هل تدلّ القمم الثلاث الباهتة على أفول السعودية؟

المراهنة السعودية على الحماية من الخوف في القمم الثلاث التي دعت إليها في مكة المكرمة، لم يتجاوب معها، كما أملت الرياض، أكثر من المجلس العسكري السوداني. لكن اتساع الهوّة بين السعودية وأقرب المقربين، ربما يدل على أن خيارات الحكم السعودي أمام حائط مسدود.

القمم الثلاث في مكة المكرمة تدل على أفول خيارات ابن سلمان (أ ف ب)

اختيار مكة المكرمة لعقد قمم ثلاث عربية وخليجية وإسلامية، هو أقصى ما تستطيع السعودية استنفاره، أملاً بالإيحاء أن الرياض تطلب العون لحماية الأماكن المقدّسة وحشد أوسع دعم لمواجهة خطر وجودي يتجاوز الاعتبارات السياسية وحتى الاعتبارات الاستراتيجية.

في هذا السياق تتخيّل السعودية أن التصويب على إيران هو تحصيل حاصل، بعد اتهامها الجيش اليمني واللجان بمحاولة استهداف مكّة المكرّمة. وإمعاناً في الإيحاء استعرضت الرياض أمام الوفود قطعاً من الطائرات المسيّرة التي قالت أنها إيرانية، أسقطتها في الأجواء السعودية.

وعلى أساس هذه الإيحاء المبطّن دعا الملك سلمان أمام القمة العربية الطارئة إلى "استخدام كافة الوسائل لردع إيران"، وطلب من القمة "اتخاذ إجراء حاسم لوقف الأنشطة التخريبية في المنطقة".

الإجراء الحاسم الذي تسعى إليه الرياض هو الموقف الموحّد في حدّه الأدنى إلى جانب السعودية ضد إيران، وتغطية مراهناتها على الحرب "من ضمن كافة الوسائل".

هذا المسعى لم تحققه السعودية ولم يتجاوب معه سوى رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي أعلن "دعم كل الإجراءات التي يتخذها الأشقاء في الخليج لحفظ أمنهم"، وخصوصاً ما سماها المشاركة في "دعم الشرعية في اليمن".

الدول العربية والخليجية والإسلامية الأخرى، لم تدعم السعودية في خيار الحرب ضد إيران، بل تناغمت بشكل أو بآخر مع دعوة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى "التمسك بخيار الحوار لاحتواء الموقف وتجنيب منطقتنا ويلات حروب عانينا منها طويلاً".

أكثر من ذلك، عبّر العراق عن أن تعريض أمن إيران للخطر يهدّد أمن الخليج والمنطقة العربية وكشف عن أن البيان الختامي الذي تحفّظ عليه العراق لم يشارك بصياغته. فهو بيان دبلوماسي يراعي أهواء البلد المضيف، كما جرت العادة في ترداد ما لا يلزم.

الحديث عن إدانة "التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية الداخلية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، هو أشبه بعمليات التجميل، ولا يرقى إلى مستوى الموقف الداعم للسعودية، كم يصفها زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي. ولعل الدعم في الموقف هو ما أعلنه جون بولتون في أبو ظبي قبيل القمم الثلاث، أملاً في أن تستند السعودية إلى صقور الإدارة الأميركية، إذا تعرّضت لإحباط متوقّع في القمم الثلاث.

المواقف الداعمة للسعودية في القمم العربية والخليجية والإسلامية السابقة على قمم مكة المكرمة، لم تكن على محك اتخاذ إجراءات الذهاب من إعلان المواقف إلى الحرب. وحين أصبح الموقف على محك الحرب في اليمن، لم يذهب غير عمر البشير. وبعد أن اتضحت المخاطر لم تنجح السعودية و "إسرائيل" وصقور الإدارة الأميركية في المراهنة على مشروع الناتو العربي ولا على حلف وارسو عربي في مؤتر بولندا.

في هذا السياق تنكشف السعودية في قمم مكة الثلاث، ولا تجد بجانبها أكثر من الإمارات والمجلس العسكري السوداني، فضلاً عن "إسرائيل" وصقور الإدارة الأميركية. لكنها تنكشف في أصعب الأوقات التي يتراجع فيها دونالد ترامب عن التصعيد ضد إيران خوفاً من الانزلاق إلى حرب مدمّرة، وفي وقت يضطر فيه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وهو من أكثر الداعمين للسعودية، إلى دعوة السعودية والإمارات لوقف "الحرب القذرة" على اليمن.

خيارات السعودية في المراهنة على الحرب ضد إيران وفي العدوان على اليمن وفي التخريب في ليبيا والسودان.. إلخ، هي أمام حائط مسدود يشير إليه تغيّر المواقف في القمم الثلاث الباهتة. ولعلّ إيران المتهمة بأنها تشن الحرب على السعودية، هي التي تسعى لإنقاذ السعودية من أزمتها الوجودية في المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، من أجل الاتفاق على معاهدة حسن الجوار وحفظ الأمن المشترك في المنطقة.

في هذا الإطار، يكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن معرفته بأن عدداً من دول الخليج جاهز لبحث هذه المبادرة بداية من الاتفاق على عدم استخدام القوّة، وأن موسكو ستكون جاهزة للمساعدة، وهو أمر يدل على اتساع الهوّة بين هذه الدول من جهة وبين السعودية والإمارات من جهة ثانية. لكنه يدل على أفول خيارات محمد بن سلمان.