أي أفق في لبنان برئاسة عون؟

يبدو أن انتخاب الرئيس ميشال عون في لبنان، يدلّ على أن القاعدة الأساس التي تحكم لبنان ودول المنطقة لا تزال في التناقض بين الداخل على المستوى الاقليمي وبين الخارج البعيد في العواصم الغربية. فانتخاب مرشح المقاومة الأول هو حصيلة عدم قدرة واشنطن ولندن وباريس على فرض خياراتها السياسية التي تفرضها غالباً بحروب إسرائيلية.

صورة لـ «فخامة الرئيس» ترتفع على أحد جدران كنيسة حارة حريك
لسنوات تجاوزت ثلاثة عقود، سرت في لبنان ثقافة سياسية توالدت في أحشاء الحرب الأهلية مفادها أن التوازنات السياسية في لبنان هي صناعة إقليمية ولا يستقرّ في هذا البلد مستقرّ إلا إذا كفّت الدول الإقليمية عن التدخّل في شؤونه الداخلية أو توافقت وتقاطعت على هدنة لا تلبث أن تنفجر.

هذه الثقافة السياسية التي تحظى بشبه إجماع لبناني، يعززها طموح الغالبية العظمى للاستقرار والإطمئنان إلى مستقبل أفضل، لم تكن على هذا النحو قبل مآسي الحرب الأهلية والأزمات المستعصية التي نتجت عنها دهراً، ولا تزال مستمرة بذيولها إلى اليوم بأشكال لا تحصى من الاحتراب على حافة الهاوية كما يعبّر اللبنانيون عن أزمات الانقسامات الطائفية والسياسية وانهيار الدولة.

إن ما كان بيّناً ومتفقاً عليه على وجه العموم قبل السنوات الطويلة العجاف في لبنان والمنطقة، هو أن لبنان جزء من الجغرافيا السياسية لدول المنطقة الوليدة إثر الحرب العالمية الثانية. وهي بمجملها موضع تطلعات للاستقلال السياسي والتحرر الوطني في المنظومة الدولية. ولم يكن طاغياً في لبنان وغيره من دول المنطقة النظر من الأحشاء الداخلية إلى الجوار بصفته الخارج، بل كان الخارج هو إسرائيل ودول ما وراء البحار وكل ما عداه في المنطقة هو الداخل، على الرغم من الانقسامات البينية الحادة أحياناً كثيرة بين دول الإقليم وبين فئات وتيارات في كل بلد.

يبدو أن انتخاب الرئيس ميشال عون في لبنان، يدلّ على أن القاعدة الأساس التي تحكم لبنان ودول المنطقة لا تزال في التناقض بين الداخل على المستوى الاقليمي وبين الخارج البعيد في العواصم الغربية. فانتخاب مرشح المقاومة الأول هو حصيلة عدم قدرة واشنطن ولندن وباريس على فرض خياراتها السياسية التي تفرضها غالباً بحروب إسرائيلية. وربما الاستنتاج الرائج بأن هذه الدول منهمكة بإشكالات أكثر تعقيداً في المنطقة، قد يكون استنتاج يشوبه إغفال المحاولات المتكررة لفرض خياراتها في لبنان كما تسعى في دول المنطقة الأخرى.

في حقيقة الأمر فشلت الدول الخارجية الغازية للمنطقة من القضاء على المقاومة بصفتها وريثة حركة التحرر العربية، طيلة دعمها لحروب العدوان الإسرائيلي. ولم تنجح في عدوان 2006 من تدجين المقاومة في سياق المساومات السلمية التي أطاحت بمشاريع حركات الاستقلال السياسي العربية. بل على العكس من ذلك تعززت قدرات المقاومة في ردع العدوان الخارجي وفي منع انفجار الحرب الأهلية التي يعتمد عليها الخارج للتدخل المباشر وبالوكالة كما يجري في معظم دول المنطقة، عبر التقاطع مع الجماعات الارهابية لحرق الأخضر واليابس.

في هذا الإطار الأوسع تضعف إمكانية الدول الإقليمية المناوئة للمقاومة على تغيير المعادلات. فهي تجمح تحت جناح الزحف الخارجي البعيد ويتعزز دورها على وقع نيران الحرب. وربما يؤكد نجاح انتخاب عون حليف المقاومة الأول، أن مقاومة العدوان الخارجي ومواجهة الحرب  يقطعان الطريق على مساعي قوى إقليمية بوقد النيران. وقد يكون حرص المقاومة على تخفيف حدة الانقسامات البينية في تغليبه مواجهة الأسس الأساس، قد ساهم إلى حدّ بعيد في تقاطعات سياسية على ميشال عون رئيساً للجمهورية مع احتفاظ كل من التيارات المتباينة بمراهنات قد تصيب أو تخيب.

معجزة القفز فوق الحاجز الأول، قد تكون أبعد ما يكون عن التفاؤل بيسر القفز فوق الحواجز الأخرى المعقدة والمتشابكة في إعادة تركيب السلطة والطموح لإعادة بناء الدولة. لكن عون في الرئاسة يتناغم مع المقاومة في تخفيف حدّة الانقسامات البينية والإقليمية، وفي دعم الجيش وتسليحه من دون محرمات على روسيا أو إيران، وفي حماية ظهر المقاومة ومواجهة الارهاب. فالحرارة في لبنان تشير دوماً إلى مناخ المنطقة.