حواجز استراتيجية أمام "أنصار بيت المقدس"
"لهيب الصحراء"، هو عنوان أخر إصدارات تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي تحول أسمه الى "ولاية سيناء" عقب مبايعته لتنظيم "داعش"، يتخذ من مناطق الشيخ زويد ورفح والعريش مسرحاً لعملياته التي بات منحناها يشهد تدهوراً ملحوظاً من حيث الكم والنوع منذ الاعلان عن تشكيل "القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الأرهاب" وبدء العملية العسكرية "حق الشهيد" في فبراير 2015.
مضمون هذا الاصدار الذي تم نشره الشهر الماضي كان دلالة أخرى على ان عناصر التنظيم في سيناء يواجهون ضغوطاً ميدانية متزايدة تجعل من المستحيل عليهم الابقاء على استراتيجيتهم الحالية التي تتناقص فعاليتها باستمرار، خصوصاً مع الضربات المتلاحقة التي تلقتها قيادات الصف الثاني والثالث في التنظيم ووصلت حتى الى قائده الملقب "أبو دعاء الأنصاري" الذي قتل في غارة جوية على اجتماع في قرية جنوب مدينة رفح.
أشتمل الاصدار الأخير للتنظيم على عمليات نفذها منذ مطلع هذا العام وحتي شهر تموز/ يوليو الماضي كانت كلها منحصرة في تفجير عبوات ناسفة قرب دوريات الجيش وعمليات قنص للجنود المتمركزين في الكمائن بجانب عملية اعدام رمياً بالرصاص لشرطيين تم اختطافهما في وقت سابق. ولعل نوعية العمليات التي ظهرت في الإصدار أكبر مؤشر على التراجع العام لعمليات التنظيم في سيناء منذ آخر هجوم كبير نفذه مطلع العام الماضي. كان لافتاً ايضا ضمن هذا الإصدار لقطات مطولة من اشتباك حدث بين دورية مصرية وعناصر تابعة للتنظيم حاولت تنفيذ كمين للدورية في منطقة دوار نجد، فأُصيب في الأشتباك طاقم دبابة مصرية من نوع "ام60" بإصابات متفاوتة ولكن تم اخلاؤهم من الموقع عن طريق قوة دعم تمكنت من إنقاذهم برغم وابل الرصاص المنهمر من عدة اتجاهات عليهم، تلا ذلك سيطرة مؤقتة لعناصر التنظيم على الدبابة المصابة قبل ان يدمرها لاحقاً سلاح الجو المصري.
إن الجيش المصري بدأ زيادة الضغط على عناصر التنظيم في محاور تواجدهم "العريش – الشيخ زويد - رفح" منذ مطلع هذا العام. هذا الضغط كانت له أسباب موضوعية عديدة منها ضرورة إحكام السيطرة على هذا المحور بالتزامن مع إحكامها على الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة بعد أن ظهر ضمن تسليح عناصر التنظيم أسلحة لم تكن في حوزتهم من قبل، لكن سبق تسجيل وجودها ضمن تسليح عدد من الفصائل المسلحة في غزة، مثل البندقية الهجومية مجرية الصنع "AKM-63" التي وجدت في حوزة ثلاثة عناصر تابعين للتنظيم حاولوا الهجوم على كمين النافورة العسكري وتم قتلهم. وظهرأيضاً ضمن تسليح عناصر التنظيم بندقية القنص الايرانية الصنع "AM-50" وهي نسخة من البندقية النمساوية "HS-50 STEYR" ظهرت للمرة الأولى في غزة عام 2013 خلال عرض عسكري في حي التفاح. لكن الجيش أحبط خلال الفترة الماضية عدة محاولات لتهريب أسلحة إلى داخل سيناء ومن هذه المحاولات شحنة تم ضبطها في الإسماعيلية احتوت على عشرات الرشاشات الهجومية من نوع"Steyr Aug".
