لماذا تفشل محاولات موسكو في الجنوب السوري؟
المساعي الروسية لإرساء اتفاق خفض التصعيد مع واشنطن وإسرائيل والأردن في الجنوب السوري، تواجهها مخاطر التراجع الأميركي والإسرائيلي عن التفاهمات الأولية. لكن هذا التراجع الذي يهدّد بالتصعيد ضد سوريا وإيران قد لا يترك لروسيا سوى مواجهة التصعيد في الجنوب السوري.
الاجتماع الثلاثي المقرر عقده في عمان على مستوى نواب وزراء الخارجية بين الأردن وموسكو وواشنطن، يبدو أنه بات من لزوم ما لا يلزم. فالاجتماع تم الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة لترتيب إجراءات خفض التصعيد بحسب ما اصطلح الإعلام الغربي المعادي لإيران على تسميته "بالصفقة الروسية"، وهي تقضي، كما أوضحت موسكو بسيطرة الجيش السوري على الحدود مع الأردن وإسرائيل، وخروج المسلحين غير الراغبين بالمصالحة إلى إدلب، وكذلك تفكيك قاعدة التنف الأميركية على الحدود العراقية - السورية، كما أكّد وزير الخارجية السوري وليد المعلّم.
ما سُمي "بالصفقة" أخذها الإعلام الغربي والعربي المعادي لسوريا وإيران، على أنه تحوّل روسي في اتجاه التخلّي عن التنسيق والتفاهم مع إيران في سوريا لمصلحة واشنطن وإسرائيل. ولا سيما أن زيارات نتانياهو ثم ليبرمان إلى موسكو رافقتها مزاعم غربية وعربية بالاتفاق على "خروج إيران من جنوبي سوريا" تحت الضغط الروسي إلى مسافة 25 كلم عن الحدود أو إلى مسافة 60 كلم حتى طريق دمشق - السويداء تدريجياً وعلى مراحل.
النفي الإسرائيلي اللاحق لوجود اتفاق مع روسيا، مرّ من وراء الكواليس حفاظاً على جدوى ضجّة الادعاءات الإعلامية بشأن "خيانة روسيا"، بحسب عنوان مقال أحد الصحافيين المرموقين في لبنان. فقد ورد النفي على لسان "مسؤول إسرائيلي كبير" نقلته عنه القناة العاشرة الإسرائيلية وموقع "يديعوت آحرنوت"، وأيضاً "ذا تايمز أوف إسرائيل".
بينما نفى الرئيس السوري مزاعم وجود قواعد إيرانية في سوريا، كما نفى وزير الخارجية السورية وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وتنفيها وقائع الميدان السوري وغرف العمليات.
لم يتم اتفاق موسكو أيضاً مع واشنطن والإدارة الأميركية؛ فالمساعي الروسية لخفض التصعيد أعرب عن تأييدها مساعد نائب وزير الخارجية، ديفيد ساترفيلد، ولم ينوّه بها مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية على مستوى البيت الأبيض أو وزارة الخاجية ووزارة الدفاع.
فعندما أعلنت دمشق عن استكمال تحرير الغوطتين من المسلحين في الجنوب السوري، هدّد البنتاغون باستخدام القوّة ضد دمشق إذا تعرّض حلفاء واشنطن إلى هجوم. ومن جديد يحذّر الجنرال كنيث ماكنزي باسم هيئة الأركان من مهاجمة حلفاء واشنطن في سوريا.
التحالف الأميركي يوضح بأن عملياته في سوريا غير محدودة زمنياً، على الرغم من إعلان دونالد ترامب رغبته الانسحاب من سوريا. فالمتحدث الرسمي باسم "عملية العزم الصلب" توماس فيل ينفي أي تفكير أميركي بالانسحاب والاتفاق مع روسيا على خفض التصعيد وتفكيك قاعدة التنف. بل على العكس من ذلك تشير الدلائل إلى أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، يعملان على التصعيد مع روسيا وإيران، ويخططان إلى توسيع قاعدة التنف ببناء قعدة مقابلة على الجانب العراقي.
قد يكون هجوم "داعش" على قرية الحسرات شمالي مدينة البوكمال على مرأى القوات الأميركية، إحدى دلائل التصعيد. وقد يكون بين الدلائل الأخرى هو الاتفاق مع أنقرة على فتح الطريق أمام تركيا إلى شرقي الفرات والعمل على إعادة العلاقات إلى عهدها السابق، بحسب تعبير وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
وفي هذا السياق تستعيد المجموعات المسلّحة في الجنوب السوري نشاطها بدعم أميركي استعداداً لمعركة مرتقبة.
ما يسمى بجيش الثورة يفصل "لواء بركان حوران" من تشكيلاته العسكرية لأنه يجري اتصالات للمصالحة مع الدولة السورية، بحسب الناطق باسم "الجيش" المدعو أبو بكر الحسن. وما يسمى "جيش الانقاذ" يعتقل عدداً من عناصره بتهمة التسلل إلى مناطق تسيطر عليها الدولة. وفي المقابل تتعرّض المجموعات الداعية إلى المصالحة إلى اغتيالات سرّية، بحسب المرصد السوري المعارض.
لعلّ الأردن هو الطرف الوحيد الذي اهتم بالمساعي الروسية لخفض التصعيد، تعويلاً على إعادة فتح معبر نصيب وفتح الطريق مع سوريا والعراق لتخفيف الأزمة الاقتصادية الخانقة ومواجهة مخاطر عدم الاستقرار. لكن الضغط السعودي على الأردن بسبب استعداده للموافقة على اتفاق خفض التصعيد، بحسب إشارة العاهل الأردني، يمكن أن تعوّضه السعودية والإمارات بناء على طلب أميركي.
التصعيد الأميركي - السعودي و (الإسرائيلي) ضد المساعي الروسية وضد إيران وسوريا، قد يقضي على محاولات موسكو لخفض التصعيد في الجنوب السوري. لكنه يدفع موسكو إلى مواجهة التصعيد بجانب الجيش السوري والقوات الرديفة. فموقع قاعدة حميميم الروسية في سوريا يعلن "أن قوات النظام ستخوض معركة تحرير الجنوب السوري في وقت قريب". والمعطيات الميدانية تدل على هذا الاتجاه.