لماذا تعجز أوروبا عن إنقاذ سياستها في الاتفاق النووي؟

الدول الأوروبية التي تتحرّك في إطلاق المواقف والبيانات أملاً في انقاذ الاتفاق النووي، تحاول الإيحاء بقدرتها على التأثير في الأحداث الدولية الساخنة. لكنها تستسلم أمام الشلل الذي تتعرّض له من الحليف الأميركي.

سارعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإصدار بيان يشير إلى مسؤولية واشنطن عن الأزمة مع إيران

اجتماع وزراء الخارجية في بروكسيل لم يسفر عن وضوح معالم السياسة الأوروبية لانقاذ الاتفاق النووي وخفض التوتر في الخليج والشرق الأوسط، كما تدّعي أوروبا. ولعلّ قول فيدريكا موغيريني بأن إيران لم تنتهك ما يتيحه الاتفاق النووي، لدى زيادة التخصيب التي أعلنتها طهران، هو مؤشر على أن الاتحاد الأوروبي يأخذ على محمل الجد الاتجاه الإيراني نحو التخلّي عن التزاماتها في الاتفاق النووي إذا تخلّت عنه الدول الأخرى ولا سيما الدول الأوروبية.

تهديد إيران بعدم التزامها في الاتفاق من جانب واحد، وتجديد مهلة الستين يوماً لزيادة التخصيب وتشغيل مفاعل "فوردو"، يبدو أنه يقطع الطريق على المراهنة الأوروبية في التلويح بإعادة العقوبات عبر مجلس الأمن والتهديد "بهيئة فضّ النزاعات" بهذا الخصوص وقت إرسال الرئاسة الفرنسية المستشار إيمانويل بون إلى طهران.

لكن الندّية الإيرانية على لسان القيادات السياسية والعسكرية، ربما فرضت تأثيرها على الدول الأوروبية التي سارعت إلى إصدار بيان ثلاثي على لسان فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يشير بالإصبع إلى مسؤولية الولايات المتحدة عن الأزمة.

في سياق إدراك الدول الأوروبية مخاطر التصعيد في الخليج والشرق الأوسط، الذي تنعكس تداعياته على الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، تحاول أوروبا إثبات وجودها من خلال إعلان المواقف والبيانات الداعية للعودة إلى الاتفاق النووي، كما تؤيد دعوة العراق إلى مؤتمر إقليمي لخفض حدّة التوتر في المنطقة آملةً بمعجزة حضور واشنطن وطهران والسعودية.

لكن أوروبا تراهن على لعب دور الوسيط في تدوير الزوايا بين طهران وواشنطن والتخفيف من حدّة الإدارة الأميركية، أملاً بجذب إيران إلى طاولة المفاوضات وتعويم ترامب.

ولا تأخذ أوروبا على عاتقها تنفيذ التزاماتها بنفسها الكفيلة بإنقاذ الاتفاق النووي على الرغم من انسحاب ترامب، والكفيلة في المقام الأول إثبات وجود أوروبا السياسي الخاص بها وبصدقيتها الدبلوماسية.

المراهنة الأوروبية على قدرتها في تدوير الزوايا ولعب دور الوسيط، إعلانٌ صريحٌ بالمراهنة على وهم افتراضي، نظراً إلى أن ترامب لا يعوّل على أي دور لأوروبا في السياسة الدولية ولا يسعى إلى تعويمها، بل على العكس من ذلك يراها عبئاً ينبغي ضربه عرض الحائط لإفساح المجال أمام حلفاء أوروبيين جدد، أمثال نايجل فاراج في بريكست - بريطانيا والعنصريين البيض.

وفي المقابل لا تحتاج إيران إلى أوروبا في دور الوسيط مع ترامب، فقد أعلن الرئيس حسن روحاني استعدادها للتفاوض يوم تراجع ترامب عن العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، لكن إيران تتعاون مع أوروبا بخصوص تنفيذ التزاماتها الخاصة بها.

وفي هذا الاطار تقوم طهران بتذليل العقبات لمساعدة أوروبا على الالتفاف على العقوبات وتمنحها مهلة إضافية من 60 يوماً.

تعليقاً على اجتماع بروكسيل يدعو المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي إلى أن تبرهن أوروبا عن إرادة سياسية وعن قدرة عملية في أن تدفع ثمن إنقاذ الاتفاق النووي ووجودها السياسي، بحسب تعبير وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

لكن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يرى العقوبات الأميركية قدراً عابراً للحدود، في إشارة إلى استحالة الالتفاف على العقوبات الأميركية وعجز أوروبا عن الانتقال من إعلان المواقف والبيانات إلى تنفيذ إجراءات عملية، كما يقول المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى حسين نقوي حسني.

لعل إيران الملتزمة بمهلة الستين يوماً الجديدة أمام أوروبا، تنتظر نتائج ما تتوقعه فيدريكا موغيريني في قولها "التعاملات الأولى هي حالياً قيد الإنجاز" لتنفيذ آلية المقايضة "إنستاكس" وإمكانية انضمام دول أخرى غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وربما يطمح خلف موغيريني جوزيف بوريل إلى الخروج من المأزق في إعلانه "عدم الاعتراف بالعقوبات الأميركية العابرة للحدود". لكن ما ينقذ أوروبا من الشلل واستسلامها للعجز، قد يكون اعترافها بأن وجودها السياسي يهدّده الأخ الأكبر الذي يهدّد الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.