السباق نحو الحدود الشرقية لسوريا في موازين الميدان

العامل المؤكد الوحيد حتى الساعة في السباق الدولي الجاري شرق سوريا هو وجود قرار استراتيجي وحاسم لدى الجيش السوري وحلفائه بالتقدم نحو الحدود مع العراق بغطاء روسي كامل. ما خلا ذلك، يندرج في إطار التحليلات والتوقعات بفعل عدم وضوح الموقف الأميركي إزاء المكاسب الجمّة التي سيجنيها محور المقاومة في حال حقق هدفه من أخر المعارك الكبرى ضد داعش في سوريا و وَصَلَ الحدود مرورًا بمناطق الثروات الطبيعية قبل أن تبلغها أحلام "قوات سوريا الديموقراطية"؛ الذراع البرية للتحالف الأميركي.

قيل الكثير عن المصالح الإقليمية والدولية قبل هذه المعركة ومع إنطلاقها وتواصلها. إبراز بعض الوقائع والمعطيات الميدانية قد يساعد على فهم المشهد بعيدًا عن التكهنات:

 

  • المساحة الجغرافية التي ينطلق من خلالها الجيش السوري وحلفائه لقتال داعش أوسع جغرافيًا من منطقة التماس التي يتحرك منها الأميركيون عبر "قوات سوريا الديموقراطية".

 

  • كما أنّ سرعة التقدم على الجبهات السورية – الحليفة بمساندة روسية أكبر من تلك الخاصة بـ "قسد" بمساندة أميركية. حجم ونوعية العتاد العسكري الذي أحضره الروس لدعم الجيش السوري وحلفائه في المعركة يعكس بالتأكيد قرارًا حازمًا بالحسم بكافة الوسائل المُتاحة، في حين أنّ استخدام السلاح لدى الطرف المنافس يخضع لتقديرات المستشارين والقوات الخاصة الأميركية التي تعود إلى قيادتها السياسية عند أي مفصل نظرًا لحساسية الوضع الميداني واقتراب القوات من بعضها، مع الإشارة إلى ان نوع العتاد العسكري الذي تزود به واشنطن "قسد" حتى الساعة يحاكي بوضوح طبيعة المعارك ضد "داعش" لا الجيش السوري.

 

  • هناك إتفاق روسي – أميركي على إنشاء خط "فض إشتباك" يمتد من محافظ الرقة على طول نهر الفرات بإتجاه دير الزور. خط "فض الإشتباك" هذا لا يعني إستباق كل إحتكاك او تماس قد يحصل في الميدان، لكنه يعني ضمنًا وجود "تفاهم" بين موسكو وواشنطن على إحتواء الموقف وإدارة الأزمة في حال وقعت.

 

  • حرص الأميركيون عند إطلاق "قسد" عملياتها في دير الزور في التاسع من شهر أيلول سبتمبر الجاري على إعطاء الخطوة طابع التكامل مع الهجوم السوري وإن تمّ ذلك بشكل غير مباشر و عبر التذرع بأن التوقيت مرتبط بـ"حصار" داعش أثناء إنشغالها بالمعركة مع الجيش السوري. في الوقت نفسه، حرص الروس على نفي قصفهم تجمعًا لـ"قسد" التي باتت تُكثر من تصريحات "الوعيد" والتهديد في حال المسّ بقواتها، في موقف هو أقرب إلى الإستثمار الإعلامي منه إلى حسابات موازين القوى.

 

  • من المؤكد وجود سباق إعلامي بين الطرفين المتنافسين في خدمة قواتهما بهدف تثبيت المكاسب الميدانية بفارق وقت قصير من تحققها. على سبيل المثال، أعلن "المجلس العسكري في دير الزور" (مؤلف من فصائل عديدة، بعضها محسوب على الجيش الحر، ومقربة من الأميركيين) قبل أيام أن حقل "كونيكو" للغاز صار تحت السيطرة النارية لـ"قسد" التي تقف على بُعد أربعة كيلومترات من الحقل. في الساعات القليلة الماضية، قام الجيش السوري بمساندة روسية بإنزالات ضخمة في الحقل المذكور نفسه، ما يطيح بالكامل يالإعلان السابق.

 

  • المصالح البعيدة المدى بالنسبة لروسيا وإيران وسوريا في السيطرة على دير الزور أكبر وأشمل من المصلحة الأميركية المهتمة بحصول على حصة من الثروة النفطية وضمانات معينة في التسوية السياسية، في حين أن مصالح القوات والفصائل الحليفة لواشنطن تكاد تكون محصورة بالسيطرة على آبار النفط، في ظل عدم وجود مشروع حقيقي متكامل قادر على الإستمرار في السيطرة على مناطق واسعة من دير الزور.

 

لا تعني هذه المعطيات إنسحابًا أميركيًا مبكرًا من المعركة شرق سوريا، ولكنها تعكس واقعًا ميدانيًا يتقدم فيه الجيش السوري وحلفائه بشكل سريع نحو الحدود مع العراق، حيث تنتظر أيضًا فصائل من "الحشد الشعبي" على بُعد كيلومترات قليلة من "البوكمال".

 

لن يبقى الموقف الأميركي ضبابيًا لوقت طويل ليرسم في الأيام القليلة، وربما الساعات القادمة، الشكل النهائي للمشهد في دير الزور.