لماذا يسعى ماكرون للتدخل الدولي "الإنساني" في لبنان؟

بذريعة "إنقاذ لبنان"، تنكبّ فرنسا وأميركا والسعودية على التدخّل الدولي في مشروع "الإغاثة"، بهدف تغيير السلطة، لكنَّها تأمل السّيطرة على ثروات لبنان لإضعاف المقاومة وتحسين مواقع الاشتباك شرقي المتوسط مع روسيا والصين.

  • أحلام الرئيس الفرنسي الوردية تنقلب إلى أضغاث أحلام داخل فرنسا، وفي مالي وشرق المتوسّط
    أحلام الرئيس الفرنسي الوردية تنقلب إلى أضغاث أحلام داخل فرنسا، وفي مالي وشرق المتوسّط

على قدم وساق، تحضّر فرنسا وأميركا والسعودية مع الاتحاد الأوروبي والشركاء مؤتمراً للحلفاء والشركاء تحت رعاية الأمم المتحدة، لكن العرّاب هو البنك الدولي، كي لا تدفع "الدول المانحة" فلساً لا تسجّله ديْناً على لبنان مع خدمة الديون.

في سياق تنسيق وزيري الخارجية الفرنسي والأميركي في باريس يوم 25 حزيران/ يونيو، ضمَّ الجمع إيطاليا والسعودية على هامش وزراء مجموعة العشرين، وذهبت سفيرتا فرنسا وأميركا في لبنان إلى الرياض، وتحرّك الاتحاد الأوروبي إلى جانب تحركات "أصدقاء لبنان" في أميركا وأوروبا وتحرّكات رجال الدين في الفاتيكان... "نحو مؤتمر دولي" للحلفاء والشركاء بهدف الاستيلاء على السلطة.

من ضمن هذه التحرّكات لقاء "الفعاليات الاقتصادية" برئاسة سمير جعجع مع السفير السعودي وليد البخاري، على طريق تقبيل الأيادي السعودية ونظم القصائد، لتعطفها بإكرامية "الإنقاذ" السابق واللاحق.

خريطة الطريق

على لسان ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لودريان، الأب الروحي لغويندال رويار منذ عشرين سنة، أعلن الأخير في مؤتمر صحافي باريسي نتائج عمله وزميلته في حزب ماكرون سوزان دوما والسفيرة في بيروت آن غريو "وصايا لجنة الدفاع والخارجية في البرلمان ومجلس الشيوخ":

1 ــ تأليف "قوّة عمل دولية" (تاسك فورس) في بيروت برعاية الأمم المتحدة والبنك الدولي، لتكون أداة ضاربة لأميركا وفرنسا وأوروبا و"الحلفاء والشركاء" في لبنان والمنطقة.

2 ــ العمل على تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية في الشرق الأوسط، بحسب تعبيره، ولا سيَّما في مجال الأمن والدفاع، بتدعيم التعاون الأمني والعسكري مع الشركاء في المنطقة. وقد خصّ منهم ما سماه المحور الثلاثي المصري- الأردني- العراقي، إلى جانب الإمارات والسعودية والأصدقاء في لبنان.

3 ــ توسيع عملية "الشمال" الفرنسية، "تلبيةً لطلب الحكومة العراقية" في إطار "التحالف الدولي" في العام 2014، والمنبثقَة عن عملية "روزفلت" الأميركية في العراق وسوريا "لمكافحة الجهاديين وداعش".

4 ــ بناء "لبنان الجديد" على أنقاض موت لبنان، بإنشاء سلطة جديدة من قوى سياسية ترى انهيار الدولة نتيجةً لسيطرة المقاومة (الميليشيات، وفق قوله) جزئياً على الدولة، كما هو واقع الحال في العراق.

5 ــ مساعدة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية للقيام بدورها الداخلي الَّذي سماه "الدفاع عن سيادة لبنان ووحدة أراضيه"، على اعتبار أنَّ السيادة الخارجية التي يخرقها العدوان الاسرائيلي المتكرّر ضد لبنان يمكن حمايتها "بمفاوضات السلام".

6 ــ  إنشاء وكالة دولية من المنظمات غير الحكومية الأميركية والأوروبية للإشراف على تنظيم وتنسيق آليات عمل المنظمات غير الحكومية المحلية (550 جمعية سياسية، وحوالى 50 منظمة مالية دولية عاملة مع الشركات الأجنبية في المال والأعمال والاستثمار الأجنبي).

