مجلس الأمن الدولي وانحيازه مع الحرب على اليمن
لدى أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام ما يبرر موقفهم الرافض لبيان مجلس الأمن الأخير حول اليمن الذي يطالبهما بوقف الهجمات على السعودية، لكن صدوره في هذا التوقيت يمثل في أحد وجوهه فشلاً دبلوماسياً جديداً لهذا الحلف المنبوذ وغير الفاعل دولياً، في حين أن صدوره بهذه الصيغة يقول إن التحركات السعودية والأميركية والبريطانية، أتت أكلها إضافة إلى جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وكعشرات المجازر والآلاف من ضحايا غارات التحالف السعودي على امتداد أكثر من 815 يوماً من الحرب على اليمن، مرت هذه المجزرة بصمت، ولم تحرك ساكناً للمجلس المعني أساساً بحماية السعودية وجنودها، وكأن مهمته باتت تقديم الضحية كجلاد، والجلاد والمعتدي كمدافع عن نفسه!. لكن المجزرة في توقيتها، أو "الجريمة الوحشية" بتعبير الناطق باسم أنصار الله محمد عبد السلام "ليست سوى تعبير عن الوجه الحقيقي لمجلس الأمن الذي يمنح دول العدوان الغطاء السياسي والعسكري للاستمرار في قتل الشعب اليمني والعدوان عليه، واستمرار الحصار"، ولابد أنها دفعت تحالف صنعاء إلى مزيد من التمسك بمواقفه الرافضة للبيان، الذي فصّل على مقاس الرغبة السعودية، كما يشير سياسي يمني رفيع، ذلك أنه -أي القرار- "يشجع تحالف العدوان على مواصلة شن الغارات، وفرض الحصار، ويبعد أي أمل بحل سياسي يطوي الحرب، ويؤسس لسلام عادل يضمن سيادة اليمن وكرامة الشعب اليمني"، بحسب عبد السلام أيضاً. الموقف ذاته كان قد سارع إليه مصدر مسؤول في مكتب الرئيس السابق علي عبد الله صالح معبراً "عن الإستغراب الشديد لإزدواجية المعايير التي يتعامل بها مجلس الأمن الدولي مع القضية اليمنية، وما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان من قِبل دول مايسمّى بالتحالف العربي بقيادة السعودية".
انحاز البيان بوضوح لجهة السعودية وتحالفها، فانحاز حلف صنعاء لنفسه ورفضه. في الواقع لدى أنصار الله والمؤتمر ما يبرر موقفهم الرافض للبيان، لكن صدوره في هذا التوقيت يمثل في أحد وجوهه فشلاً دبلوماسياً جديداً لهذا الحلف المنبوذ وغير الفاعل دولياً، في حين أن صدوره بهذه الصيغة يقول إن التحركات السعودية والأميركية والبريطانية، أتت أكلها إضافة إلى جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وخاصة بعد الموقف المعلن من أنصار الله ورئيس مجلس الحكم في صنعاء صالح الصماد من ولد الشيخ ووصفه بالمبعوث غير المرغوب به. في المحصلة كان البيان خلاصة فاعلية دبلوماسية مشهودة للمندوب السعودي في الأمم المتحدة، ودعم المندوب الأميركي، ومساعدة بريطانيا في الكواليس، مع شهادات مجانية معتادة لمندوب الرئيس هادي، ولا فاعلية روسية صينية، والأهم أنه بني كلياً على تقرير أخير لولد الشيخ الذي غادر صنعاء دون أن يقابله الوفد المفاوض لأنصار الله والمؤتمر، وهو ما حز في نفسه، إلى جانب محاولة الإعتداء عليه من قبل محتجين غاضبين بعيد خروجه من بوابة صالة كبار الضيوف في مطار صنعاء.
