اتفاق وقف العدائية التركية

تعوّل تركيا من خلال الضغط على جماعاتها المسلّحة في سوريا، على مكسب مأمول نتيجة تسهيل حل سياسي تقرره موسكو وسوريا وطهران بالتشاور والتنسيق. وقد يكون مكسبها في المدى المنظور أن موسكو قدّمت لأنقرة ما لم تستطع واشنطن أن تحمله على محمل الجد في فصل النصرة عن الجماعات المعارضة الأخرى.

أردوغان يتعمّد إخفاء التراجع التركي عن المراهنات السابقة بإسقاط النظام أو فرض منطقة آمنة
الوثائق التي وقعت عليها سبع مجموعات مسلّحة مع موسكو، تتضمّن وقف إطلاق النار بين هذه المجموعات السبع وتركيا من جهة، والجيش السوري وحلفائه من جهة أخرى.
وهذه الوثيقة تتضمّن عرفاً وعملياً استمرار مواجهة "داعش" والنصرة والمجموعات الكثيرة الأخرى التي رفضت التوقيع على الوثائق الثلاث، كما تتضمّن أيضاً مواجهة تيارات ضمن المجموعات السبع تعترض أو تتردد بوقف إطلاق النار. ولا يترك توقيع الوثيقة أمام تركيا والمجموعات السبع، متسّعاً للتأويل أو التملّص من المشاركة في مواجهة "داعش" والنصرة، فقد حدّدت موسكو في مباحثات أنقرة مع الفصائل ما كانت تدعو إليه دوماً في فصلها عن النصرة. واشترطت أن تشترك هذه الفصائل في كشف مواقع النصرة وأن تساعد الجيش السوري وحلفائه في معارك الغوطة وإدلب ودير الزور وغيرها. التصريحات الرسمية التركية تتحاشى ذكر مواجهة النصرة باسمها، بل تتناول ما تسميه "الإرهاب" الذي يشمل وحدات حماية الشعب، ويتسع أحياناً ليشمل حزب الله وما سماها رئيس الوزراء التركي "الميليشيات الشيعية". لكن مجموعات أنقرة أفصحت في مباحثات أنقرة مع موسكو عن رفضها مواجهة النصرة قبل انسحاب ما وصفته بالميليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري، لأن مواجهتها للنصرة تتسبب بحرب أهلية بين الفصائل نفسها وهو ما كانت تركيا تتذرّع به في دعم المجموعات المسلّحة. ورفضت كذلك المساعدة في الكشف عن مواقع النصرة أو حتى فصل نفسها عن النصرة في الغوطة وإدلب، بل طالبت بحمايتها فيما سمته وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية، باستثناء مواجهة "داعش" إذا استدعى الأمر. وفي هذا الخضم فإن توقيع الوثائق يُلزم المجموعات السبع بنقل بندقيتها من مواجهة الجيش السوري وحلفائه إلى مواجهة المجموعات الإرهابية في المعارك التي يقررها الجيش السوري وحلفائه. ويُلزم تركيا أيضاً "الضامنة لوقف النار" أن تعمل على تغيير نارها من مواجهة الجيش السوري إلى مواجهة حلفاء الأمس. الوثيقة الثانية تتعلق بأعمال المراقبة التي قد تشمل الأمم المتحدة، كما أعرب ستافان دي ميستورا، وربما تشمل دولاً أخرى ولا سيما مصر. لكن الوثيقة الثالثة المتعلّقة بمحادثات السلام في كازاخستان مرتبطة ارتباطاً عضوياً بوثيقة وقف إطلاق النار؛ إذ أن وقف النار ضد الجيش السوري وحلفائه هو في الوقت نفسه فتح للنار ضد "داعش" والنصرة، وتمهيد لحل سياسي أساسه الدولة السورية التي تتفاوض برعاية دولية وإقليمية مع جماعات يقفون في معركتها لدحر الإرهاب. لكن المجموعات السبع التي وقعت على الوثائق الثلاث تتخيّل، تحت أعباء هزيمة حلب التي أدّت إلى فقدانها التوازن، أن موسكو تبحث عن حل يضمن مصالحها الافتراضية مع تركيا وجماعاتها في سوريا وإدارة ظهر المجنّ إلى الرئيس السوري بشار الأسد وإيران وحزب الله. فهي تعتقد، بحسب تصريحات إعلامية محابية، أنها ذاهبة إلى أستانة لبحث تغيير إسقاط النظام بالمفاوضات. ولا سيما أن الرئيس التركي يشجعها على هذه الأوهام في تشديده على رفض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، كلما تحدث عن الحل السياسي. أو أنه يتعمّد إخفاء التراجع التركي عن المراهنات التركية في الهروب للأمام بتكرار لازمة المنطقة الآمنة ومرجعية جنيف كلما جرت الإشارة إلى التفاهم الروسي ــ التركي. موسكو لم تتناول من قريب أو بعيد مرجعية جنيف في أستانة، على الرغم من تفسيرها الخاص لهذه المرجعية التي يتناقض مع تفسير تركيا وتحالف واشنطن. بل إن وزير الخارجية الروسية الذي يعد بنقل وثائق كازاخستان إلى الأمم المتحدة، يشير بذلك إلى مرجعية تعبّر عن موازيين القوى الجديدة التي حسمت على أرض حلب استمرارية الدولة السورية. بل تعبّر عن هزيمة مراهنات تركيا في سوريا وعن هزيمة مراهنات دول تحالف واشنطن التي يستعد دونالد ترامب للإطاحة بها. وفي أغلب الظن أن تركيا تعوّل في الضغط على جماعاتها المسلّحة، على مكسب مأمول نتيجة تسهيل حل سياسي تقرره موسكو وسوريا وطهران بالتشاور والتنسيق. وقد يكون مكسبها في المدى المنظور أن موسكو قدّمت لأنقرة ما لم تستطع واشنطن أن تحمله على محمل الجد في فصل النصرة عن الجماعات الأخرى. لكن مقابل هذا المكسب المعنوي الذي يعزّ على أنقرة بين تعدد مآزقها، على أنقرة أن توقف عدائيتها في سوريا ليس فقط وقف دعم الجماعات المسلّحة بل مساعدة الدولة السورية والنظام على دحر الإرهاب.