بعد تطبيق أستانة 6، وداعاً جنيف وأهلها؟

اتفاقيات خفض التصعيد في اجتماعات أستانة الأخيرة نحو الحل السياسي، تُحطّم العوائق التي علقت عندها مباحثات جنيف المستمرة طيلة سنوات ضائعة. لكن الرئيس الفرنسي يحاول مع منصة الرياض، البحث عن صدى في غير وادٍ على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.

اجتماعات "أستانة 6" حول سوريا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يذهب إلى اجتماعات الجمعية العامة، مسكوناً بحلم استعادة دور لفرنسا في الأزمة السورية. فقد قطع على نفسه وعداً أمام مؤتمر السفراء في باريس الشهر الماضي، بإعادة باريس "إلى قلب العملية السياسية". فهو يراهن على ما سماه "المجموعة الجديدة للاتصال" من الدول الصديقة، لإعادة انطلاق عجلة المسار السياسي بحسب تعبيره.

وفي هذا السبيل يحلم بمبادرة جديدة في الاجتماعات الحالية، للاتفاق على مسار جنيف مجدداً و"السلطة الانتقالية" في سوريا بين الحكومة والمعارضة. ولا يبدو أن هذه الطموحات الطموحة تلقى صدى في أجواء الأمم المتحدة سوى وفد منصة الرياض الذي يرأسه رياض حجاب "لتذكير المجتمع الدولي بضرورة احترام القرارات الدولية"، بحسب تعبيره. وطلب العون من المنظمة "التي تأسست لإنصاف الشعوب في العالم".

ماكرون الحالم وحيداً بالعودة إلى الوراء بعيداً، يرى أن نتائج مسارات أستانة تحقق فقط الاتفاق على مناطق خفض التصعيد، ولا تلج إلى الحل السياسي الذي كان على طاولة البحث الطويل في جنيف، ولا سيما الحديث في مسألة "السلطة الانتقالية"، مع الرئيس بشار الأسد أو من دونه. لكن العجب العجاب أن رئيس فرنسا لم يقع نظره على التحولات الميدانية والسياسية الهائلة التي نقلت الأزمة السورية من أمام حائط جنيف إلى أفق آخر فوق الحائط وبعيداً منه. وربما ليس من مصلحته الإفادة من دروس فشل جنيف و"دول أصدقاء سوريا" وفي مقدمها فرنسا التي تحصد ارتداد الفشل إلى قلب ديبلوماسية باريس الخارجية وإلى أزماتها الداخلية.

قد يكون بين أهم أسباب فشل جنيف وانهياره مقارنة بأفق مسارات أستانة، هو تعطيل "دول أصدقاء سوريا" مسار الحل الواقعي في افتعالها مساعي إسقاط النظام والدولة. وفي هذا الإطار كانت أولوية هذه الدول رحيل الرئيس بشار الأسد وذرذرة الدولة السورية بذريعة إزالة البيئة التي يترعرع عليها الإرهاب و"داعش". وعلى خلاف هذا الطريق المسدود حيّدت مسارات أستانة الدول المعرقة للحل في اعتمادها على دول ضامنة قوامها موسكو وإيران وتركيا. كما أن هذه المسارات انتهجت أولوية دحر الإرهاب في مواجهة "داعش" والنصرة معاً. ولم تسلك هذه المسارات حين تلكأت تركيا عن تكتيل الجهود لمواجهة النصرة، حتى أستانة 6 حين لم يعد أمام أنقرة من مفرّ الاختيار بين النصرة وبين المحافظة على موطىء قدم في حل الأزمة السورية.

انهيار جنيف وصعود أستانة، أخذ الإدارة إلى الإقرار بالأمر الواقع في الموافقة على تفاهمات جديدة مع موسكو، وفي المشاركة الجانبية في أستانة 6 حيث حضر وفد برئاسة ديفيد ساترفيلد بصفة مراقب، دلالة على قبول مناطق خفض التصعيد وضمانة الدول الثلاث، وعلى شرط استكمال مواجهة "داعش" والنصرة في هذه المناطق وفي باقي الأراضي السورية. فمراهنة دول جنيف على استثناء النصرة من مواجهة الإرهاب، أخذتها مسارات أستانة إلى المصاف الأول في المواجهة إلى جانب "داعش"، وأفضت إلى أمر واقع يضطر محمد علوش رئيس الهيئة السياسية في جيش الاسلام إلى الاعتراف به في قوله "ينبغي أن تحل جماعة الجولاني نفسها لتجنّبها الاندحار".

لعل ما يتصوره علوش واردوغان عن الحل السياسي المرتجى، قد تجاوزه مسار أستانة 6 بشأن بقاء الجماعات المسلّحة. فمبعوث الرئيس الروسي إلى آستانا ألكسندر لافرينتيف يؤكد أن مسارات أستانة تؤدي إلى مواجهة التنظيمات الأخرى التي تسعى للإطاحة بالنظام بعد دحر "داعش" والنصرة. فبعد أستانة 6 تبدأ في أواخر الشهر المقبل اجتماعات أستانة 7 في هذا الاتجاه، وربما يقول ساتفان ديمستورا على هذا الأساس أن الشهر المقبل سيكون شديد الصعوبة على المعارضة التي تنتظر بعث عظام جنيف وهي رميم.