الحالة الصحية لكلينتون وتداعياتها المرتقبة على المنصب الرئاسي
تعرضت هيلاري لحالة إغماء مطلع الأسبوع أمام أنظار الجمهور ووسائل الإعلام على السواء، اضطرت على اثرها لتعديل برنامجها اليومي والخلود إلى الراحة على الفور. سارعت حملتها الانتخابية لتدارك الأمر والقضاء على تسريبات تبتعد عن الدقة والمهنية، وأفرجت تدريجيا عن بعض أعراض السيدة كلينتون قائلة أنها تعاني من التهاب رئوي، ووصفت السيدة كلينتون ما أصابها بعد ساعات معدودة بأنها تعرضت "لارتفاع في درجة الحرارة."
-
الكاتب: منذر سليمان
- 18 أيلول 2016 09:48
غاب عن المسرح والتداول تشخيص آراء وتوجهات المرشحة كلينتون الحقيقية وميلها للتدخل العسكري في العالم.
يجمع المشهد السياسي الأميركي على أن المرشحة كلينتون بخبرتها وحضورها
الطويل هي الأشهر والأكثر اثارة لجدل الحياة السياسية، وأسهمت خبرتها المتواصلة
وديمومة بقائها في المشهد العام في حسم الأراء الشعبية نحوها منذ زمن، على أقل
تقدير. لهذا دلالته على ما يمكن للمرء توقعه من انحياز قطاعات من الناخبين في
اللحظات الاخيرة، كما يراهن الحزبين عادة.
تتميز الحملة الانتخابية الحالية بتراجع أولويات القضايا السياسية
والاجتماعية، قبيل انعقاد الإنتخابات بنحو 50 يوماً، واستبدالها بنواحي خاصة بشخصي
المرشحيْن، تسهم فيها وسائل الإعلام المتعددة بدور محوري، والتي رسخت في ذهن
المواطن العادي "ضرورة" تتبع السلوك والمظهر الشخصي للمرشح، بشكل أساسي،
وما تبقى من وقت يمكن توزيعه على القضايا الأخرى.
تعرضت هيلاري لحالة إغماء مطلع الأسبوع أمام أنظار الجمهور ووسائل الإعلام
على السواء، اضطرت على اثرها لتعديل برنامجها اليومي والخلود إلى الراحة على
الفور. سارعت حملتها الانتخابية لتدارك الأمر والقضاء على تسريبات تبتعد عن الدقة
والمهنية، وأفرجت تدريجياً عن بعض أعراض السيدة كلينتون قائلة انها تعاني من التهاب
رئوي، ووصفت السيدة كلينتون ما أصابها بعد ساعات معدودة بأنها تعرضت "لارتفاع
في درجة الحرارة."
بيد أن المسعى لم يكلل بالنجاح أو يشفي غليل المؤيدين والمتربصين على
السواء. المعلق في شبكة
فوكس نيوز، إد كلاين، زعم أن المسألة "أعمق من
مجرد التهاب رئوي،" مضيفاً أن زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون يدرك مدى أزمة
زوجته الصحية "وناشدها منذ بضع سنوات دخول المستشفى واجراء فحوصات طبية
شاملة،" بيد أنها رفضت العرض. وأردف كلاين أن نوبة الإغماء تكررت مراراً في
حياتها الخاصة، لكن الحادثة الأخيرة هي الأولى على مرآى ومشهد الجميع.
تعليقات المحللين سلطت الضوء على ما تتهم به الدائرة الضيقة لكلينتون بأنها
تبذل قصارى جهدها "لاخفاء الأمر .. وتشييدها حائط منيع من السرية يماثل جدار
ترامب" في مدى الاهتمام الذي يقارب الهوس. بعض المؤيدين لكلينتون في الأدارة
الأميركية أوضحوا ان "الحالة الصحية ليست منبع قلق بقدر ما هو الافراط في
السرية والتكتم."
غاب عن المسرح والتداول تشخيص آراء وتوجهات المرشحة كلينتون الحقيقية
وميلها للتدخل العسكري في العالم، اذ تنبيء بعودة المحافظين الجدد لتبوأ صنع
القرار، لا سيما في ظل غياب أو تغييب أي اثارة لعدد من مؤيديها المدانين بالمجازر:
هنري كيسنجر ومادلين اولبرايت. المرشحة كلينتون لم تضمر يوماً تأييدها الشديد
لتطوير أسلحة نووية حديثة "تكتيكية" لاستخدامها في حروبها
"التقليدية."
اعياء يستدعي مرشح بديل
تراجع "شعبية" السيدة كلينتون، مع احتدام السباق الرئاسي.
