هل تتخذ الجزائر من صدّ الأطماع الخارجية طريقاً لحل الأزمة؟

الجزائر التي تتجه إلى إرساء حل لأزمة الحكم برعاية المؤسسة العسكرية، ترسم طريقاً باهراً للمرحلة الانتقالية وحل الخلافات بطريقة حضارية سلمية. لكن الجزائر لم تعبر إلى هذا الطريق لولا وقوفها صفاً وحداً ضد التدخلات الخارجية.

الحراك في الجزائر الذي مضى على بدايته ستة أسابع في شوارع العاصمة والمدن الجزائرية وفي فرنسا أيضاً التي يعيش فيها أربعة ملايين جزائري، لم يستطع أحد أن يحرفه عن مساره السلمي ولم يتجرأ أحد في الداخل والخارج على اتخاذه مطيّة في المراهنة على مطامع تفتيت دولة الجزائر للسيطرة على ثرواتها وعلى دورها الوطني في السياسة الخارجية.

يتصف الحراك بأنه عفوي نظراً إلى أنه أوسع وأهم من يضع نفسه تحت أمرة تيارات وأحزاب سياسية أثبتت فشلها في صراع عقيم على السلطة. لكنه حراك يزخر بوعي وطني صلب مستمد من إرث الثورة الجزائرية، فعبّر منذ اللحظة الأولى عن رفض التدخل في الشؤون الداخلية حين حاول وزير الخارجية الفرنسية أن ينطق بكلمة في الشأن الجزائري ورفع العديد من المتظاهرين الأعلام الفلسطينية إشارة إلى هوية الجزائر العربية. ولم يسمح الحراك بتنصيب ناطقين باسمه برزوا في الأصداء مثل بعض الشباب المتحمسين والمحامي الحقوقي مصطفى بوشاشي والقيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية (حزب آية أحمد) كريم طابو.

لم ينتفض الجزائريون ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يقدّرون له انخراطه القديم في معركة الاستقلال والخروج بالبلاد إلى برّ الأمان بعد العشرية السوداء مثلما يقدّرون له حفاظه على سياسة الجزائر الوطنية وتزويد جيشها بالعتاد وصواريخ أس 400 الروسية. لكنهم ينتفضون ضد ما وصفه قائد الأركان أحمد قايد صالح "بعصابة استولت بغير حق على مقدرات الشعب". وهي التي استغلت مرض الرئيس لتتبوأ مراكز رجال الأعمال في السيطرة على الاقتصاد الجزائري والسعي إلى تشابكها مع المصالح الخارجية التي تبحث عن النفوذ في الجزائر.

المؤسسة العسكرية التي حرصت أثناء الحراك على حماية الحدود خشية تغلغل الجماعات الإرهابية، تخوض معارك ضد هذه الجماعات وعصابات التهريب في شرقي تندوف. ولعلها في سياق الحماية من التدخلات الخارجية ألقت القبض على رئيس "منتدى رؤساء المؤسسات" علي حداد على الحدود التونسية وهو رئيس أكبر تجمّع لرجال الأعمال الجزائريين يخضع للتحقيق مع عدد آخر بينهم محي الدين طحكوت ورضا كونييف بحسب وكالة الانباء الجزائرية.

الجيش هو العمود الفقري للدولة في الجزائر، وفق تعبير الرئيس الرحل هواري بومدين. ولم يعرف انقسامات وانشقاقات في أحلك المراحل التي مرّت بها الجزائر في عشرية الجمر. بل حمت المؤسسة العسكرية وجود الدولة ومؤسساتها. وفي سبيل الحفاظ على هذا الدور الوطني الراعي للمصلحة العليا، خضع الرجل القوي في قيادة الأركان السابقة الفريق محمد الأمين مدين (توفيق) لقرار التنحية الذي أصدره الرئيس بوتفليقة ولم يحاول تعريض الدولة لعدم الاستقرار على الرغم من تأثيره الكبير ونفوذه الواسع. وفي أغلب الظن أن إشارة أحمد قايد صالح إلى "العصابة"، لا تقصد اجتماع الفريق مع الرئيس السابق اليمين زروال بطلب من مستشار الرئيس. ولعل توفيق الذي يتعفف عن المناصب كما يتعفف زروال لا يزال يتمتع بمسؤولية المساهمة المعنوية في البحث عن حماية الدولة.

قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح الذي يقود السفينة إلى برّ الأمان، ينتمي إلى المدرسة العسكرية التي تخرّج منها توفيق والقائد العسكري الراحل محمد العماري وأيضاً الجنرال عثمان طرطاق (بشير) الذي عيّنه الرئيس بوتفليقة رئيساً لدائرة الاستعلام والأمن في الرئاسة بعد تنحية توفيق. فهم ومعظم كبار الجنرالات إرث جيش التحرير الوطني الجزائري الجناح المسلّح لحزب جبهة التحرير الوطني خلال حرب الاستقلال، مشبعون بالعداء لفرنسا والغرب وفي الاتجاه للصداقة والتعاون مع روسيا والدول المعادية لأميركا.

قايد صالح "ينحاز إلى الشعب الذي صبر طويلا وحان الوقت لأن يسترجع حقوقه المشروعة"، بحسب تعبيره، هو بطبيعته وتربيته ينحاز إلى المحافظة على استمرارية الدولة. ولا تعجز المؤسسة العسكرية الراعية للدولة عن إيجاد المخارج لتعقيدات دستورية وسياسية فكّكت جلّها في وقت قياسي.