في عيدها الـ 40، كيف تحمي الثورة الإيرانية تراث حركات التحرر؟

ثورات حركات التحرر التي أفلت قبل 40 عاماً ضاع تراثها الثوري في مهب الانتقال من المشاريع الكبرى والطموح لتغيير أسباب الظلم والعبودية، إلى الغرق في البحث عن إدارة الأزمات أملاً بتخفيف مصائبها وليس حلّها. لكن الثورة الإيرانية التي نهضت عكس تيار الأفول، تدحض في عيدها الـ 40 الاعتقاد الشائع بأن الثورة تأكل أبناءها.

تحسب أميركا و"إسرائيل" ألف حساب للثورة الإيرانية في حلّها وترحالها

حركات التحرر التي نشبت بعد أن خمدت مجازر الحربين العالميتين، أخذها الطموح إلى التفلّت من ربقة "اتفاق يالطا" الذي قضى بتقسيم الغنائم في "العالم الثالث" بين المعسكرين الرابحيْن في الحرب. فالطموح إلى التحرر هو الطابع الفطري الأساس الذي حملته حركات التحرر على اختلاف مشاربها ومعتقداتها.

من هذا الجذر تفرّعت المساعي إلى المشاريع الكبرى التي تحفظ الكرامة وتحفظ الحقوق في الاستقلال عن الاستعمار المباشر وعن الاستعمار غير المباشر في التبعية والإلحاق. وفي السياق كبرت الأحلام المشروعة للتمتّع الحرّ بالتراث الثقافي الموروث والمعتقدات والمبادىء والإفادة من تضحيات الأجداد التي طوّعت الطبيعة بالعرق والدماء لـتأمين العيش الكريم بثروات الأرض المعطاءة وخيراتها.

انبلجت الثورة الإيرانية قبل 40 عاماً من أجل الاستقلال عن "الشيطان الأكبر" الذي كانت تسميه معظم حركات التحرر الإمبريالية الأميركية. وهدفها هو تحرر المستضعفين من الاستكبار العالمي. فنظام الشاه الذي نصّبته الولايات المتحدة حاكماً على إيران في انقلابها على مصدّق الذي حاول إفادة الإيرانيين من الثروة النفطية، هو ما استهدفت تحطيمه الثورة الإيرانية في باكورة اندلاعها.

وفي انتزاعها الاستقلال عن أميركا والتحرر من الاستكبار، تخطّ طريق نصرة المستضعفين في الأرض في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومقدساتها وفي الدعوة لوحدة العالم الإسلامي وفي التضامن مع أحرار العالم في كوبا وفنزويلا وأميركا اللاتينية والتيارات التي تواجه قوى الشرّ الأميركية والإسرائيلية.

الطريق المعاكس الذي سلكته بعض الدول العربية والإسلامية بدعوى "الواقعية السياسية" وأن "العين لا تقاوم المخرز"، أودى بالدول والمجتمعات إلى انهيار لا قعر له في داخل كل بلد وفي محيطه الإقليمي.

فالمراهنات الموعودة على أقاويل السلام الذي يؤدي إلى الاستقرار والسلام، كما راج ويروج في دعوات التطبيع مع "إسرائيل"، يٌفضي إلى ما عدّ له ولا حصر من الأزمات المستفحلة يوماً بعد يوم في المجتمعات العربية على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجيو - سياسية. والأخطر أنه يُفضي إلى فقدان الكرامة العربية وعدم حسبان أميركا و"إسرائيل" لأثر في وجودها الذي تهدّده أميركا و"إسرائيل" ساعة تشاء إذا خطر لهما التخلّي عن "حليف" فاقد النفع.

على النقيض من هذا الانهيار العربي، تحسب أميركا و"إسرائيل" والدول الغربية الأخرى ألف حساب للثورة الإيرانية في حلّها وترحالها؛ فالرئيس الأميركي الذي يتحدث عن حال الاتحاد بعد لأيٍ وخلافاتٍ مع النواب، يصوّب الاستراتيجية الأميركية باتجاه العداء لإيران بشكل يتجاوز العداء الغريزي ضد روسيا والصين. وهو في سبيل شيء من الجدّية يتجنّد مع صقور إدارته جون بولتون ومايك بامبيو لإنشاء ناتو عربي مع بعض دول الخليج وإنشاء حلف وارسو جديد في مؤتمر بولندا.

لكن هذه الجهود والمساعي لا تفلح أكثر من ابتزاز السعودية لدرجة تعرّضها للاستدانة بحدود 31 مليار دولار. ولا تشي محاولات وارسو بالعمل الجدّي للنيل من إيران. فلا يزال المأزق أمام أميركا و"إسرائيل" هو ما كان عليه خلال ولاية باراك أوباما. وهو أن أميركا يمكنها الاعتداء على إيران، لكنها لا تضمن في اليوم التالي للعدوان العودة إلى ما كانت عليه أميركا و"إسرائيل".

ما تقوم به أميركا لمواجهة الثورة الإيرانية، هو ما بحوزتها وتقدر عليه في الحرب الاقتصادية والعقوبات التي باتت إجراءً مألوفاً في إيران والدول الأخرى التي تتعرّض لهذه الحرب. لكنها حرب ذات حدّين؛ فإيران تختلف عن بعض الآخرين بأنها تتغذى من أرضها وقد أدّى الحصار والعقوبات إلى تعزيز الأمن الغذائي والسيادة الغذائية وتعزيز الأرياف والصناعات الحرفية واليدوية وهي تراث إنساني أكثر من كونه إيراني محلي.

وفي الصناعات التي تعزّز صمود ومقاومة الثورة الإيرانية، تتجاوز في العيد الأربعين الطموح كما تجاوزت التقانة في القدرات الدفاعية أكثر التطلعات تفاؤلاً.