عقب الاعلان عن
"النوبة" تسابقت الآراء والمقترحات لدفع قيادات الحزب الديموقراطي
الاقدام على اتخاذ خطورة "استباقية" بالتحضير لتعيين مرشح بديل للمرشحة
كلينتون، ان تطلب الأمر، وما لبثت أن تلاشت تلك الدعوات فور تصريح الرئيس اوباما
الحاد بدعمه خليفته المقبلة في اليوم التالي امام حشد انتخابي في مدينة فيلادلفيا.
وشدد الرئيس اوباما علن ان المرشحة كلينتون "بحالة عقلية ممتازة.
في الفترة الزمنية عينها، استطاع المرشح المنافس دونالد ترامب تجسير الهوة
الفاصلة بين المؤيدين، وكان المستفيد الأول من "نوبة" هيلاري اذ سرعان
ما عزز نسبة تأييده بين الناخبين الى معدلات أعلى لم تكن في الحسبان.
يشار إلى أن السيدة كلينتون شنت هجوماً حاداً غير مسبوق على أنصار ترامب، قبل
يومين من تعرضها للاغماء، واصفة جمهوره بازدراء شديد وأن نصفه يشكل "سلة من
التعساء واليائسين،" منتهكة أحد المعايير الإنتخابية السائدة بتقبل الإساءة إلى شخص المرشح، والتعامل الحضاري مع الجمهور الإنتخابي بشكل عام.
تراجع "شعبية" السيدة كلينتون، مع احتدام السباق الرئاسي لا يبشر
خيرا لقيادات الحزب الديموقراطي، خاصة وان نسب الفوارق السابقة كانت تميل لصالحها
بمعدل يدعو على الإرتياح. قادة وأنصار الحزبين يترقبون بشغف ما ستسفر عنه الحالة
المرضية للسيدة كلينتون في أعقاب تقرير طبي رسمي يوصف النوبة بدقة.
انبرى لتحليل "النوبة" عدد من الاخصائيين في كبرى كليات الطب،
احدهم محاضر في الطب بجامعة بوسطن، توبي بيركويتز، معتبرا عزم حملتها الإنتخابية
"التقليل من أهمية الحالة الطبية،" أمر أساء لها بشدة. وأردف ان أي
محاولة تلطيف قد تقدم عليها الحملة لن تفلح في إخفاء جدية ما تعرضت له أو الإطاحة
جانباً بالرأي العام بعد اطلاعه على هشاشة اللحظة.
وشاطر بيركويتز اراء بعض المتفائلين بأن انشغال العامة بنوبة كلينتون أبعد
عنها نصال السهام السياسية الموجهة لفضيحة بريدها الالكتروني، وكذلك القفز عن
تداعيات تصريحاتها بازدراء مؤيدي ترامب "البؤساء."
أشار البعض إلى تباين رواية الرئيس الاسبق كلينتون، بعد يومين من الحادث،
عن حال زوجته قائلا أنها "ستسأنف حملتها الإنتخابية فور تعافيها من حالة
انفلونزا."
تشخيص الحالة طبياً حسمها طبيبها الخاص، ليسا بارداك، بإصدارها تقرير موجز
يصف ما تعرضت إليه من "التهاب رئوي غير معدٍ،" ووصفت لها تناول علاج
بالمضادات الحيوية. وأضافت الطبيبة، ورئيسة قسم الأمراض الباطنية في مجمع
كيرماونت
الطبي بولاية نيويورك، أن السيدة كلينتون راجعتها عدة مرات في الأسبوع السابق،
وما توصلت اليه هو تعرضها لالتهاب رئوي خفيف.
بيد أن التقرير المهني لم يضع حداً للتكهنات خاصة لبعض المنافسين والمهتمين
بحالة جهازها العصبي، نظرا لتكرر الحادثة في السابق وربما بصورة أشد، فضلاً عن
رفضهم اعتبار التقرير الطبي "كاملا ونهائيا."
الرئيس التنفيذي
لجمعية الاطباء الاميركيين وطبيبة جراحة، جاين
اورينت، قالت لبعض وسائل الاعلام المحافظة في اليوم التالي "ما يعنيني بشكل أكبر هو السجل الكامل واحتمال تعرضها لعوارض جدية مثل الإرتجاج الدماغي .. والذي
سيترك تداعياته على قدرة القراءة والكتابة والتفكير، أو تجلط دموي في أحد الشرايين
الرئيسة في الجيوب الأنفية العرضية ووظيفتها في التصريف."
