ما هي أبعاد الدعوة "لتحرير ثانٍ"؟
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يدعو إلى الاحتفال بتحرير ثانٍ فور اندحار "داعش"، للدلالة على تشابه مواجهة الاحتلال الإسرائيلي و"الجماعات التكفيرية"، لكن هذه الدعوة ربما تكون في إطار سياسة استباقية لردع الإدارة الأميركية التي ترتجي العودة للتحريض على وجود المقاومة وسلاحها مع انتهاء عملية "فجر الجرود".
وبطرفة عين تهاوى إلى حدّ كبير ركامٌ من التحريض ضد المقاومة في اتهامها بأنها رأس حربة مشروع إيراني في المنطقة يستهدف العرب والطوائف غير الشيعية، ودلّ التعاطف الواسع مع المقاومة على أن هذا الركام يمكن له أن يذهب سدى. في معركة "إن عدتم عدنا" سعت الإدارة الأميركية التي تصنّف حزب الله على لائحة الإرهاب، أن تسحب البساط الشعبي من تحت المقاومة في محاولة إثارة انشقاق عن الجيش اللبناني وإعادة الانقسام السياسي الحاد إلى ما كان عليه قبل سنوات، لكن المقاومة هي التي سحبت البساط من تحت هذه المساعي، في إعادة بلورة المعادلة الذهبية (الجيش والمقاومة والشعب) إنما هذه المرة في تقسيم العمل بينها من الجانب السوري وبين الجيش اللبناني من الجانب اللبناني. وذلك وفق جغرافية المعركة ضد "داعش" حيث تفرض هذه الجغرافيا تكاملاً واتفاقاً مع الدولة السورية والجيش السوري في ميدان المعركة. المقاومة التي خطّت لنفسها استراتيجية للقضاء على "داعش" والنصرة بناء على تجربة قتالية طويلة باتت مدرسة في العلم العسكري، عملت جاهدة على توسيع دائرة المعركة خلف الحدود وتعدد الجبهات. وفي هذا السياق ربما ترى المقاومة أن دخول الجيش اللبناني على خط المعركة من الجانب اللبناني يصب في طاحونة استراتيجيته ويعزز من فرص القضاء على الإرهاب. فهو في هذه الاستراتيجية الثاقبة لا يسعى إلى "حق الملكية الفكرية"، بل يأمل تعميمها وإشاعتها ملكية عامة سبيلاً لحفظ ما أمكن من الأرواح والعمران في البلدان والمجتمعات المهدّدة بالإرهاب. لكن وبعد لأْيٍ تأخذ الدول التي تتحدث عن مكافحة الإرهاب، بإجراءات مغايرة تقتضي في أحسن الأحوال بأن تقوم كل دولة بإجراءات أمنية خلف حدودها ما يشير إلى عدم جديتها وإلى أن عمر الإرهاب المتنقل لا يزال طويلاً.
الدولة اللبنانية هي بين الدول التي تتبنى مقولة الاكتفاء بإجراءات أمنية خلف الحدود، لكنها تستند عملياً ومن دون أي اعتراف رسمي إلى إنجازات المقاومة خلف الحدود التي تحصّن الحدود. ولعلّ السيد حسن نصر الله يتناول مسألة الحدود بجانبيها للإشارة إلى أن معركة الجيش اللبناني على الجانب اللبناني وحده هي جزء من الإنجازات التي حققها لبنان في تحرير أراضيه من النصرة و"داعش". فالإنجازات الفعلية تتجاوز معركة "فجر الجرود"، بأن أصبحت الحدود اللبنانية الشرقية من شمالها إلى جنوبها محررة ومحمية من جانبي الحدود، والأهم من ذلك أن هذه الإنجازات في لبنان هي الوحيدة الحاسمة في استقرارها بالمقارنة مع باقي خطوط الحدود الأخرى في سوريا والعراق.
في إطار تبنّي الدولة اللبنانية مقولة الحماية على خط الحدود تأمل الإدارة الأميركية التي هدّدت وسائل الإعلام اللبنانية بإدراجها على لوائح دعم الإرهاب، بالاستدارة إلى التحريض على حزب الله. فهي تحاول إشاعة قراءة المعركة ضد "داعش" بما يشير إلى أن الجيش اللبناني كفيل وحده بحماية الحدود اللبنانية من جميع الأخطار، وأن قوات حفظ السلام الدولية يمكن أن تتولى مساعدة الجيش على خط الحدود. فهي تأمل إزالة ما يقض مضجعها من تعاطف شعبي واسع مع المقاومة، في العودة إلى التحريض الطائفي المموّه بأقاويل "احتكار الدولة لقرار الحرب والسلم". لكن التحوّل نحو تأييد حزب الله لا يعود إلى معركة جرود عرسال وحدها، بل هو في مسار تحوّل أوسع إقليمي وميداني يعبّر عنه حزب الله في الانتصار على الإرهاب كما انتصر الجيش والمقاومة والشعب على إسرائيل.