وفي تقريره قال ولد الشيخ إن موكبه تعرض لإطلاق نار، ومجلس الأمن دان الأمر ووصفه بمحاولة الاغتيال، وإن كان المبعوث أكثر من يدرك عدم تعرضه لأي محاولة اغتيال، وأن ما حدث لم يكن أكثر من تعبير عن غضب من انحيازه لصف السعودية كما قالوا، لكنه استغل الحادثة لصالحه ووظفها بطريقة تخدم الطرف الخارجي، وبالغ في انتقامه إلى درجة تحميل صنعاء تبعات ما جرى ويجري وسيجري مستقبلاً!.وإن كانت الشواهد على الأرض تقف إلى جانب هذا الحلف، ولكن مجلس الأمن بعين واحدة، والأعور لا يرى كل شيء، بل ما يريد أن يرى، أو ما يراد له! ولهذا جرت بنود البيان في اتجاه واحد، معبرة عن رغبة طرف لا أكثر، وساقت لطرف صنعاء جملة من الأسباب المتشابكة لرفضه، ومطالبته بوقف الهجمات على الأراضي السعودية ليست سوى سبب واحد بين عدة أسباب تبدأ بتجديد المجلس دعمه للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، وتجاهل موقف صنعاء من الرجل؛ وتحديده لمرجعيات أي تفاوض سياسي ب"المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار "2216"، وهي مرجعيات أحادية يختلف حلف صنعاء بشأنها، وعدم مطالبته التحالف السعودي فتح مطار صنعاء، ولا تنتهي هذه الأسباب بالطبع عند دعوته جميع الأطراف للتفاعل الإيجابي مع مقترحات المبعوث الأممي حول ترتيبات إدارة ميناء ومدينة الحديدة، دون أن يعير رفض صنعاء للخطة أي اعتبار، وعن هذه النقطة تحديداً يقول مسؤول يمني رفيع للميادين نت "يتحدث مجلس الأمن بلسان حال السعودية وحكومة هادي، وإلا كيف نفسر تأكيده على ضرورة التعاطي مع مقترحات ولد الشيخ بشأن ميناء الحديدة، والجميع يعلم مدى إجحاف هذه المقترحات التي تقايض الميناء بتسليم رواتب الموظفين..إنه يتحدث كما لو أنه مجلس الأمن السعودي وليس الدولي!". الغريب أن البيان أعاد طرح أفكار سبق رفضها، وثبت مبعوثاً بات غير مرغوب به، على الأقل من أحد الأطراف الرئيسية في الأزمة والصراع، فهل نتوقع أن يرحب هذا الطرف ببيان لا يعترف به أصلا؟!!.
غير أن المشكلة لا تكمن في البيان، بل في المجلس نفسه، وقد ظهر بصورة الفاقد لاعتباره ونزاهته، بحكم تدميره فكرة المؤسسة المحايدة وتحوله إلى طرف في الأزمة والحرب على اليمن.
صحيح أن البيان لم يخلوا كعادة هذه البيانات من قلق إزاء ما وصفه بالأثر المدمر للصراع على المدنيين، ومن تفشي وباء الكوليرا، ومشاركته الأمين العام القلق بشأن خطر المجاعة في اليمن, باعتباره أكبر حالة طوارئ في مجال الأمن الغذائي في العالم، وتحذيره من تدهور الحالة الإنسانية في ظل غياب الحل السياسي، داعياً جميع الأطراف إلى الإمتثال للقانون الإنساني الدولي، والتمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، وإعرابه عن بالغ قلقه أيضاً إزاء وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، والفروع التابعة للدولة الإسلامية "داعش" في العراق وبلاد الشام والنمو المحتمل مستقبلاً لها، لكنها عبارات عامة وفضفاضة لا يمكن أن تنطلي على أحد، مقابل عبارات الإدانة الموجهة والواضحة ناحية حلف صنعاء، ولهذا لم يكن ليخرج موقف هذا الحلف عن دائرة الرفض للبيان، يقول قيادي في حزب صالح. ثم إن البيان لم يحمل أي إشارة إيجابية على قرب انتهاء الحرب، أو استئناف عملية التفاوض السياسي، وكلما ابتعد الأمل بوقف العدوان، اقترب هذا البلد أكثر وأكثر من كارثة إنسانية تبدو مؤشراتها واضحة في غير محافظة يمنية.
بالنسبة لحكومة الرئيس هادي، فالبيان إجمالاً في صالحها و "إن كانت تعول على بيان أقوى يحدد كل الأخطاء، وإدارة الانقلابيين في بعض القضايا، ويشير بشكل إيجابي إلى الحكومة اليمنية"، كما قال وزير خارجيتها عبد الملك المخلافي في أول تعليق له على البيان، ومع ذلك سنراها تبالغ في الاحتفاء بالبيان إلى حد الترحيب به مرتين!.
مرة على لسان وزير خارجيتها المخلافي بعد يوم من صدور البيان، وحديثه عن ملاحظات لحكومته على البيان، من ضمنها عبارته السابقة، ومرة أخرى لمصدر مسؤول في الخارجية أيضاً، والغريب -وما غريب إلا الشيطان- أن توقيته هذه المرة جاء غداة مجزرة المتسوقين في صعدة!، مستذكراً بياناً صدر منذ ثلاثة أيام، ومتجاهلاً مجزرة حدثت على بعد ساعات من تصريحه!. في النهاية، التباين في موقفي حلف صنعاء، والحكومة غير المقيمة لهادي، ليس جديداً، وسيستمر ما عمرت الحرب واستمرت الاختلالات الأدائية للأمم المتحدة ومجلس الأمن في إدارتهما للحرب على وفي اليمن، كما وانحيازاتهما في التعامل مع أطرافها.