وأردفت "اورينت" أن مراجعة عدد كبير من أشرطة الفيديو للسيدة
كلينتون تدل على "تعبيرات في الوجه غير مفهومة،" مما يشير إلى احتمال
تعرضها لنوبة أو نوبات صرع التي قد تدل على تعرض الدماغ لصدمة في فترة سابقة.
قسم آخر من الأخصائيين فسر تغيرات الوجه المشار اليها بأنها ناجمة عن
تعرضها لعوارض أولية لشلل باركينسون الرعاشي أو الاهتزازي، ربما أصابها عام 2005
تقريباً. بيد أن الأستدلال على تلك النتيجة يستوجب إجراء سلسلة فحوصات للجهاز
العصبي، الأمر الذي لم يأتِ ذكره في تقرير طبيبتها الخاصة.
انضم الحارس الخاص السابق للسيدة كلينتون، غاري بيرن، إلى حكم شبه جازم
بتعرضها لمرض باركينسون، وهو الذي رافقها في
حلها وترحالها منذ عام 1999 ولغاية عام 2003.
وزاد بعد مشاهدته الفيديو الشهير أن الأمر "المثير للقلق .. انها قصدت
شقة ابنتها السكنية بدلاً من غرفة الطواريء،" لا سيما وان اجراءات الحراسة
الخاصة تقتضي معرفة كافة أفراد الطاقم الوجهة المثلى لأقرب مستشفى مهما كانت
الظروف. وأضاف ان ذلك المشهد يدل على رغبتها في تلقي العلاج بعيداً عن أنظار العامة
من قبل أخصائيين وأطباء من اختيارها، بل ان طاقم حراستها المناوب أدرك على الفور
ان شيئا غير عادي تعرضت له في تلك اللحظة وكان على أتم استعداد لكل الاحتمالات.
صحة ترامب
برنامج المرشح ترامب الانتخابي يشهد نشاطا اكبر ووتيرة تحرك اكبر من منافسته كلينتون.
برنامج المرشح ترامب الانتخابي يشهد نشاطاً أكبر ووتيرة تحرك أكبر من
منافسته كلينتون، وهو في العقد السابع من العمر. تباهى ترامب بحالته الصحية
"الممتازة،" واقراره بأن هناك زيادة في وزنه تبلغ نحو 15 رطلاً، استناداً إلى فحص طبي حديث العهد أجراه طبيبه الخاص، هارولد بورنستين، الذي زعم مؤخراً أن
السيد ترامب "عند انتخابه سيكون الأصح بين الرؤساء عبر التاريخ السياسي"
للكيان الأميركي.
مثابرة ترامب على الالتزام ببرنامج انتخابي مكثف يشكل تحدياً إضافيا للسيدة
كلينتون وفريق حملتها الانتخابية للحاق به على حساب حالتها الصحية، وهي التي بحاجة إلى اثبات أهليتها الجسدية والعقلية للقيام بأعباء منصب الرئيس والتغلب على الشكوك
المتراصة أمامها.
كلينتون: احتمالات مفتوحة
انسحاب كلينتون يعني نهاية نفوذ جناح آل كلينتون داخل الحزب الديموقراطي.
تنشط الاجتهادات الفكرية في تحديد معالم المرحلة المقبل في حال تعرض السيدة
كلينتون "للوفاة او مرض يقعدها عن استكمال الحملة الانتخابية."
الرئيس الأسبق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، دون فاولر، والذي تربع على
المنصب من عام 1995 لغاية عام 1997، ابان ولاية الرئيس كلينتون، أدلى بدلوه في
المسألة مناشداً الرئيس اوباما وقادة الحزب الديموقراطي في الكونغرس بلورة آلية عمل
للبحث عن مرشح بديل لهيلاري كلينتون على وجه السرعة، وذلك في سياق الإعداد لاسوأ
الاحتمالات.
واشار فاولر بوضوح إلى مثال استبدال الحزب الديموقراطي مرشحه لمنصب نائب
الرئيس، توماس ايغلتون، عام 1972 بالمقرب من آل كنيدي، سارجنت شرايفر؛ موضحاً انه
المرة الأولى التي اقدم فيها حزب رئيسي على تعديل أحد مرشحيْه في حمأة السباق
الرئاسي.
واستدرك بالقول ان عملية التبديل آنذاك سارت بسلاسة ويسر ملحوظ، أما في حال
السيدة كلينتون فمن المتوقع أن تتسم بالحدة والتشنج، وقد تدفع مؤيدي كل من نائب
الرئيس جو بايدن والمرشح السابق بيرني ساندرز للعمل المكثف. ولهذا السبب، أضاف،
ينبغي على قيادة الحزب الإعداد مسبقاً وتفادي معارك جانبية ضارة، عبر الدعوة
لانعقاد جلسة طارئة لاختيار المرشح الأنسب أو مرشح توافقي.
