هل دفعت السعودية المجلس العسكري السوداني لفضّ الاعتصام؟
المجلس العسكري المتهم بارتكاب مجزرة لفضّ الاعتصام، ربما يراهن على التخلّص من قوى الحرية والتغيير لتجميل وجه وسياسات عمر البشير. لكن هذه المراهنة تبدو أنها منسّقة مع السعودية والإمارات، من دون اعتراض جدّي من أميركا والدول الغربية.
لم يسمح المجلس العسكري السوداني لقوى إعلان الحرية والتغيير، استعراض قوّتها في ساحة الاعتصام يوم أداء صلاة العيد لكي لا يظهر حجم التأييد الشعبي ضد المجلس. فقد حاول الرجل القوي "حمدتي" (الفريق أول محمد حمدان دقلو) أن يحشد المؤيدين من "أنصار الشريعة" وقبائل دارفور أملاً بالدلالة على أن المعارضة لا تمثّل كل الأطياف المدنية، لكن التجمّع لم يزد على بضعة مئات ولم يكن بدّ من انتقال المجلس إلى التخلّص "من القوى المدنية" التي تعني الفوضى بحسب تعبير "حميدتي".
جولات التفاوض المتلاحقة بين قوى الإعلان وبين المجلس، علقت عند إصرار المجلس العسكري على إمساكه بالسلطة عبر رئاسة المجلس الرئاسي المزمع إنشائه وأكثرية الأعضاء. وأمام أزمة تعليق التفاوض حاولت قوى الإعلان وتجمّع المهنيين تصعيد الضغط على المجلس العسكري والتلويح بالعصيان المدني، لكن المجلس العسكري كان قد استنفد الاستعدادات الداخلية والخارجية للإطاحة بما كان يسميها "الشراكة بين قوى الثورة السياسية والعسكرية".
الدعم الذي تلقاه المجلس العسكري من السعودية والإمارات تحت صيغة مساعدات مالية، عزّزت طموحات المجلس للاحتفاظ بالسلطة، وغطّته مع الأطراف الاقليمية والدولية المعنية بأحداث السودان التي دعت من رؤوس الشفاه إلى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية من دون أي ضغط أو تهديد على خلاف ما جرت العادة.
فبعد تهديد الاتحاد الإفريقي بضرورة تسليم السلطة خلال 15 يوماً، تراجع خطاب المبعوث الخاص للاتحاد إلى السودان، محمد الحسن ولد لبات، قبيل فضّ الاعتصام بدعوة الطرفين إلى تفادي أجواء التوتر والعمل على إيجاد جو ملائم للشراكة، لكن سجّل هذا التراجع على طاولة واحدة مع القائم بالأعمال الأميركي ستيفين كوتيس والاتحاد الاوروبي ماثيو هولينجورت. وفي هذا الإطار يدعو الاتحاد المجلس العسكري بعد فضّ الاعتصام إلى تحقيق فوري وشفاف.
في 24 من الشهر الفائت أرسل المجلس العسكري إلى الرياض للتنسيق مع ولي العهد محمد بن سلمان في الخطوة المقبلة. وبعد يومين ذهب رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان إلى الإمارات، قبل أن يعلن في قمّة مكّة عن الولاء التام للتحالف السعودي في الحرب على اليمن والدعوة إلى الحرب ضد إيران. وتميّز في ذلك عن الدول الخليجية والعربية الأخرى التي أعربت عن تضامنها مع السعودية من دون تأييد الدعوة إلى الحرب ضد إيران.
ردود الفعل الدولية على فضّ الاعتصام واتهام المجلس العسكر بارتكاب مجزرة ضد المدنيين، اقتصرت على العبارات الدبلوماسية ورفع العتب في التنديد ضد العنف المجهول. فوزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت يتحدّث عما سماه "خطوة شائنة"، ربما تأخذ بعين الاعتبار أنها استهدفت "خارجين عن القانون"، كما يقول الناطق باسم المجلس الفريق ركن شمس الدين الكباشي.
ولم تتجاوز الخارجية الألمانية ولا الاتحاد الأوروبي ردّ الفعل الخجول ما ذكره الأمين العام للأمم المتحده أنطونيو غوتيريش بشأن ما سماه "استخدام القوّة المفرطة".
السعودية والامارات الداعمتان لسلطة المجلس العسكري، تعوّلان على محافظته على مصالحهما في السودان وعلى استمراره دعم الحرب على اليمن، وعلى تسجيل اسمه ضد إيران وضد تركيا. لكن الدول الغربية تعوّل على المجلس العسكري في استمرار سياسة "أفريكوم" التي تعهّد بها "حميدتي" مع ستيفن كوتيس ضد الهجرة الافريقية والالتزام "بسياسة مكافحة الإرهاب" في نظام عمر البشير.
لكن هذا التعويل السعودي - الاماراتي والأميركي، مرهون بقدرة إعلان الحرية والتغيير على تغيير موازين القوى مع المجلس الذي باتت تسميه "المجلس العسكري الانقلابي".
فإذا نجحت بإثبات معادلات التأييد الذي تحظى به في السودان وبين الشعوب العربية التي يعبّر عنها تأييد زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي، ربما لا يستطيع المجلس العسكري الخروج من عنق الزجاجة.