هل يقف رجل الأمن والمخابرات وراء المجلس العسكري في السودان؟

رئيس اللجنة السياسية عمر زين العابدين يعرض في مقولة "جيش الكومبارس" صورة وردية، تتناقض مع بيان المجلس العسكري الذي قدّمه رئيس المجلس الفريق عوض بن عوف. لكن التحفظ على إعلان أعضاء المجلس العسكري الذي أطاح بالبشير، ربما يؤجل بحسب التوقعات ظهور دور الرجل الأقوى في الانقلاب صلاح عبد الله غوش المدعوم على الأرجح من بعض الدول الغربية والخليجية.

ما تكشفه شبكة سي أن إن الأميركية عن اللقاء الأخير بين عمر البشير وقادة الأجهزة الأمنية، يدل على ما وصفه تجمّع المهنيين بأنه انقلاب على الانقلاب رضخ له البشير بقوله "على بركة الله" إذ لم يعد أمامه خيار آخر تحت ضغط تصاعد الاحتجاجات الشعبية من جهة وضغط قياداته العسكرية والأمنية وربما أيضاً بعض السفارات الغربية والخليجية من جهة أخرى.
المجلس العسكري يتحفظ على أسماء أعضائه وعددهم وهوياتهم لسبب جلل على أغلب الظن. فاللقاء الأخير مع البشير الذي حمله على العزلة "في مكان آمن" بحسب تعبير ابن عوف، أجراه قادة الأجهزة الأمنية الأربعة التي تسرّب منها أسماء رئيس المجلس العسكري ابن عوف ونائبه كمال عبد المعروف الماحي وهو نائب رئيس أركان الجيش. وتسرّب إلى جانبهما ببعض التحفّظ اسم المفتش العام للقوات المسلّحة عبد الفتاح برهان وقائد القوات البحرية عبد الرحمن المطري. وبينما اعتذر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" عن الانتماء إلى المجلس العسكري طمعاً بأن يصبح رئيساً في الانتخابات كما يطمح، غابت أصداء الرجل القوي في العلاقة مع بعض الدول الغربية والخليجية الفريق صلاح عبد الله غوش مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني.
ما أثار موجة من التشكيك بالانقلاب بين المحتجين، يعود إلى أن عوض بن عوف هو ساعد البشير الأول وبطله العسكري منذ اللحظة الأولى حتى الحرب في دارفور حيث سقط نحو 300 ألف قتيل. وفي هذا المسار صعد نفوذ ابن عوف كما صعدت مكانة "حميدتي" الذي أنشأ قوات الدعم السريع المؤلفة من قبيلة الزريقات الرعوية لحماية تجارة قطعان الإبل بين تشاد والسودان ودارفور والجنوب الليبي والمتمددة إلى ولاية النيل الأزرق. وفي سبيل تسهيل استثمار الامارات والسعودية في الأراضي الزراعية وتجارة الحبوب خارج السودان، تلقى "حميدتي" الدعم السخي في الحرب التي تؤدي لنزوح الرعاة والمزارعين عن أراضيهم والاستيلاء على آلاف الهكتارات من أرزاقهم. لكنه أذاع صيته بتضخيم أسطورة الرجل الفاحش الثراء الذي يوزع الأموال على الفقراء والمحتاجين في الشمال.
مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله غوش، أثبت براعته الأمنية مع انقلاب البشير ولا سيما في العام 1989 حين صعدت موهبته بأنه صاحب "بيوت الأشباح" (السجون السرية) التي طالت تعذيب أخيه بسبب تعاطفه مع الحزب الشيوعي السوداني. وفي مرحلة لاحقة شاع في السودان اتهامه بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية والأوروبية في ملف "المجاهدين العرب" وبات الرجل الأمني القوي المرحّب به في وكالات الدول الغربية ما أخاف البشير من صعوده وأدى إلى اتهامه بتدبير انقلاب مع الدول الغربية في العام 2013.
عودة غوش إلى استلام جهاز المخابرات في شباط/ فبراير عام 2018، يبدو أنها جاءت بناء على نصيحة رئيس الاستخبارات الأميركية وقتذاك مايك بومبيو الذي كان يشرف على إنشاء محطة لوكالة الاستخبارات الأميركية في إطار قوات"أفريكوم" التي تعمل على "التدريب والتخطيط والتنسيق لمكافحة الإرهاب" ومكافحة الهجرة الافريقية نحو أوروبا.
في هذا السياق استقبلته أوروبا قبيل الانقلاب في اجتماع أمني في باريس في شهر ت2/ أكتوبر الماضي وفي مؤتمر ميونيخ للأمن في شهر آذار/ مارس الماضي حيث أجرى لقاء سرياً على هامش المؤتمر مع رئيس الموساد يوسي كوهين بحسب موقع "ميديل إيست إيه" البريطاني. لكن الخارجية السودانية نفت حصول اللقاء بينما يتسرّب عن مصدر عسكري على الموقع نفسه أن اللقاء هو في إطار مؤامرة دبرها حلفاء إسرائيل في الخليج لتنصيبه رئيساً عندما يتم اسقاط البشير. ونقل موقع "أفريكا إنتيليجنس" المقرّب من الأروقة الأميركية بأن غوش هو خليفة البشير المفضّل في أميركا.
رئيس اللجنة السياسية عمر زين العابدين ربما يعبّر عن مشاعر صغار الضباط في الجيش السوداني الذين ينتمون إلى مدرسة سوار الذهب في "جيش الكومبارس" الذي ينتظر "زول" يرشد المجلس العسكري إلى ما ينبغي عمله لتنفيذ مطالب الشعب السوداني. لكن رئيس المجلس العسكري عوض بن عوف الذي أطنب ذهاب الجيش للحرب على اليمن "من أجل حماية الحرمين الشريفين"، قد يكون مع بعض كبار الضباط على موجة مدرسة البشير في تدبير الانقلاب. ومن خلف الستار ربما ينام مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله غوش على حرير الدعم الأميركي والأوروبي وحلفاء إسرائيل الخليجيين، ريثما تخفت أصداء تهديده "بخمسة جيوش تنتظر ساعة الصفر كي تتقدم نحو العاصمة والقضاء على احتجاجات التخريب والفوضى".
فالمتغيرات في السودان لا تقتصر على انتظار ردود الفعل من المتظاهرين والقوى السياسية وتجمع المهنيين والتحالفات الأخرى، إنما تتعدى ذلك إلى انتظار بروز التباينات الكبيرة بين كل من صغار الضباط وقيادات الجيش العسكرية وقيادة المخابرات والأمن.