من ضمن الاستراتيجيات الميدانية الناجحة التي نفذها الجيش المصري في سيناء العمليات الموسعة المتوالية التي يتم اطلاقها بدعم جوي على اهداف منتخبة يتم رصدها وتحديد مدى خطورتها عن طريق طلعات الاستطلاع بالطائرات دون طيار صينية الصنع"CH-4B". الطبيعة المتكررة لهذه العمليات جعلت عناصر التنظيم دائماً في وضع دفاعي مستمر ينهكهم ويشتت قواهم، ومن آخر هذه العمليات عملية موسعة نفذها الجيش مؤخراً على منطقة الشيخ زويد ومحيطها وفيها تم تدمير عدة مخازن ذخيرة كان قد تم رصدها خلال الفترة السابقة. واشتملت هذه الاستراتيجية على الاعتماد بشكل أكبر على الضربات المركزة للمدفعية ضد أي تجمع معاد يتم رصده، بموازاة إنشاء عدد جديد من التمركزات العسكرية في المحاور والطرق الاستراتيجية . هذه الكمائن تم تزويدها بمدفعية الميدان ومعدات الرؤية الليلية ورادارات المراقبة الأرضية فرنسية الصنع "SQUIRE" وبطائرات دون طيار تعمل على مدار الساعة لرصد أية تهديدات مقتربة، وبإنشاء أبراج فولاذية يتجاوز ارتفاعها 30 متراً مثبت عليها كاميرات عالية الدقة للمراقبة والرصد البعيد.
هذه الإجراءات ساهمت في فشل هجمات تستهدف التمركزات العسكرية ومن أمثلة هذه الهجمات هجوم تم في شهر مايو/آيار الماضي على إحدي التمركزات العسكرية قرب مدينة الجورة، وفيه رصدت طائرة دون طيار تجمع العناصر المهاجمة للكمين وعلى أثر ذلك نفذت مقاتلة "اف16" غارة جوية على مكان التجمع ما أدّى إلى مقتل جميع العناصر دون تمكنهم من بدء الهجوم على الكمين, ايضا تم احباط رصد تحرك لسيارة مفخخة في اتجاهه وتم التعامل معها ومع ما يقرب من 20 مسلح كانوا يتجهزون لاقتحام الكمين عقب التفجير لكن تم القضاء عليهم جميعا ليكون فعلياً اخر هجوم من هذه النوعية يتم تنفيذه ضد الكمائن العسكرية المصرية.
في ضوء ما تقدم من تطورات لوحظت محاولات العناصر المسلحة في سيناء نقل المواجهات العسكرية مع الجيش من النطاق الضيق المحصور داخل رفح شرقاً والعريش غرباً، الى مناطق وسط سيناء لتخفيف الضغط المتزايد على نقاط تمركز هذه العناصر والاستفادة من الطبيعة الجبلية للمنطقة الوسطى وقربها النسبي من العريش. هذا الأسلوب كان واضحاً في بضع عمليات تمت في هذه المنطقة مثل أستهداف عناصر امنية في منطقة وادي فيران. الجيش خلال الفترة الماضية نفذ عدة غارات جوية وعمليات اقتحاميه لعدة مناطق جبلية في هذا النطاق على رأسها "جبل الخرم" الذي تم اقتحامه عدة مرات قتل في أحداها نائب قائد التنظيم ويدعى عطا رتيمة الذي كان مسؤولاً عن عمليات تنقل عناصر التنظيم وتخزين الذخائر. النقطة الأكثر أهمية في هذا الصدد تتعلق بحديث اوساط صحفية اسرائيلية عن تحسب الجيش الاسرائيلي على الحدود لهجوم محتمل من جانب التنظيم على مواقع حدودية وربما ايضاً مدينة إيلات. وهو أمر ربما يكون متوقعاً إذا وضعنا في الاعتبار المشهد الحالي في الجولان السوري الذي تحاول فيه المجموعات المسلحة "استدعاء تدخل عسكري اسرائيلي" على الأرض لبعثرة الأوراق في الميدان، ربما يكون الوضع مختلفاً قليلاً في سيناء لكن حدثت في مرات سابقة عمليات إطلاق صواريخ من سيناء في اتجاه أراضي فلسطين المحتلة وهو ما يمكن النظر له في نفس السياق السابق.
إن"أنصار بيت المقدس" في سيناء يواجهون معركة مصيرية إذا تمكن الجيش المصري من حسمها بشكل سريع قبل أن ينقلها التنظيم إلى الداخل المصري أو عبر الحدود، ستكون بمثابة حجر الزاوية في مكافحة التنظيمات الإرهابية في كامل المنطقة بالنظر إلى الدور المصري في معالجة الوضع الليبي وهو ما ساهم في تحسن الوضع الأمني في سيناء بسبب وقف تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود الليبية.