ما هي خلفية عدم الالتزام الأوروبي مع إيران؟
الدول الأوروبية التي وقّعت الاتفاق النووي مع إيران، تدّعي التزامها اللفظي من دون تنفيذ أي التزام بإجراءات ملموسة اتفق عليها الجانبان بعد انقلاب ترامب. لكن هذا الادعاء الأوروبي يخفي تقاسم الأدوار مع الإدارة الأميركية، وهو ما تواجهه إيران في مهلة الستين يوماً.
في ختام لقائه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يقول وزير الخارجية الألماني هايكو مايس إن دول الترويكا الأوروبية ملتزمة بالاتفاق النووي "لكن لا يمكنها صناعة المعجزات". وهو ما أعلنته الدول الأوروبية في كل مناسبة، طالما أن الإعلان يوحي ظاهراً بتميزها عن الإدارة الأميركية، وقد يبرر لها عدم التزامها بتنفيذ الإجراءات بذريعة عدم الإمكانية نتيجة الضغوط الأميركية التي تهدّد المصالح الأوروبية مع الولايات المتحدة، كما يبرر دعاة السردية الرسمية الأوروبية.
ما يذكره وزير الخارجية الألماني بأن "المهم مواصلة الحوار لتجنّب التصعيد العسكري"، لعلّه يعبّر عن الخلفية الأوروبية الأقل مكراً التي تمثلها ألمانيا في رغبتها تجنّب التصعيد على أبوابها. لكن الأكثر تعبيراً عن الخلفية الأوروبية لعدم تنفيذ التزامها بالإجراءات العملية، يمثلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في دعوته إلى ما سماه تكامل الاتفاق النووي بما يشمل البرنامج الصاروخي وما سماه احتواء الدور الإيراني في المنطقة.
يبدو أن الدول الأوروبية التي تزعم التزامها بالاتفاق النووي، تراهن على استمرار الحوار الدبلوماسي مع إيران الذي يعفيها من التطبيع السياسي والاقتصادي بدعوى أنها تفتقد القدرة على الالتزام ولا تفتقد الإرادة السياسية.
وفي هذا الإطار سعت إيران إلى مساعدة أوروبا بعد انقلاب ترامب، على حفظ ماء الوجه بالاتفاق على آلية "إنستكس" الاقتصادية التي تتيح لأوروبا تجنّب العقوبات الأميركية، وهي آلية تتيح إنشاء هيئة أوروبية موكلة بحسابات الشركات الأوروبية المصدّرة والمستوردة من دون المرور بالبنك المركزي الأميركي.
الدول الأوروبية لم تلتزم بهذه الآلية التي وضعتها بنفسها، بل حاولت بعد الاتفاق على هذه الآلية تمرير حق الإشراف إلى ما يسمى هيئة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة التي تضم "إسرائيل" بين دول أخرى، وكذلك الاقتصار في التعامل الاقتصادي مع إيران على "الجانب الإنساني" في الغذاء والدواء من دون المنتجات الأخرى التي تحتاجها إيران.
ما تتذرّع به الدول الأوروبية بأنها تفتقد القدرة على تنفيذ التزاماتها ولا تفتقد الإرادة السياسية، يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها. فالتبادلات التجارية الأوروبية مع الولايات المتحدة لا تتجاوز نسبة 20 بالمئة من التبادلات التجارية الأوروبية مع الدول الأخرى التي تبلغ 2791 مليار يورو من الصادرات و2578 مليار يورو من الواردات.
وهذه التبادلات التجارية الأوروبية مع الولايات المتحدة أقل من ثلثي التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي لا تتذرّع بالمصالح الاقتصادية مع أميركا للتهرّب من تنفيذ التزامها بالاتفاق النووي.
ما تختلف به الصين عن الدول الأوروبية في رؤيتها لمصالحها، أن الصين ترى مصالحها في إطار استراتيجي وسياسي أوسع وأعمق من مصالح بعض الشركات الكبرى ولا تقتصر على مصالح هذه الشركات التجارية. ما تراه الصين تباعداً استراتيجياً وسياسياً مع الولايات المتحدة، لا تلغيه المصالح الاقتصادية والتبادلات التجارية.
لكن الدول الأوروبية ترى نفسها متقاربة استراتيجياً وسياسياً مع الولايات المتحدة، وهي لذلك تتذرّع بالمصالح الاقتصادية والتبادلات التجارية لإخفاء تقاسم الأدوار في الضغط على إيران.
ما تأمله الدول الأوروبية في الحوار مع إيران، هو ما يأمله ترامب في الضغط للتفاوض معها بشأن البرنامج الصاروخي، وما يسمى عدم زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومهما اختلفت الذرائع بين ترامب وبين الترويكا الأوروبية في هذا الشأن، فمصالحهما الاستراتيجية والسياسية تلتقي في "إسرائيل"، ومصالحهما التجارية والمالية تلتقي في السعودية والامارات.
لكن إيران تهدّد على لسان رئيس البرلمان الإيراني علي لا ريجاني وعلى لسان وزير الخارجية أمام هايكو ماس أن مهلة الستين يوماً غير قابلة للبحث، وأن إيران لا تحتاج إلى علاقات مع أميركا ومن الأولى أنها لا تحتاج إلى علاقات مع أوروبا.