أين موسكو من الاعتداء الإسرائيلي على سوريا؟
في العدوان على بعض نقاط الدفاع الجوّي في سوريا، تحاول "إسرائيل" تثبيت ما تسميه "حرية العمل" بذريعة مواجهة التهديد الإيراني في العودة إلى ما قبل إسقاط الطائرة الروسية. لكن المحاولات الإسرائيلية تستهدف فرض أمر واقع على ترامب، بأنها القوة الضاربة "لحلف وارسو" في حرب مزعومة ضد إيران. وهو ما يتجاوز قدرات ترامب والحلف مقابل قدرات موسكو وطهران في التفاهم الاستراتيجي على إجهاضه.
الاعتداء الإسرائيلي على مواقع بين محافظتي دمشق والسويداء، لم يتخطَّ ما كانت فرضته موسكو على "إسرائيل" على إثر إسقاط الطائرة الروسية في منعها مما تسميه "إسرائيل" "حرية العمل" فوق الأراضي السورية والاعتداء على مواقع سورية تشملها موسكو بمسؤولية حمايتها.
في هذا الإطار تٌعلن "إسرائيل" "استهداف مواقع فيلق القدس"، في إشارة إلى المحافظة الشكلية على الخطوط الحمر الروسية. وتعمل في الوقت نفسه على العودة إلى "الآلية العسكرية المشتركة لتفادي وقوع حوادث في الأجواء السورية"، بحسب مسؤول عسكري. وهو ما قفزت عنه "إسرائيل" في العدوان الذي أسفر عن إسقاط الطائرة الروسية، حين أبلغت موسكو أثناء العدوان لرفع العتب ورد الفعل الروسي.
ما رآه المسؤول الإسرائيلي بأن "إخلاء الموقع الإيراني يدلّ على تورّط إيران في إطلاق الصاروخ على مرتفعات الجولان"، هو دليل على أن موسكو تتخذ الاحتياطات مع حلفائها لتقليص حجم الخسائر من دون تدخل مباشر في صراع الحلفاء مع "إسرائيل"، الذي يتجاوز مساحة الحماية الروسية في سوريا.
وفي هذا السياق رأت وزارة الخارجية الروسية أن العدوان يظل في إطار محدود تتصدّى له سوريا باستخدام نظام الدفاع الجوّي من طراز "بانستر" و"بوك"، كما ذكر المتحدث باسم مركز إدارة الدفاع القومي الروسي.
الجنرال الإسرائيلي في جيش الاحتياط "يوآف غالانت" يعلّق على المعركة الدائرة بين "إسرائيل" وحلفاء موسكو، بأن إيران تعتمد عدة أركان في استراتيجيتها، منها استنزاف "إسرائيل" إلى جانب تطوير الأبحاث النووية والصاروخية.
والأرجح أن الجنرال الإسرائيلي يشير إلى تطور القدرات الصاروخية الإيرانية والنووية التي أفصح عنها رئيس الوكالة للطاقة الذرية علي أكبر صالحي في إعلانه اعتماد وسائل جديدة للتخصيب قادرة على رفع مستوى التخصيب إلى 20% في غضون 4 أيام.
في الحلقة الأخيرة من المساعي الإسرائيلية للحرب على إيران التي استعرت ضد الاتفاق النووي والتحالف مع دول خليجية، يطمح ترامب إلى إنشاء حلف جديد في مؤتمر وارسو ضد إيران. وهو ما أعلنه مايك بومبيو في القاهرة في "دعم إسرائيل بقوّة لمنع تحويل سوريا إلى لبنان آخر". وعلى هذا المنحى تعلّق وزارة الخارجية الروسية في رؤيتها أن "وارسو" هي "محاولة لإعادة توجيه جهود التسوية السورية واليمنية إلى المسار المعادي لإيران"، ويمكن الإضافة أيضاً بأن الاعتداء على مواقع في سوريا هو في سياق المنحى نفسه.
في هذا السبيل يدّعي نتنياهو خلال وجوده في مصانع صواريخ "سهم 3" أن "قدرات إسرائيل الدفاعية والهجومية هي الأكثر تقدماً في العالم"، رداً على قائد القوات الجوية الإيرانية عزيز نصير زادة، الذي أكّد قدرة إيران على هزيمة العدوان الإسرائيلي وعلى إزالة الكيان.
لكن نتنياهو يقدّم، في هذه الادعاءات، أوراق اعتماده القوة الأميركية الضاربة "لحلف وارسو" المزمع تأليفه، من دون أن يستند إلى وقائع تدعم ادعاءاته، بل على العكس من ذلك قد يكون الادعاء الشديد العجرفة والمبالغة، تعويضاً عن الضعف والتراجع مقابل القدرة الإيرانية.
في تقرير عن "القوّة النارية العالمية" تقول "آنا أهرونهايم" في موقع "الدفاع الدولي"، إن قدرات "إسرائيل" تراجعت من المرتبة 11 إلى المرتبة 17 في العام الماضي، بينما تقدّمت إيران من المرتبة 20 إلى المرتبة 11 بسبب تطور قدراتها الصاروخية والقدرات البحرية.
وللتعويض عن التفوق الإيراني يتعمّد نتنياهو برفع سقف ادعاء القوّة في إطار الحملات الإعلامية، كما احتفلت "إسرئيل" على الصعيد الشعبي "بنجاح صاروخ اعتراضي من نوع "حيتس 3" في وسط فلسطين المحتلة بالتعاون مع الجيش الأميركي.
الاعتداءات الإسرائيلية تحت سقف الخطوط الحمر في سوريا، هي ذرائع تكتيكية "في ميدان اختبار نظاميْ دفاع وقتال" بحسب "سيث فرانتزمان" في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية. وفي هذا الميدان ترجح الكفّة الإيرانية ودمشق التي أثارت في التصدي للاعتداء لغز عدم تحريك "نظام اس 300"، الذي يمكن استخدامه في حرب الصواريخ البالستية وهجوم الطائرات المعادية.
موسكو التي تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في الصراع بين "إسرائيل" وحلفائها في سوريا، معنيّة في الدرجة الاستراتيجية الأولى في حرب يخوضها حلف أميركي جديد في وارسو؛ فإسرائيل التي تطمح لحرب لا قدرة لها على القيام بها ضد إيران، تراهن على قيادة أميركية لحرب الحلف ضد إيران على نقيض توجهات ترامب، الذي يتراجع عن الاستراتيجيات الأميركية المألوفة منذ الحرب العالمية الثانية في خوض الحروب المباشرة وفي قيادة الأحلاف العسكرية.
ففي حال خوض أميركا وحلفها حرباً ضد إيران، قد تتمدّد الحرب إلى محاولة محاصرة موسكو في عقر دارها، وهي إذ تحاول الحدّ من التصعيد في سوريا، تراهن على أن إدارة الاشتباك مع "إسرائيل" تحت سقف الخطوط الحمر في سوريا، من شأنه تفكيك الغلواء الإسرائيلي للحرب ضد إيران في مهده.