كيف استندت إيران إلى المحتجين لحماية الاستقرار؟

ايران نجحت في تجاوز ثاني أزمة تمر بها في أقل من عقد من الزمن. ومن المؤكد أن طهران استفادت كثيراً من هذه الاحتجاجات التي لم تنتهِ بعد؛ لأنها كشفت نقاط الخلل والقوة والاستغلال في كل جانب، مما سيعطيها دروساً كبيرة في جوانب الأمن والحكم وقللت فرص المفاجآت الكبيرة.

في هذه الإجراءات تمكنت الحكومة مع البرلمان من نزع فتيل الأزمة، فارتفعت أصوات إصلاحية لتضمن تهدئة اليمين الإصلاحي

كان المشهد أكثر وضوحاً بالمقارنة مع تظاهرات عام 2009. فعدد المتظاهرين في هذه الاحتجاجات الجديدة لم يتجاوز 1/1000، مما شهدته طهران ومدناً إيرانية أخرى قبل تسع سنوات تقريباً. المسؤولون في الجمهورية الاسلامية كانوا مطمئنين في تحركهم لمواجهة ما يجري، وفي الأيام الأولى بدا واضحا انهم غير متفقين حياله بينما مال بعض الأصوليين لمساندة الاحتجاجات بشقها المطلبي على الرغم من اهتمام بعض الإصلاحيين بالتحذير مما قد يترتب على محاولة البعض أن يصطاد من "مياه عكرة أسماكه فاسدة " كما وصفوها. ولكي لا يسجل على الرئيس روحاني وفريقه الحكومي أنهم ضد المطالب الشعبية خرجت تصريحات عدة للمسؤولين في الحكومة أكدت على حق الشعب في التظاهر للمطالبة بحقوقه المعيشية. ووعد الرئيس روحاني أنه سيعمل على حل المشاكل من دون نفيها وتساءل في اجتماعه مع رؤساء اللجان البرلمانية:" أي بلد لا تعاني من المشاكل، نحن لدينا مشاكل كغيرنا من الدول، نعرف أن لدينا مشاكل اقتصادية، ومشاكل اجتماعية، لكن هذه المشاكل ليست خاصة بإيران؟ ألا تعاني اميركا مثلها أيضا؟."

أفصح الرئيس عن أنه يتفهم المطالب الاقتصادية والاجتماعية وأنه يدعم الحق في التعبير والتظاهر.  لكنه أراد أن يوضح أيضاً، أن المشاكل لا تعني إدخال البلاد في دوامة الدم في منطقة مضطربة وتعصف فيها دوامة الإرهاب. روحاني قالها بصراحة :" نمتلك في ايران ما لا يمتلكه غيرنا، نحن بلد آمن الأمن الذي نعيشه بفضل وعي شعبنا، وهذا الشعب العريق لن يسمح بضرب استقرار البلاد وأمنه."

اتكأ روحاني على الشعب في مساعدته لوقف الانجرار وراء العنف، سارعت حكومته لتلبية مطالب من احتج مطالبا بودائعه في مؤسسات مالية أعلنت إفلاسها. وفي داخل البرلمان بعد أن استشعر الأصوليون الخطر أيضاً، دخلوا على خط دعم الحكومة ليقول رئيس البرلمان علي لاريجاني:" إن مجلس الشورى لن يوافق على رفع الأسعار المقترحة من الحكومة ولن يوافق على أي مقترح في الميزانية يمسّ بمعيشة المواطن".

في هذه الإجراءات تمكنت الحكومة مع البرلمان من نزع فتيل الأزمة، فارتفعت أصوات إصلاحية لتضمن تهدئة اليمين الإصلاحي. وأسفر ذلك عن عودة الرئيس السابق محمد خاتمي إلى الواجهة مجدداً، حيث دعا الرئيس لإعادة النظر في سياسة حكومته الاقتصادية والعمل على حل المشاكل محذّراً من العبث بمطالب الشعب من عناصر أجنبية أو تحرك من الخارج.

عودة خاتمي إلى المشهد يحمل في طياته الكثير أنه إلى جانب الشعب في مطالبه، ولكنه أيضا ابن النظام ولن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات العبث بأمن بلاده، وهو الموصوف بأنه رجل حوار الحضارات قد يأمل في استخدام لغته الحوارية لمنع انزلاق بلاده إلى دوامة عنف.

موقف خاتمي اتبع ببيان لمجمع رجال الدين المبارزين وأهم ما أكدوا عليه:

1-دعوة الحكومة لسماع صوت الشعب والعمل بسرعة على حل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

2-حذر المجمع من محاولة المخربين أن يستفيدوا من مطالب الشعب لضرب أمن البلاد.

بيان المجمع يتلاقى أيضا مع ما قاله قادة في الحرس الثوري، بضرورة تلبية مطالب الشعب والوقوف في وجه أي محاولة للفتنة والفوضى.

إذا تلاقت الأطياف السياسية والعسكرية في ايران على حق الشعب والوحدة في وجه الفوضى والتخريب، خرجت دعوات للقتل والعنف وتدمير الأموال العامة، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي الدور الرئيسي في نقل هذه الدعوات التحريضية. أمام إسراع الأطراف في الخارج لإقحام البلاد في دوامة العنف، التزم نظام الجمهورية حالة ضبط النفس، المعروفة بسياسة عض الأصابع التي أتقنتها ايران بعد انتصار ثورتها. فراقب الأمن الإيراني المشهد ومشى على حافة الهاوية، لكنه كان حذراً جداً، فالخطأ في تقدير الموقف قد يودي بالبلاد إلى مالا تحمد عقباه. وأمام تحذيرات من العنف من قبل نظام الجمهورية، وتحريض على القتل والعنف تأتي من الخارج، اتضح المشهد أمام الشعب وانجلت الصورة.

هنا إلتزم الشعب الهدوء، خفت وتيرة المظاهرات وبشدة، وتمكن الأمن الإيراني من الفصل بين متظاهر ومخرب، واستغل رفض الشعب لدعوات التحريض والمسيرات المؤيدة لاستقرار البلاد وأمنها، ليبدأ التحرك لمواجهة العنف والفوضى بعمليات أمنية مكنته من وضع الأزمة على سكة نهايتها.

 إيران نجحت في تجاوز ثاني أزمة تمر بها في أقل من عقد من الزمن. ومن المؤكد أن طهران استفادت كثيراً من هذه الاحتجاجات التي لم تنتهِ بعد؛ لأنها كشفت نقاط الخلل والقوة والاستغلال في كل جانب، مما سيعطيها دروساً كبيرة في جوانب الأمن والحكم وقللت فرص المفاجآت الكبيرة. لكنها في الوقت ذاته تقف أمام تحد كبير، يكمن في إمكانية نظام الجمهورية من المضي في خطة تفضي إلى حل المشاكل، والحيلولة دون العودة إلى الأسباب التي أدت ما عاشته البلاد خلال الأيام الماضية. وقد يكون بين الدروس المستفادة شبه إجماع شعبي على أن واشنطن وحلفائها تكشف عن أوراقها إذا تراءت لها إمكانية إغراق ايران بدوامة الدم.