أين موسكو في حسابات ترامب المعادية لإيران؟

يخوض بعض الإعلام الأميركي والعربي حملة دؤوبة للتشكيك بالتوافق بين روسيا وإيران. لكن هذه الحملة قد تكون محاولة لتجميع أسلحة افتراضية في معركة ترامب ضد طهران، التي تفتقد إلى أسلحة فعّالة ملموسة.

واشنطن وحلفاءها في الخليج والقدس المحتلة يفتحون صفحة استفزازات متجددة ضد إيران
بموازاة الخطاب الأميركي التصعيدي ضد إيران، تحاول إدارة دونالد ترامب الإيحاء بأن موسكو تتخلّى عن طهران في سوريا والشرق الأوسط وأنها قد تؤدي إلى قطيعة بين البلدين إذا أبدت واشنطن رغبتها بذلك.

فهي توحي في بعض الإعلام الأميركي والعربي الحليف، بأن موسكو ضاقت ذرعاًَ بعلاقتها الوطيدة مع طهران وهي تنتظر بعض الإغراءات من إدارة ترامب بفارغ الصبر كي يقلب الكرملين ظهر المجن.


في هذا الصدد تنشر صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية جملة مما تسميه إغراءات تتنظرها موسكو من ترامب، بحسب قولها نقلاً عن مسؤول أميركي مجهول الهوية. أو نقلاً عن دبلوماسي أوروبي من دون إسم ولا عنوان. لكن معظم هذه الإغراءات المزعومة هي بمستوى ما كانت تراهن عليه السعودية لشراء مواقف موسكو ببعض براميل النفط وبحفنة من الدولارات. 


ومن بين ما يذكره هذا المسؤول الأميركي أو ذاك الدبلوماسي الأوروبي من مغريات، إمكانية تخفيف العقوبات الأميركية على بوتين أو السماح بخفض حدّة التوتر في أوكرانيا مقابل تقليص التعاون الروسي ــ الإيراني مثلما سعت إدارة باراك أوباما من دون جدوى.


الإعلام العربي الحليف لواشنطن يتناول الفكرة نفسها من جانبها الشرق أوسطي، بحسب ما تتداوله وسائل الإعلام السعودية والقطرية المحترفة. فهي تأخذ بما يبدو مسلّمات غير قابلة للنقاش بشأن قولها بخلافات عميقة بين موسكو وطهران قد تصل إلى خلافات كبيرة بين الطرفين. وذلك على خلفية ما يسميه هذا الإعلام "عرقلة إيران للمبادرات الروسية في وقف إطلاق النار الشامل على الأراضي السورية". أو بسبب "الاستفزازات التي تقوم بها إيران" في التجربة الصاروخية وفي المناورات العسكرية التي تستفز ترامب وتعكّر صفو تعويل الكرملين على الإدارة الجديدة. 



ومفاد هذا السياق الإعلامي أن موسكو تبحث عن "مخرج مشرّف" من الأزمة السورية وأنها في هذا السبيل ليس أمامها غير التهدئة مع تركيا وتقديم التنازلات لإدارة ترامب مقابل "وجبة غير مجانية" كما ذكرت "وول ستريت جورنال" الأميركية.


المتحدث الرسمي باسم الكرملين ينفي كلما دعت الحاجة مثل هذه الأقاويل. كما أن المبعوث الخاص للرئيس الروسي "ألكسندر لافرنتيف" ينسّق في طهران مجمل العمليات الميدانية السورية مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني. وهو ما يتضح في التوافق المشترك على جدول أعمال آستانة في وقف اطلاق النار وفي فصل النصرة عن المجموعات المسلّحة التي ترعاها تركيا. 


لكن الأقوى الذي يشير إلى توافق ميداني ــ سياسي بين موسكو وطهران هو محاصرة الجيش السوري وحلفائه مدينة الباب السورية وقطع الطريق على أنقرة التي حاولت تضخيم التفاهم الروسي ــ التركي على حساب التعاون الروسي ــ الإيراني. 


والحدث الآخر الذي يؤكد توطيد العلاقات الروسية ــ الإيرانية بمنحى استراتيجي، هو التزام موسكو بما يسميه ترامب "الاتفاق المشين" وتسليم طهران الشحنة الأخيرة البالغة 149 طناً من اليورانيوم المخصّب "الكعكة الصفراء".


لكن واشنطن وحلفاءها في الخليج والقدس المحتلة يفتحون صفحة تصعيد متجددة بقوة ضد إيران، بينما يفتقدون القدرة العسكرية سويّة في الذهاب إلى الحرب، كما يوضّح تقرير"معهد دراسات الحرب" الأميركي. 
فالتقرير يؤكد على أن قدرة إيران " تمكنّها من تغيير توازن القوى في الشرق الأوسط على نحو جذري". لذا تراهن واشنطن وحلفاؤها على فراق بين موسكو وطهران لإضعاف إيران. وهم في هذا الشأن يعتقدون بأنهم يصيبون عصفورين بحجر واحد لإضعاف البلدين، ما يدلّ على ضيق مخيال واتساع مخيّلة خصبة.

فمن الجانب المصلحي المباشر البحت، لا تفترق روسيا عن طهران في المديين المنظور والأبعد على الرغم من اختلافات الرؤى والمقاربة في بعض الملفات والقضايا. إذ أن بوتين أدخل روسيا إلى قلب التأثير في المنظومة الدولية بصحبة إيران في سوريا. 
واحتلت روسيا حيّزاً كبيراًَ من الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، الذي تركته واشنطن والدول الغربية الأخرى. فهذا الدرس من سوريا والشرق الأوسط هو على الأرجح أهم أسلحة بوتين لتعزيز النفوذ والمصالح الروسية في أوروبا الغربية القلقة من ترامب، وفي الصين التي يهددها ترامب وفي العالم المضطرب بعنصرية ترامب. 

وهو درس يتعلّمه بوتين في التجربة والمصالح مع إيران التي لا يقدمها هدية لأميركا الأكثر ضعفاً وانقساماً تحت رئاسة ترامب. بل على العكس من ذلك قد تستفيد موسكو من ابتعاد واشنطن عن إيران والشرق الأوسط، أملاً بأن "يندم ترامب على الخط الأحمر الذي وضعه لإيران"، وفق مستشار الأمن القومي السابق في "فورين بوليسي" الأميركية.