ما يمنع تركيا من التدخل في الموصل
على أرض الواقع لم يستطع الرئيس التركي تحريك قطعة عسكرية من بعشيقة، على الرغم من تعهّده بالمشاركة في تحدّيه رفض الجانب العراقي الرسمي، بحسب تعبيره. وجلّ ما كسبه هو محاولة أميركية لتغطية المشاركة، حين أعلن آشتون كارتر عن تفاهم بين أنقرة وبغداد، سرعان ما نفته الحكومة العراقية.
وفي السياق زاد الخطاب التصعيدي التركي من هذا المأزق في هوّة بين الأماني والقدرات الفعلية، حيث اضطر رئيس الوزراء التركي إلى الإعلان عن مشاركة تركية على محور بعشيقة بطلب من البشمركة بينما نفى إقليم كردستان أي طلب وأي مشاركة. أبعد من ذلك يهدّد أردوغان بإعادة النظر في اتفاقية لوزان، ثم يحدد سقفاً عالياً في العودة إلى الوراء قبل ولادة الجمهورية التركية في قوله "إن كركوك كانت لنا والموصل كانت لنا". أما على أرض الواقع تحت هذا السقف المرتفع من الطموحات فلم يستطع الرئيس تحريك قطعة عسكرية من بعشيقة، على الرغم من تعهّده بالمشاركة في تحدّيه رفض الجانب العراقي الرسمي بحسب تعبيره. وجلّ ما كسبه هو محاولة أميركية لتغطية المشاركة، حين أعلن آشتون كارتر عن تفاهم بين أنقرة وبغداد، سرعان ما نفته الحكومة العراقية. الخطة التركية للتدخل وفق إعلان أردوغان لما وصفه أ، ب، ج، فهي محاولة المشاركة في إطار عمليات تحالف واشنطن في المصاف الأول، ولم ينجح في ذلك نتيجة الرفض العراقي. ولم ينجح كذلك بمنع مشاركة الحشد الشعبي من القتال في معركة الموصل وفق الخطة "ب". والخطة "ج" هي مراهنة على إنشاء حديقة خلفية تركية بين سوريا والعراق تقضي بأن تسيطر تركيا على مدينة الباب السورية لقطع الطريق بين عفرين وعين العرب، والسيطرة على تلعفر العراقية لوصلها بأعزاز السورية. وما يبدو من الميدان السوري أن نواة التحالف المستجد بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، يمكن أن يفوّت الفرصة على تركيا في مدينة الباب. كما أن توجه الحشد الشعبي باتجاه تلعفر يمكن كذلك أن يفوّت الفرصة على تركيا في العراق، ولا سيما أن قوات البشمركة تسابق قوات حزب العمال للوصول إلى سنجار القريبة من بعشيقة. المراهنات التركية على تمدد الحديقة الخلفية بين سوريا والعراق، ربما كانت تعوّل على مساندة رئيس الاقليم مسعود البرزاني لإنشاء منطقة آمنة من إرهاب حزب العمال الكردستاني، كما أوضح علي بن يدريم. لكنها على الأرحج كانت تعوّل على احتمال انقسامات عراقية متعددة الأطراف بشأن "طائفية" معركة الموصل، وعلى احتمال انشقاق كبير في ثنايا المعركة بين أربيل وبغداد. لكن الاتحاد العراقي في هذه المعركة فاق أغلب التوقعات المتفائلة لدرجة توالي الأخبار عن مقاومة شعبية متنامية ضد "داعش" في الموصل، فضلاً عن خشية التركمان في تلعفر من تدخل تركي يزيد حدة الانقسامات المذهبية الملتهبة فيما بينهم بعد احتلال "داعش" للمدينة، وهو الأمر الذي يقضي على حقوق يطالبون بها في كركوك. في ظل تفاهمات الحد الأدنى بين البرزاني وبغداد على أولوية مواجهة "داعش"، ربما يفضّل البرزاني في المرحلة الحالية النأي بالنفس عن تركيا، ولا سيما أن قوات البيشمركة تطمح في أثناء المعركة للسيطرة على شرقي الموصل وشماله فضلاً عن كركوك غربي أربيل. وقد يأمل لاحقاً تقسيم الموصل كما ألمح رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين في تعليقه على مباحثات آشتون كارتر في أربيل التي "تناولت ما بعد داعش". لكن هذا النأي بالنفس من شأنه أن يقطع الطريق على إمكانية التدخل التركي في معركة الموصل، حتى يحين الحين وقت الحصاد في مساعي تقسيم حصص الكعكة العراقية، حيث يمكن بعدها إعادة التلاقي بين أربيل وأنقرة في مواجهة بغداد، كما يأمل البرزاني وأردوغان فيما يسمى "اليوم التالي". لكن ذاك اليوم هو يوم آخر قد يصعب التنجيم به بعد دينامية عراقية من كافة الأطياف لم تكن متوقعة لتحرير أراضيهم، وفي ظل خلافات عميقة بين التيارات السياسية في الإقليم بشأن الحكم وتوزيع الثروة، وأيضاً في ظل استعصاء تركي أمام طموحات إقليمية تتجاوز قدرات أنقرة الواقعية. فنجاحها النسبي في قوات "درع الفرات" ربما أتاحه عدم تصدّي خصومها أثناء المراهنة على انعطافة تركية باتجاه سوريا وحلفائها.