استراتيجية ترامب في أفغانستان: الـ"بزنس" مجدداً يقود أميركا

خالف الرئيس الأميركي دونالد ترامب "حدسه" الذي كان يدفعه باتجاه الإنسحاب من أفغانستان.

انتقد ترامب طوال أشهر حملته الإنتخابية سياسة سلفه السابقة في أفغانستان
انتقد ترامب، طوال أشهر حملته الإنتخابية، سياسة سلفه السابقة في هذا البلد، مصوّبًا بشأن كلفة الحرب هناك. ولكنه حين صار صاحب القرار رضخ لتعقيدات الملف الأفغاني، مبررًا ذلك بمساعي مستشاريه في الأمن القومي في إقناعه بضرورة تعزيز القدرة العسكرية الأميركية لمنع حركة طالبان من الإطاحة بحكومة كابول.

لم تأتِ الإستراتيجية الجديدة بحلٍ غير متوقع، بل يمكن القول أنها دفعت بالقوات الأميركية إلى الخوض أكثر في الوحل الأفغاني مع تركيزها على زيادة عديد القوات وتوسيع سلطة الجيش في استهداف مسلحي طالبان، من دون تحديد سقف زمني لزيادة القوات او فترة مهامها، علمًا أنّ ما يزيد على ثمانية ألاف جندي اميركي ينتشرون حاليًا في أفغانستان تحت مسميات مختلفة بالإضافة إلى أربعة الاف جندي متعددي الجنسية تابعين لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبهذا تتخطى استراتيجية ترامب بشكل كامل الإستراتيجية الأميركية السابقة التي وضع أسسها القائد السابق دايفيد بترايوس بالإعتماد على نظريته في "مكافحة التمرد" بأدوات تتجاوز البُعد العسكري، وتستهدف إشراك البيئة المحلية للـ"التمرد" في مواجهته.

غير أنّ ترامب وضع لمسة "البزنس" الخاصة به على الاستراتيجية الجديدة بالإعلان عن الرغبة في تدخل باكستان والهند لنشر الأمن و"مساعدة الحكومة الأفغانية".

وتخضع العلاقة الأميركية مع باكستان تحديدًا لحالة من التذبذب على خلفية اتهام واشنطن لإسلام آباد بإيواء "ارهابيين".

ولئن كان الخوض في سياسة ترامب إزاء باكستان والهند يحتاج إلى مراجعة تاريخية بشكل مستقل، فإن العامل الأهم في تحليل المصالح الأميركية في أفغانستان يكمن في محاولة فهم أسباب الإهتمام بهذا البلد.

مجلة "فورين بوليسي" كانت قد نشرت تقريرًا نهاية الأسبوع الفائت أعادت التذكير فيه بإهتمام ترامب بالثروات الطبيعية في أفغانستان، متحدثة عن معادن تقدّر قيمتها بمئات مليارات الدولارات وعن اجتماعات متفرقة عقدها ترامب منذ أشهر مع شركات تنقيب. و قد يفسر حجم هذه الثروات تَعمُدّ ترامب أن يُبقيَ المدى الزمني لانتشار القوات الأميركية في أفغانستان مفتوحًا؛ إذ أن الإستثمار في هذه الثروات يتطلب عشرات السنوات مع تأمين حماية للشركات المنقبة.

وكانت إدارة الرئيس السابق أوباما، في العام 2010، أول من تحدثت عن ثروات معدنية غير مستثمرة في أفغانستان، وقدّرت قيمتها آنذاك بتريليون دولار. و أكد حامد كرزاي يومها هذا الرقم معتبرًا أن بلاده ستنتقل إلى مصّاف الدول الغنية في حال تمّ استثمار هذه الثروة التي تشمل الذهب والحديد والنحاس وأحجار كريمة فضلًا عن حقول النفط والغاز.

و تُعدّ الشركات الصينية والهندية من ابرز المستثمرين في هذه الثروات، ما يفسّر موقف واشنطن واعتبار الاستراتيجية الأفغانية جزءًا لا يتجزأ من المصالح في جنوب آسيا قاطبةً.

أمام هذا الواقع، يتراجع التخطيط العسكري ليصبّ في خدمة المصالح الإقتصادية. ومع أنّ القائد الأميركي لقوات الناتو في أفغانستان جون نيكولسون قد قدم بوضوح، خلال جلسة استماع أمام الكونغرس في شباط فبراير الماضي، صورة قاتمة للوضع متحدثًا عن تراجع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية بنسبة 15 في المئة مقارنةً بالعام 2016، ومع أنّ  نيكولسون أعلن بصراحة أنّ الولايات المتحدة وحلفائها يواجهون "أفقًا مسدودًأ" في أفغانستان؛ فإنّ استراتيجية  ترامب قفزت فوق كل هذه المعطيات لتتعامل مع الملف بسياسة كسب الوقت، متفاديةً اتخاذ قرارات جوهرية تحمل المخاطرة