جارة، مدعومة بقوى غربية استعمارية، تحت عنوان "تحالف "عربي"، ولأهداف علنية خادعة وكاذبة، هي في حقيقتها ترجمة لأطماع تاريخية باليمن وبموقعه وبثرواته.
هذه الحرب التي شُنّت على اليمن، برّرتها دول العدوان بأنها لإعادة الشرعية والتوازن السياسي إلى اليمن، فكانت المواجهة اليمنية الصادمة للعدوان، وكانت المقاومة الصلبة التي خلقت نموذجاً فريداً في تاريخ الشعوب قد لا يتكرر، وما اختصرته مقاومة الشعب اليمني حتى اليوم، ونحن على أبواب نهاية العام 2021 الميلادي، حيث مرّ على العدوان سبع سنوات تقريباً، يمكن أن نحدده بنقاط أو خطوط أو عناوين واضحة وضوح الشمس، أثبتتها في الميدان وحدات الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله" بما لا يقبل الشك، حيث قدّمت لليمن، شعباً ودولة وجيشاً ووطناً، الكثير من الإنجازات والدروس والعبر، قد لا نجد في تاريخ الشعوب والأوطان ما يماثلها.
صحيح أن الحرب أو العدوان على اليمن كان كارثياً لناحية الشهداء والمصابين من أبناء اليمن، أو لناحية الدمار الذي أصاب نسبة كبيرة من مدن اليمن وبلداته ومنشآته، ولكن رُبّ ضارّة نافعة، لِما حققه أبناء هذا الوطن الصامد من إنجازات لافتة؛ فقد تمّ قطع مسار الارتهان للخارج، وفرض اليمنيون مسار الكرامة الوطنية وسيادة الشعب والدولة والجيش في البلاد حيث المناطق المحررة حتى الآن، وقد تم تحرير قرار الاستفادة من ثروات اليمن، بعد أن كان مرتهناً لمزاج قادة دول إقليمية وغربية وحكامها.
وبفضل عنادهم وثباتهم، أعطى اليمنيون لجيشهم ولوحداتهم المسلحة فرصة تطوير الأسلحة والقدرات النوعية التكتية والاستراتيجية، من صواريخ ومسيّرات ومنظومات دفاع جوي، ورعت هذه القدرات وأدارَتها عقيدةُ قتالٍ واضحة، نواتُها مواجهةُ ومقاومةُ العدو المعتدي والمحتل، مهما كانت قدراته وإمكانياته.
في البعد الاستراتيجي للمواجهة خارج حدود اليمن، كانت معركة الدفاع الناجحة عن اليمن نقطة ارتكاز وقاعدة انطلاق للانخراط في معركة محور المقاومة ضد العدو الإسرائيلي من ناحية، وضد الدول الإقليمية والغربية الطامعة بثروات اليمن وبموقعه الاستراتيجي المؤثر في أغلب الملفات الحساسة إقليمياً ودولياً، من ناحية أخرى.
استناداً إلى ما استطاعت المقاومة اليمنية تحقيقه وفرضه، في الميدان وفي حركة التقدم والسيطرة على الأرض، وفي تطوير القدرات النوعية الاستراتيجية وإدارة مناورة القتال فيها بنجاح لافت، داخل اليمن أو خارجه في عمق دول العدوان، وفي ثبات الموقف والموقع السياسي الوطني، داخلياً من خلال مواجهة الحصار وتجاوزه، ومن خلال لمّ شمل أغلب المكوّنات الشريفة والقبائل الوطنية، وخارجياً من خلال الوقوف بوجه المجتمع الدولي، الذي لم يستطع يوماً أن يبرهن إلاّ أنه متواطئ مع العدوان على اليمن... استناداً إلى كل ذلك، يمكن أن نتلمّس بعض قرارات ومناورات واستراتيجيات الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله"، في ما ينتظر تطورات مسار الحرب على اليمن في العام المقبل (2022 ميلادي)، والتي يمكن لقوى حكومة صنعاء الوطنية فرضها بأرجحية غير بسيطة.
أولاً: متابعة تحرير المناطق المحتلة كافة من العدوان ومرتزقته، بدءاً بمدينة مأرب ومديرية الوادي (الأخيرة غير المحررة من مديريات المحافظة كاملة) حيث أصبحت في خواتيمها، وما يقوم به التحالف المدعوم غربياً بشكل واسع، من مناورات عقيمة لمنع أو عرقلة التحرير، لا يعدو كونه تأخيراً مؤقتاً، قيّدته مناورة الجيش واللجان لحماية المدنيين في مأرب، الذين يشكلون السلاح الأخير كدروع بشرية يستغلّها العدوان، وامتداداً إلى المحافظات الشرقية والجنوبية كافة، مع إمكانيةٍ كبيرة لتطوير معركة التقدم والسيطرة غرباً لتحرير المخا وباب المندب، بهدف الإشراف المباشر على عقدة التواصل البحرية الأكثر أهمية بين البحر الأحمر وخليج عمان وبحر العرب.
ثانياً: متابعة مسار تطوير الصواريخ الباليستية والمسيّرات القاذفة الانتحارية، للوصول إلى نقاط وأهداف أبعد في العمق السعودي، وبفعالية أكبر في التوجيه الآمن بعيداً عن منظومات الدفاع الجوي العدوّة، مع رفع مستوى القدرة على نقل أنواع الحشوات المتفجرة كافة إلى مسافات أبعد، إضافة إلى متابعة مسار تطوير منظومات الدفاع الجوي (المناسبة) كما يسمّيها المتحدث العسكري اليمني، حيث استطاعت هذه المنظومة الصاروخية للدفاع الجوي مؤخراً إسقاط عشرات الطائرات التجسّسية الأميركية والصينية الصنع من الأكثر تطوراً عالمياً، مع التخطيط لأن تصبح هذه المنظومات قادرة على عزل، ولو بطريقة جزئية، نسبة كبيرة من قاذفات العدوان أف- 16 وأف- 15، وغيرها من القاذفات الغربية.
ثالثاً: تطوير الحركة الهجومية لوحدات الجيش واللجان من خلال فرض معادلات ميدانية جديدة داخل العمق السعودي، عبر التقدم والسيطرة شمالاً نحو عمق محافظات الجنوب السعودي (نجران وعسير وجازان).
من هنا، فالمعركة في اليمن أو العدوان على اليمن، لم يعد معركة سيطرة في الحديدة أو مأرب أو صنعاء أو الجوف أو البيضاء أو شبوة أو على الحدود مع جيزان ونجران وعسير، ولم تعد معركة أسلحة نوعية (صواريخ ومسيّرات ودفاع جوي)، حيث فرض أبناؤه موقفهم وموقعهم في أصعب حرب شُنّت عليهم، ودافعوا وانتصروا، من الطبيعي أنهم سوف يفرضون أنفسهم وموقفهم وموقعهم بعد انتهاء هذه الحرب، لاعبين أقوياء يحمُون حقوقهم وسيادتهم وثرواتهم ويصونونها.