إردوغان في فخ منبج الروسي

التهديدات التركية باحتلال مدينة منبج السورية، تصطدم بفيتو روسي يسنده تسليم خط المرور إلى الجيش السوري وحلفائه. لكن هذه البطاقة الحمراء بوجه القوات التركية هي جزاء التراجع عن التفاهم مع موسكو في اتجاه المراهنة على دونالد ترامب.

التفاهم الروسي-التركي فرض على أنقرة أن تضغط على المجموعات المقرّبة للانفصال عن جبهة النصرة
يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يأخذ بعين الاعتبار أبعاد التصريح الروسي بأن موسكو سمحت له بدخول مدينة الباب وفق تفاهم مسبق. وأنها رسمت خط الحدود حول الباب لمنعه من التفكير في أي مغامرة عسكرية للعودة إلى مدينة حلب.

فالتفاهم الروسي ــ التركي الذي أتاح تغيير المعادلات الميدانية والسياسية في حلب، فرض على أنقرة أن تضغط على المجموعات المقرّبة للانفصال عن جبهة النصرة. وكذلك دخول تركيا ومجموعاتها في مسار آستانة المختلف عن مسار جنيف في القفز عن حائط "المرحلة الانتقالية" المسدود منذ بداية المحادثات بشأن الأزمة السورية.

مقابل هذا التوجه التركي، كان لا بد أن تحظى أنقرة "بمكافأة" الدخول إلى مدينة الباب لتدعيم ما وصفته بإنجازات الرئيس إردوغان التي أدّت إلى "تغيير الموقف الروسي من النظام في سوريا". لكن هذه "المكافأة" تحوّطت من إمكانية تراجع إردوغان عن التفاهم، عبر قطع الطريق على القوات التركية من الباب إلى حلب وعبر الاتفاق في اجتماع آستانة قبيل جنيف على مسار الحل السياسي وأولوية مواجهة "داعش" والنصرة.

في خلال إسبوع واحد عاد إردوغان إلى المربع الأول، ما أن أشار دونالد ترامب إلى سعيه لإنشاء مناطق آمنة في سوريا. فالاتصالات التي أجراها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية "جوزيف دنفورد" في أنقرة، وصفها وزير الدفاع التركي فكري إيشيق بأنها مشجعة ولا سيما بشأن عدم الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية بحسب زعمه. كما أن مباحثات مدير المخابرات المركزية الأميركية في أنقرة، تناولتها وسائل الإعلام التركية على أنها عودة الروح إلى مشروع إردوغان في سوريا. وعلى الأثر صعّدت تركيا تحركاتها في السعودية وقطر والبحرين لإرسال قوات بريّة "في إطار التحالف الدولي" وتحت قيادة أميركية، بحسب توضيح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. وفي السياق نفسه صعّدت تركيا من خطاب العدائية المباشرة ضد إيرن، بما يتناسب مع خطاب ترامب والخطاب السعودي التقليدي. وفي هذا المناخ السياسي عادت مباحثات جنيف إلى المربع الأول في تفسير "دول أصدقاء سوريا" لقرار مجلس الأمن على أنه مباحثات استلام وتسليم للسلطة.

بدت الحديقة الخلفية في سوريا أقرب من أي وقت مضى في نظر إردوغان، بالاتجاه نحو مدينة منبج عبر محور جرابلس الجنوبي وعبر محور ريف الباب الشرقي. وفي هذا السبيل هدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بضرب قوات سوريا الديمقراطية إذا لم تنسحب من منبج. وبينما تتردد الادارة الاميركية في الذهاب نحو الاتفاق مع تركيا لإنشاء منطقة آمنة، بحسب مقابلة "فورين بوليسي" مع قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، تتفق موسكو مع قوات سوريا الديمقراطية على تسليم القرى المحاذية لمنطقة الباب في الجهة الغربية لمنبج إلى الجيش السوري وحلفائه. وهو الأمر الذي يقطع الطريق على القوات التركية إلى منبج، بل هو تهديد روسي مباشر إلى تركيا إذا حاولت عبور الحد الفاصل مع القوات السورية على خط الساجور.

إردوغان ووزير الخارجية التركي، يشيران إلى احتمال شراكة تركية ــ روسية لقتال "داعش" في الرقة "إذا اقترحت موسكو ذلك" وفق تعبير الرئيس والوزير. وفي الطائرة التي أقلته من باكستان، يعد إردوغان بأن موضوع الشراكة سيكون على جدول أعمال لقائه بالرئيس الروسي في موسكو خلال هذا الشهر. لكن الرئيس التركي اعتاد الاعتذار أمام أي مأزق لا يستطيع القفز فوقه. وفي سجلّ الاعتذارات الطويلة آخرها في الاعتذار من التهجّم على إيران، وحين يصبح الاعتذار سياسة دولة تترقب الدول المعنية وقت الاعتذار عن الاعتذار.