أسباب فشل السعودية في الحرب على لبنان

بات من شبه اليقين أن التصعيد السعودي في قرع طبول الحرب على لبنان والمقاومة وإيران، كان مراهنة على تمهيد الطريق أمام عدوان إسرائيلي كبير بدعم من الرئيس الأميركي، لكن ظروفاً وأطرافاً كثيرة حالت دون أن تتمكن السعودية وإسرائيل في الذهاب إلى الحرب، أبرزها الدور الحاسم للمقاومة في خطابها السياسي وفي قدرتها الميدانية على رد الصاع صاعين.

  • أسباب فشل السعودية في الحرب على لبنان
    يلعب صهر ترامب جاريد كوشنير الدور الأساس في التنسيق الحثيث بين ترامب ونتنياهو

السعودية التي تقرع طبول الحرب على لبنان والمقاومة وإيران، تسعى إلى "جرّ إسرائيل للعمل القذر" بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. (11 ــ 11). وصحيفة نيويورك تايمز الأميركية تؤكد في اليوم نفسه "أن السعودية طلبت من إسرائيل مهاجمة لبنان"، فسفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة وخبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دانييل شابيرو، يقول إن "السعودية وإسرائيل تسعيان لنفس الأهداف في ضرب إيران وحزب الله، لكنهما يسيران بسرعتين شديدتي التفاوت والمهارة".

فمن الواضح أن "محمد بن سلمان نفذ صبره" (على قول شابيرو) بينما تحسب إسرائيل حساباتها وتتحيّن الفرص خشية أن تقع في مطب تهديد وجودي إذا لم تستطع أن تضمن نصراً واضحاً وحاسماً وسريعاً لا يبدو أنه في متناول اليد في المدى المنظور. وخاصة في خضم نهايات مرحلة اندحار "داعش" في سوريا والعراق والبحث الدولي والإقليمي في خريطة مستقبل المنطقة.

التوجّه السعودي في دفع إسرائيل إلى العدوان على لبنان، "حتى آخر جندي إسرائيلي" بحسب تعبير "عوفر زالزلرغ"، يتناوله كثيرون في إسرائيل وواشنطن منهم "عاموس هارئيل" معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس. لكن "شابيرو" يوضح في صحيفة "واشنطن بوست" أن إزاحة الحريري هي الشرارة التي تثير ردّاً إسرائيلياً وتحرّك الحرب، بحسب قوله.

يبدو أن محمد بن سلمان "الذي نفذ صبره" في وحول اليمن التي تغرق فيها السعودية أكثر فأكثر، أخذه مخياله إلى التصوّر بإمكانية خروجه من أزمة الداخل السعودي الذي يحيق به بعد "ليلة الخناجر" كما تصفها الصحافة الغربية، ومن حبل اليمن الذي يلف على خناق الحكم السعودي في حرب الإبادة الجماعية، بحسب تقارير الجمعيات الإنسانية، وأيضاً من "الأذرع الإيرانية في البلدان العربية" وفق تعبير السعودية وإسرائيل وترامب.

في هذا الاتجاه يلعب صهر ترامب "جاريد كوشنير" وصاحب مدرسة "صفقة القرن" الدور الأساس فيما يدّعيه من تنسيق حثيث وتفاهم تام مع رونالد ترامب وبنيامين نتانياهو. فهو يجمع حول ابن سلمان مجموعة من المستشارين ومجموعات الضغط ومكاتب الخبرة و "الثينك تانك" الأميركية والأوروبية، الذين يزيّنون لابن سلمان سهولة حل ّما يغلّ في صدره في تمهيد الطريق أمام إسرائيل للحرب، كما يكتب نائب رئيس "مجموعة الأزمات" روبرت مالي في ذي أتلانتيك الأميركية أو توماس فريدمان في نيويورك تايمز وكما تبشّر "بيزنس إنشايدر" الأميركية.

ولعل هذه الجوقة في تجارة الاستشارات التي تدرّ ذهباً هي التي أشاعت الخطة العسكرية الإسرائيلية المزعومة للقضاء على حزب الله وإعادة لبنان إلى القرون الوسطى، بحسب تسمية جورج بوش في غزو العراق.

تكشف الساعات القليلة الماضية التي لا تتجاوز يومين، أن إسرائيل ليست جاهزة للحرب في هذا التوقيت على الأقل بل أنها تحسب حسابات لا طاقة لها على فك رموزها في المدى المنظور. كشفت أيضاً أن مخيال ابن سلمان لا يتجاوز جوقة المستشارين الغربيين الطامعين بتبديد الثروات السعودية، وهم في معظمهم مستشارون وخبراء في الوقت نفسه للشركات الأميركية والأوروبية. وتكشف كذلك أن الحكم السعودي أسير أحلامه وتصوراته في المراهنة على تخرّصات مزاجية من دون مستند في اليد.

فالرئيس عبد الفتاح السيسي يبدو أنه لم يكن على علم بالتصعيد السعودي على حافة الهاوية، وسرعان ما أعلن موقفاً رافضاً للتصعيد ضد إيران وحزب الله بوضوح لا لبس فيه. كما أن استدعاء الرئيس محمود عباس إلى الرياض لمنع ناشطي فتح من الانضمام إلى سرايا المقاومة كما تداول بعض المطلعين، قد يفوق قدرة عباس في لبنان كما قد لا يكون بمتناول يده القطيعة مع حماس بسبب ما يؤرق السعودية من علاقة حماس مع طهران.

الرئيس ميشال عون الذي فكّك الصدمة الأولى بمهارة وحنكة، فتح النوافذ أمام الاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية ووزارة الدفاع وصولاً إلى تحرّك الرئيس الفرنسي وبيان البيت الأبيض. لكن برودة أعصاب السيد حسن نصر الله وحكمته في رسم الصورة الإجمالية لحظة الارتباك والضياع، ربما تقصّدت الدلالة على أن المقاومة تمسك بيد من حديد قرار الصد والردع.

لعل السعودية لا تزال تأمل بأشكال أخرى من التصعيد، بسعيها إلى اتخاذ قرار في الجامعة العربية وحمله إلى مجلس الأمن عوداً على بدء كما مهّدت للعدوان على ليبيا وعلى اليمن. لكنها قد تكتشف أن عود الكبريت يصعب إشعاله مرتين.