هل يعوّض ترامب على تركيا في إدلب؟

القرار الأميركي بتسليح وحدات حماية الشعب، يأخذ في الحسبان الرفض التركي، لكن واشنطن تعرض على تركيا التعويض في إدلب بشروط يمكن أن تقبلها موسكو.

القرار الأميركي بتسليح وحدات حماية الشعب، يأخذ في الحسبان الرفض التركي
القرار الأميركي بتزويد وحدات حماية الشعب بالسلاح الذي كشفت عنه وزارة الدفاع، يشير إلى أن دونالد ترامب يفكّر بالاعتماد على قوى محلية "لتحرير الرقة". لكن هذا القرار يدلّ على أن ترامب يستبعد في المدى المنظور مشاركة تركيا في عمليات عسكرية، بانتظار ما تسفر عنه محاولة إنشاء "حلف ناتو" أميركي ــ إسرائيلي مع السعودية. وفي هذا السياق يؤجل ترامب المشاركة التركية، أملاً بمشاركة سعودية ــ خليجية لاحقة يمكن أن تنضم إليها تركيا وربما دول أخرى.


المسؤولون الأتراك ندّدوا بالقرار الأميركي واحداً تلو الآخر. وبينما أفصح الرئيس رجب طيب إردوغان عن بحث هذا "الخطأ الذي يهدد الأمن التركي" مع ترامب في زيارته المرتقبة إلى واشنطن، ذهب رئيس الوزراء بن علي يلدريم إلى التلميح بالعواقب والنتائج السلبية الناتجة عن تسليح يصل إلى أيدي حزب العمال الارهابي. ولا يبدو في هذا الأمر ما يقلق واشنطن على قول وزير الدفاع الاميركي بأنه على دراية بالمخاوف في تركيا. فهوعلى يقين متفائل بتبديد هذه المخاوف، كما يقول.


ما يؤرق واشنطن أكثر مما يقلقها، هو ما تسميه "التوسّع الإيراني" في الإشارة إلى حضور إيران القوي في سوريا مع حلفائها بمواجهة الجماعات المسلّحة. ولعل واشنطن تخشى ملأ إيران الفراغات الاستراتيجية الإقليمية التي تتراجع عنها دول تحالف واشنطن العربية، وفي مقدمها المسألة الفلسطينية. وهذا الهمّ الأميركي الذي تتشاركه مع حلفائها في المنطقة، هو حجر الزاوية التي تبني عليه واشنطن عمارتها مهما كانت حركة الرصف وهندستها. فهي حين تتخذ ما تسميه "أولوية محاربة "داعش" والجماعات الإرهابية"، تضعه موضع التنفيذ في حدود وإطار قطع الطريق على "توسّع النفوذ الإيراني". وهذا يقتضي إذا اقتضى "تحرير الرقة" مثلاً، طرد "داعش" والجلوس مكانه بالأصالة وبالوكالة. وهكذا هو السياق في موضوع "الحل السياسي" للأزمة السورية، أو في أي مسألة من المسائل ذات الصلة.

لا تبحث واشنطن عن أفضل صيغة عسكرية وسياسية لطرد "داعش" من الرقة، كما يظن إردوغان الذي يعرض خدمات وقدرات أهم من قدرات قوات سوريا الديمقراطية. إنما تبحث في المقام الأول عن إقامة سدّ أمام إيران من حلفائها محل "داعش". ولكل من هؤلاء الحلفاء قسط في أوانه تحت العباءة الأميركية، وللسعودية في متغيرات "الشراكة الاستراتيجية الجديدة" مع ولي ولي العهد و"رؤية 2030" أكثر من قسط في التمويل على وجه الخصوص.

في هذا التجاه، وتحت ضغط التوتر التركي من القرار الأميركي، تعرض واشنطن على إردوغان المشاركة في معركة إدلب تعويضاً عن منعه من المشاركة في الرقة. لكن ترامب لا يملك في يده حرية التحرك في إدلب بما يتجاوز الشرط الروسي على تركيا وهو مواجهة النصرة وحلفائها في إدلب. فالاتفاق الأخير مع تركيا في أستانة على "مناطق خفض التصعيد"، يخصّ منطقة إدلب بخفض التصعيد بضمانة روسية وإيرانية إذا واجهت تركيا وحلفائها من حركة أحرار الشام وغيرها جبهة النصرة التي تتزعم هيئة تحرير الشام. وهو ينص على أن "الضامنين سيتخذون جميع التدابير لإجبار جماعات "داعش" والنصرة على الخروج من هذه المناطق". ( منطقة إدلب يشار إليها في الاتفاق بتعبير "مقاطعة" بمعنى أنها أوسع من منطقة).


النصرة تستبق ما تتلكأ عنه تركيا في إدلب. إذ يصدر "مجلس الفتوى" في النصرة فتوى لقتال "الفصائل الفاسدة" ويشترط عليها إخلاء كامل ريف إدلب الغربي "خوفاً من تقدّم تركي" عبر خطوط أحرار الشام. وينذر أحرار الشام بأن "الموافقة على أستانة خيانة ومؤامرة تبغي وأد الجهاد والثورة". وتقرن النصرة القول بالفعل في انتزاع جبل الشيخ بركات من أيدي الحركة لرصد أي تحرّك تركي. ولا يبدو أن النصرة ستترك لتركيا حرية اختيار لحظة الانقلاب على تحالفاتها وتقاطعاتها في اختيار مجموعات على أخرى من أجل تحسين مواقعها الاقليمية والدولية. فما تتلكأ عنه تركيا في أدلب قد يتجاوز قدرتها عن القفز فوق الحواجز الصعبة. لكن المفارقة أن إردوغان الذي يحطّ في واشنطن يظن أن ترامب يمكن أن يقدّم له في سوريا ما ليس في يد واشنطن.