7 ــ إيكال توزيع المحروقات والدواء والغذاء لهذه المنظمات وبعض القوى السياسية الصديقة، لرشوة الناخبين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية العام 2022، وانتخاب زعامات طائفية جديدة (نواف سلام، فادي أفرام...) وأغلبية برلمانية صديقة، لإحياء نظام المحاصصة الطائفية والمغامرة بحرب أهلية تحت وصاية فرنسا والدول الغربية.

نحو شرعنَة النهب وقونَنة الاستيلاء على الدولة

الطبقة السياسية "المافيوية" التي بزّت عصابات الإجرام الاقتصادي في النهب والفساد، شاركت فرنسا والسعودية والبنك الدولي و"الدول المانحة" بتسليح نظامها السياسي ورعايته في اتفاق "الطائف" العام 1989 ومؤتمري باريس- 1 وباريس- 2، للاستيلاء على مؤسسات الدولة والإدارات والثروات العامة وأموال الديون والودائع... وتحويلها إلى ملكية خاصة وتقسيمها محاصصة زبائنية في ما بينها.

هذا النظام السياسي الناظم للنهب والفساد المعمّم، اتخذته أميركا "ماركة" عالمية غير مسجّلة لترويجه في العراق وسوريا واليمن... لإلغاء دور الدولة في مقولة المكوّنات العرقية والمذهبية التي تمثّلها "كيانات" سياسية ترعى شؤونها الخاصة، مستقلة عن الدولة (أقلمة، فيدرالية) أو كونفدرالية داخل الدولة كحالة النظام السياسي اللبناني وليبيا على الطريق.

التدخّل الدولي "الإنساني" يطمح إلى معالجة نتوءات نتائج النظام الذئبية وإعادة إحياء الأسباب نفسها، عبر ضخّ دم جديد أكثر طواعية تحت الوصاية الدولية، لتنفيذ وصايا المصالح السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، كما يقول رويار، لكنَّه يطمح، مدخلاً للمصالح السياسية في المنطقة، ولا سيما شرق المتوسط، إلى الاستيلاء على سياسات لبنان الداخلية والخارجية، واستيلاء فرنسا بوجه خاص على الثروات العامة السائبة (المرفأ، الكهرباء، المياه، البنك المركزي والمالية العامة، مشاريع النفط والغاز...)، يعينها في ذلك خبراء الاقتصاد والمستشارون العاملون في المؤسَّسات الدولية والشركات الأجنبية، الذين تحكّموا في كل الحكومات والوزارات في لبنان.

أضغاث أحلام

أحلام الرئيس الفرنسي الوردية تنقلب إلى أضغاث أحلام داخل فرنسا، وفي مالي وشرق المتوسّط، لأنه يتخيّل شخصية نابليون بونابرت من دون قدرة حقيقية على تحقيق المشاريع الماكرونية بغير الضجيج الإعلامي الذي تسخّره فرنسا للتضليل وترويج الأوهام السحرية.

التصويب على الهدف السهل في فساد الطبقة السياسية، لا يفتح الطريق أمام توزيع جلد الدب على "الشركاء والحلفاء" قبل اصطياده، فالطريق مفتوحة على وسعها أمام خيارات أخرى أكثر صدقية وجدّية من شرعنَة النهب وقونَنة منظومة الفساد.

روسيا المتضرّرة من الزحف الغربي في شرق المتوسط، تبدأ خريطة طريق أخرى في "المنطقة الاقتصادية الشمالية" مدخلاً لتعاون من دولة لدولة في المشاريع التي يضعها ماكرون والغرب نصب أعينهما، وهي مستعدة مع الصين وإيران للاشتباك ضد الزحف وغزو المنطقة.

المقاومة التي حمت لبنان من العدوان الخارجي على الحدود مستعدة لحمايته من العدوان الخارجي داخل الحدود، والمسار الثاني الذي يتكامل مع مسار المقاومة هو مسار المقاومة الشعبية بديلاً من مسار النظام السياسي الفاسد وفساد المنظمات غير الحكومية والتيارات السياسية الصديقة للوصاية ووصايا البنك الدولي.