ما بعد داعش..هل تتجه إسرائيل إلى الحرب؟
في الواقع، كانت الغارات الجوية الوجه المُعلن لما هو أعقد من ذلك بكثير، فعمليات سلاح الجو لا تتمّ بمعزل عن العمل الأمني بكافة مراحله. وقد دمغ الصراع الأمني العقد الأخير من المواجهة من قِبَل الطرفين، و إن كان الحديث عما تعتبره تل أبيب "إنجازات" في هذا السياق أشدّ وضوحاً بفعل طبيعة عمل المقاومة.
شغل مسؤول سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي أميكام نوركن منصب مدير شعبة التخطيط في الجيش قبل أن يستلم منصبه الحالي في العاشر من آب/أغسطس الفائت.
يعتبر نوركن أن عقيدة "حرب بين الحروب" تصف بدقّة شكل الاستراتيجية الإسرائيلية في هذه المرحلة، إذ أن "التأثير التراكمي لعملياتها يمنع قيام الحرب المقبلة".
هذه العقيدة تتعرّض لإعادة تقييم بفعل أربعة عوامل بارزة:
- بقاء الرئيس بشّار الأسد على رأس السلطة في سوريا، واعتراف دول الغرب تباعاً بهذا الواقع.
- الهزائم المُتتالية لـ"داعش" في سوريا والعراق مع ما تعني هذه الهزيمة من تقدّم للمحور الآخر.
- تعاظُم قدرات حزب الله التسليحية وخاصة لناحية دقّة الصواريخ وحجمها، إلى حد أن اسرائيل باتت تُحدّث عن مصانع أسلحة في سوريا ولبنان.
- انتشار الحرس الثوري وحزب الله في الجبهة الجنوبية في سوريا.
هذه العوامل حصلت جميعها على الرغم من تطبيق إسرائيل نظرية "حرب بين الحروب" والتي انعكست، منذ بداية الحرب في سوريا، عبر غارات جوية قالت إسرائيل إنها تستهدف أسلحة نوعيّة كانت بصدد التوجّه إلى حزب الله.
في الواقع، كانت الغارات الجوية الوجه المُعلن لما هو أعقد من ذلك بكثير، فعمليات سلاح الجو لا تتمّ بمعزل عن العمل الأمني بكافة مراحله. وقد دمغ الصراع الأمني العقد الأخير من المواجهة من قِبَل الطرفين، و إن كان الحديث عما تعتبره تل أبيب "إنجازات" في هذا السياق أشدّ وضوحاً بفعل طبيعة عمل المقاومة.
ما حال ميزان الردع؟
منذ انتهاء حرب تموز 2006، تدرّج توازن الردع بين حزب الله وإسرائيل ما بين "إذا" السيّد حسن نصر الله الشهيرة إلى وعده بتدمير الفرق العشر، فالمعادلة البحرية ثم تطوير نظرية المبنى بالمبنى وصولًأ حتى التلويح باحتلال مساحات شمال الأراضي المحتلة.
على أنّ معادلات السيّد كانت تأتي كل مرة في سياق الردّ على التهديد الإسرائيلي ولم تكن يوماً المبتدأ، ومع ذلك كانت إسرائيل هي من تجد نفسها بحاجة للتصعيد والتهويل ذلك أنّ طبيعتها العدوانية لا تحتمل طرفاً قوياً في وجهها.
كشفت إسرائيل عن نظرية "حرب بين الحروب" بعد أن كانت قد بدأت بتطبيقها قبل الإعلان عنها. اغتيال قائد بحجم عماد مغنية يدخل ضمن هذه النظرية التي لم تكن معلنة حينها. رأت تل أبيب في ذلك الاغتيال وزناً مماثلًا لحرب تموز، وسعت إلى بيع جمهورها "الإنجاز" باعتباره ضربة قاصمة لظهر حزب الله. لسنا هنا في معرض تقدير "وزن" اغتيال عماد مغنية، بل ما يهمّنا هو تقدير ميزان الردع بعد مرور 11 عاماً من الحرب، وبعد كل الأحداث التي تلتها. هل يصحّ فعلًا الحديث الإسرائيلي عن الردع في ظلّ كل التهديدات التي يمثّلها حزب الله؟ أيّ ردع هذا هو الذي يتيح لخصمك بالتمدّد جغرافيا وتوسيع بناه العسكرية عاموديأً وأفقياً وتحصين جبهته الداخلية بعد إزالة خطر التنظيمات التكفيرية منها ومواصلة بناء قوته العسكرية بشكل غير مسبوق؟ ما هو وزن الردع الذي يُعزّز معه حزب الله دقّة ترسانته الصاروخية على الرغم من كل تلك الغارات الإسرائيلية في سوريا؟
إنّ الحقيقة "المرّة" التي ترفض إسرائيل الاعتراف بها أمام جمهورها هو أنّ الردع كان يخضع لعملية ترميم في العقد الأخير كأحد تداعيات حرب تموز2006، وقد وصل إلى مرحلة محاولة إثباته. بكلمات أخرى، بلورت إسرائيل نظرية "الحرب بين الحروب" بهدف الالتفاف على الحاجة للجوء إلى مواجهة واسعة مع حزب الله ، لكنّ خطوتها هذه لم تعالج جوهر التهديد الذي يمثّله الحزب، بل إنّ مُراكمة الحزب للقدرات أعادت البحث في توازن الردع إلى النقطة الأولى: هل حزب الله مردوع أساساً؟
أمام هذا الواقع، يقود سياق الصراع بين الطرفين إلى مواجهة محتّمة كانت الحرب في سوريا تؤجّلها، ومعها عوامل مرتبطة كالعامل الروسي والقرار الأميركي، فهل تفرض هزيمة داعش وانتصار الأسد وبقية العوامل التي ذكرناها في مقدّمة هذا المقال نفسها على الحسابات الإسرائيلية لناحية الرضوخ للأمر الواقع ، مع الاستمرار في تطوير "حرب بين الحروب" عبر أعمال عسكرية – أمنية أوسع نطاقاً وتأثيراً من الغارات على شحنات الأسلحة أم أنّ القلق الإسرائيلي قد بلغ حداً غير مسبوق تحتاج معه تل أبيب إلى القفز فوق أسئلة القدرة على الحسم في أية مواجهة مُفترضة مع حزب الله في سبيل إثبات وجود الردع؟.