هل يلمّح ترامب لإيران باستعداده التخلّي عن السعودية؟
الإلحاح الأميركي على لقاء المسؤولين الإيرانيين مقابل وعود مغرية ومن دون شروط مسبقة، يشير إلى أن الرئيس الأميركي يحتاج إلى التقارب مع إيران من أجل استخدام إزالة التوتر لتأمين نجاحه في الانتخابات النصفية في أميركا. لكن التراجع الأميركي عن العدائية ضد إيران، يتضمّن تخلّي ترامب عن مجمل السياسات المعادية لإيران وفي مقدمها وقف المراهنات السعودية ضد طهران.
قد يكون ما أُطلق عليه "نظرية الصدمة" تعليقاً على نتائج مباحثات دونالد ترامب مع كوريا الشمالية، مبالَغة في غير محلها للإيحاء بأن تهديدات ترامب القصوى تؤدي إلى انصياع الخصم للتفاوض على تلبية الشروط الأميركية خوفاً من القوّة الأميركية أو رغبة باستجداء الرضى الأميركي.
لكن المباحثات بين الزعيم الكوري وترامب في سنغافورة لم تُسفر عن إجراءات عملية لإزالة الأسلحة الكورية ولا عن مسار لتدخّل الوكالة الدولية للطاقة الذريّة في الإشراف والمراقبة على تفكيك الترسانة النووية، ولا عن أي خطوة ملموسة في هذا الاتجاه حتى الآن.
فكل ما أسفر عنه التقارب بين الطرفين من مستجدات لم يتجاوز إعلان كوريا الشمالية المبدئي عن رغبتها بالتخلّص من السلاح النووي، من دون أي إلتزام آحادي الجانب، وأسفر عن تدمير منشأة متقادمة أمام الإعلام.
لم تطمح كوريا الشمالية من وراء ذلك إلى مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة، كما ترى الأسماك التي أكلت طعم ترامب وهو الذي يتّخذ من كسب المال عقيدة وجهاد. لكنها تطمح إلى إزاحة الكابوس الأميركي عن دول بحر الصين لكي يتسنى لها العمل المشترك على توحيد الكوريتين الجنوبية والشمالية وعلى تبادل المنفعة والمصالح المشتركة في المنطقة. وفي هذا الإطار تطوّر كوريا الشمالية، من جلبة وضوضاء، برامج صارخية جديدة يمكنها أن تضرب العمق الأميركي بفاعلية أكبر، بحسب صحيفة الوشنطن بوست وتأكيد وزارة الدفاع الأميركية.
تكرار ما يسمى "بنظرية الصدمة" مع إيران، يثبت مرّة أخرى أن ترامب هو الذي يتراجع من غير سابق إنذار بعد التهويل بالحرب النووية والويل والثبور وعظائم الأمور. فالردود الإيرانية على تهديداته دلّت على حزم صارم على المواجهة التي أجمعت عليها كل القوى والمؤسسات الإيرانية بمستوياتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية. وفي هذا السياق عبّر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قدرة إيران في مواجهة يمكن أن تبدأها وشنطن لكن طهران تنهيها.
دعوة ترامب للتفاوض من دون شروط مسبقة، تثبت أن ترامب يتراجع عن تهديداتها بمثابة تحصيل حاصل المتغيرات الطارئة بين عشية وضحاها. لكنها تثبت كذلك تراجع ترامب عما أعلنه وزير خارجيته مايك بومبيو في 21 أيار/ مايو تحت مسمى "12 شرطاً يتوجب على إيران قبولها قبل موافقة واشنطن على التفاوض".
ومن أجل تجنّب أي التباس يمكن أن يوحي لطهران بأن ترامب يراوغ في دعوته، عقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر تاورت مؤتمراً صحفياً مقتضباً أكدت فيه على تأييد وزارة الخارجية لدعوة ترامب. وجاء التأييد على وجه السرعة لمجرّد إشارة المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إلى تناقض التصريحات بين ترامب وبومبيو.
في الحقيقة تتراجع أميركا عن التهديدات والشروط المسبقة، وتقدّم أيضاً فوق التراجع وعوداً مغرية لمجرد موافقة إيران على المباحثات. فالمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي غاريت ماركيز يُسهب بتعداد المغريات الموعودة منها: اتخاذ إجراءات لإنهاء العقوبات وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية والتجارية الكاملة ودعم وتطوير التكنولوجيا الايرانية وإعادة دمج الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد العالمي.
في المقابل لا يحدّد ترامب وإدارته مطالب محددة غير اللقاء المباشر في الدعوة للقاء المسؤولين الإيرانيين. فهو الذي أشاع سابقاً رفضه للاتفاق النووي، لا يتسنى له البحث في أي من مواد الاتفاق التي لا بديل منها بحسب قوانين وكالة الطاقة الذرية وتشريعاتها. وهو لا يتسنّى له وضع شروط استثنائية على القدرة الصاروخية في حال عدم العدائية التي يطمح إليها ترامب.
ترامب يحاول تسويق لقاء مع المسؤولين الإيرانيين، في حال موافقة إيران، في الحملة الانتخابية النصفية التي تحسم رئاسة ترامب لولاية ثانية بعد سنتين. وكما استخدم اللقاء مع زعيم كوريا الشمالية مادة خصبة في الدعاية المضلّلة، يمكن له استخدام دعاية أضخم وأهم في لقاء افتراضي مع إيران. وفي سبيل هذا المسعى الطموح، يلمح ترامب لإيران عن استعداده للتخلي عن السياسات العدائية ضد طهران. وهي تشمل بطبيعة الحال وقف مراهنات السعودية على أميركا في دعم العدائية، بكل متفرعاتها وتشعباتها الإقليمية.
صمود إيران المبدئي وبحسب موازين القوى الفعلية، قد تدفع ترامب إلى تقديم المزيد من التنازلات الملموسة والمغريات. وإن لم يقدمها في الإعلام على الملأ قد يعرضها للتوسط مع إيران عبر وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي الذي أبدى استعداده للوساطة. أو عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بثمن باهظ جداً يقال أن ترامب سمعه من بوتين في اجتماع هلسنكي. وما تسرّب في هذا الشأن يحاول الكونغرس الأميركي أن يكتشفه عبر إحالة المترجمة بين بوتين وترامب إلى التحقيق.