لماذا تدعم الدول الغربيَّة "داعش" في غربي أفريقيا؟

تقصير الشركات الأمنية الغربية في تدمير المجتمعات لتأمين استمرار النهب، لم تعوّضه تنظيمات "القاعدة" في غربي أفريقيا، لكنَّ المراهنة على "داعش" طموح غربي لتحقيق ما دأب عليه.

  • الأجهزة السّعودية والغربية أنشأت تنظيمات
    الأجهزة السّعودية والغربية أنشأت تنظيمات "القاعدة" ودعمتها بعشرات المجموعات الوهابية في غربي أفريقيا.

لم تطمئنّ الدول الغربية إلى حفظ بقاء الاستعمار في أفريقيا، عبر تخريب دولها والضّغط على خناقها لقطع أنفاسها، ولم تعدم وسيلة من الإرث الاستعماري، بهدف استمرار السيطرة ونهب 30% من احتياط النفط والغاز والمعادن العالميّة والموارد الطبيعية لتصنيع الغذاء، فكان التدخل العسكري للقضاء على حركات التحرّر الوطنيّ واغتيال القادة أوّل الطريق.

أغرقت الدولُ الغربيّة أفريقيا بالفساد الَّذي ضخّته "ألف" الفرنسية و"شلّ" البريطانية ومناجم الذهب والتعدين... ما أدّى إلى حرب دؤوبة على السلطة في انقلابات عسكرية متلاحقة تنظّمها أجهزة الاستخبارات وتدعمها. لقد أطفأت عيني أفريقيا برماد "الإصلاحات الهيكلية" والديون، ثمَّ في "تشجيع الاستثمار الأجنبي" (60 مليار دولار لألفي شركة متعدّدة الجنسية)، حتى خرّبت عمودها الفقري بوصفات "الانتقال إلى الديمقراطية الناشئة".

لم تعتمد الدّول الغربية على دول أفريقيا لتأمين نهب الثروات وحماية أعمال شركاتها وخطوط الإمداد، فأوكلت الحماية إلى "شركات أمنية عالمية" أصبحت بدورها شركات للأعمال و"صناعة السلام والاستقرار"، أهمها شركة "دونكورب" الأميركية (200 مليار دولار)، ومن بينها أيضاً شركة "نيتيل إنترناشيونال سيكوروتي" الإسرائيلية.

"القاعدة شركة أمنيّة" بمهام خاصّة

لم يحل تخريب الدول في رأس الهرم من غضب وتمرّد الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار على أرض المجتمعات السفلى، فتولّت تنظيمات "القاعدة" تدمير المجتمعات، في وقت كانت تعمل يداً بيد مع السعودية وأميركا في أفغانستان.

الأجهزة السّعودية والغربية أنشأت تنظيمات "القاعدة" ودعمتها بعشرات المجموعات الوهابية في غربي أفريقيا، وبقيت منها جماعة "أنصار الدين"، والمرابطون، وجماعة "إمارة الصحراء" التابعة لتنظيم "القاعدة" المغاربي، وجبهة "تحرير ماسينا"، وجماعة "نصرة الإسلام" التي وحّدها الظواهري في العام 2017 في الساحل والصحراء.

من مالي بوابة غربي أفريقيا، تتمدّد جماعات "القاعدة" إلى نيجيريا التي أسّس فيها محمد يوسف في العام 2009 أكبر تنظيم لـ"أهل السنّة للدّعوة والجهاد"، أسماه "بوكو حرام"، للعمل على تفتيت أغنى دولة أفريقيّة وتدميرها، حتى باتت أيدي سبأ.

حافظ "بوكو حرام" الَّذي تولّى زعامته أبو بكر شوكا (شوكي) بعد مقتل محمد يوسف على سيرة تنظيمات "القاعدة" في التمدّد على الحدود المشتركة بين الدول، بهدف تحصيل الإتاوة من خطوط إمداد منشآت الشركات الأجنبية وحماية نهب المواد الأولية وخطوط الإمداد، لكن شوكا خرج على التقليد الذي يزعزع الثقة بين تنظيمات "القاعدة" والأجهزة الغربية في:

1 ــ اعتماده على وكلاء "غير منظّمين" من عصابات التهريب والإجرام وخطف الفتيات والطلاب، والتي تبيعه خدماتها مقابل الأتعاب، لكي يبيعها بدوره بأسعار أعلى للحكومات وقوات "مكافحة الإرهاب".

2 ــ تهجير ملايين النازحين من الأرياف، بما يؤدّي إلى تدفّق عشرات الآلاف نحو الحدود الأوروبية واستفحال أزمة الهجرة غير القانونية.

لذا، تشقّق التنظيم 3 مرّات، وأدى إلى خروج مجموعات "القاعدة" "العقائدية" من غابات "سامبيسا"، كما أدّى من ناحية أخرى إلى انسحاب الجيش النيجيري من مداخل الأرياف في العام 2019، لتمهيد الطريق أمام تغلغل "داعش".

"داعش" هو الحلّ المُرتجى

لم يغب "داعش" عن منظور الأجهزة الغربية لاستخدامه في أفريقيا، كما استخدمته في العراق وسوريا ولبنان، فهو حاجة ضرورية لمنافسة تنظيمات "القاعدة" ومشاركتها في تدمير مجتمعات لا تخمد غضبها أحابيل الدول الغربية، وهو الأقدر على تبرير الترويج لصناعة "مكافحة الإرهاب".

وفي هذا السياق، "اختفى" ما بين 5 و6 آلاف مقاتل داعشي من البوكمال (بحسب أقل التقديرات)، لتظهر بصماتهم في تضخّم العمليات بين سرت الليبية ومنطقة بحيرة تشاد ("الإندبندت" البريطانية في العام 2018).

من الساحل والصحراء، يتمدّد "داعش" باتجاه غربي أفريقيا، قاصداً التوغّل إلى موزمبيق على المحيط الهندي مع تنزانيا وجنوب أفريقيا، حيث يكون أداة في مواجهة عودة روسيا، فضلاً عن المصالح الصينية.

لكنَّ الدول الغربية تركن إلى المراهنة على "داعش" في غربي أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بعد خروج قوات فرنسا والدول الغربية من المنطقة، من أجل استكمال تخريب الدول وتدمير المجتمعات في الصراع مع تنظيمات "القاعدة" على تخدير الجوعى الأفارقة بأوهام الأساطير الوهابية (80 مليوناً من أصل 200 مليون في نيجيريا تحت خط الفقر) في المناطق الحدودية بين بلدان مالي ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو والكاميرون وساحل العاج.... تتواجه البربرية في مهد الإنسانية الذي حوّلته الدول الغربية إلى مرعى وحوش الغابة.

قد تكون المواجهة على أشدّها في الأشهر المقبلة، كما يتوقّع الخبير المرموق كولين كلارك في موقع "ديفانس أون"، وربما يشير إليها ابن مؤسس "بوكو حرام" محمد يوسف (أبو مصعب البرناوي) في قتل أبو بكر شيكاو، فقوات "مكافحة الإرهاب" في المنطقة تنسحب لتنام على أسرّتها قريرة البال والعين.