من بين التحديات العملياتية لبروز مرشح بديل عن السيدة كلينتون انتهاء
اللجان الحزبية في معظم الولايات من إعداد قوائم الانتخابات الرسمية التي تظهر
السيدة كلينتون، وربما يحتاج الأمر إلى تدخل المحكمة العليا لفرض ادراج المرشح
البديل.
محصلة الأمر في الحقيقة هو بعهدة
الهيئة الانتخابية التي سيدلي أعضاءها غير المنتخبين باختيار المرشح الرئاسي، ونظراً لطبيعة تكوين الهيئة باعضاء
حزبيين ملتزمين فان اختيار بديل السيدة كلينتون لن يكون عسيراً، في تلك الحالة.
نصوص الدستور الأميركي حسمت احتمال وفاة المرشح الرئاسي قبل ادائه اليمين
الدستوري، يبرز المرشح لمنصب نائب الرئيس في المرتبة الأولى تلقائيا، وتوكل له
مهمة اختيار نائب له ومصادقة مجلس الشيوخ عليه. ما عدا ذلك، فأي فراغ في المنصب
يتم معالجته داخل الهيئة الانتخابية.
مسيرة السيدة كلينتون لمنصب الرئاسة تعد من أطول الحملات الانتخابية، بعد
ان برزت ملامح رغبتها بذلك عام 2000، وشرعت منذئذ في الإعداد التدريجي والتخطيط
الدؤوب لنضوج الظروف الضرورية. ومن غير المرجح أن تقدم السيدة كلينتون تلقائياً على
التخلي طواعية عن تجسيد حلمها، ان لم تتعرض لحالة وفاة أو غيبوبة لا عودة منها.
وربما ستمضي الرياح بعكس ما تشتهيه سفينة كلينتون وعدم قدرتها تجسير
الفواصل الشعبية الكبيرة في الفترة الزمنية القصيرة المتبقية، الأمر الذي سيحفز
قيادة الحزب الإيعاز لها بالتنحي ولو مكرهة.
أمام هذا الإحتمال، هناك شبه إجماع على شخص الرئيس اوباما لإبلاغ السيدة
كلينتون القبول بموقف تبغضه بشدة، وهي تدرك تماماً أن "انسحابها" يعني
نهاية نفوذ جناح آل كلينتون داخل الحزب الديمقراطي، وما سيتركه من انعكاسات سلبية
على استمرارية تمويل مؤسسة كلينتون الخيرية.
وقد يتم تجنيد بعض كبار الأثرياء الداعمين للحزب الديمقراطي بممارسة دورر
ضاغط على السيدة كلينتون للتنحي، مقابل التبرع السخي بملايين الدولارات للمؤسسة
المذكورة، بيد أن العقبات القانونية تبرز كأكبر عائق أما هذا الخيار لتعارض التبرع
بمبالغ كبيرة مع نصوص القوانين السارية بذلك.
وربما يجدد التاريخ تجسيد حلم نائب الرئيس جو بايدن بتبوأ المنصب يعينه في
ذلك قربه الشديد، لا سيما فكرياً ومباديء، من القيم التي يجسدها الرئيس اوباما، على
الرغم من تقدمه في السن هو الآخر اذ يبلغ 73 عاما.
بعض الحالمين من قطاع المرأة شرع بطرح السيدة ميشيل اوباما للمنصب، طمعاً في
استعادة تأييد القطاعات الإجتماعية التي أوصلت الرئيس اوباما لولايتين رئاسيتين.
من المستبعد أن تنظر السيدة اوباما بالأمر، وهي تدرك ما يترتب على المنصب من متاعب
واعباء.
الاحتمال الأكثر واقعية يتمحور حول بقاء السيدة كلينتون في مكانها كمرشحة
رئاسية، وتوزيع المهرجانات الخطابية على عدد أكبر من قادة الحزب الديموقراطي نيابة
عنها، وضبط برنامج تحركاتها بقيود أكبر من السابق. أمام هذا الوضع يتوقع أن تشهد
الساحة الإعلامية انفتاحا أكبر من القائمين على حملتها الرئاسية لتفاعل أكبر
وتقويض بعض الأسوار المقامة حول السيدة كلينتون، كما يطالب عدد كبير من مؤيديها
ومناوئيها على السواء.