لماذا يُمانع بايدن وقف العدوان؟
الرئيس الأميركي الذي يُعطّل دعوة مجلس الأمن لوقف النار، يسعى إلى إنكار التحوّل التاريخي - الاستراتيجي للمقاومة، ويستهدف إنقاذ "إسرائيل" من موت "أوسلو" ومراوغة "حلّ الدولتين".
بعد أن استفاق "مجلس الأمن" والأمم المتحدة من هول المجازر في الأيام الأولى للعدوان على غزة، أبدت الإدارة الأميركية وجهتها لما تسميه "خفض التصعيد والتهدئة الدائمة". والهدف من ذلك تخطّي تدخّل "مجلس الأمن" لمصلحة عمل أميركا مع حلفائها، ومنع التداول في مفهوم وقف إطلاق النار الذي يستلزم الاعتراف بانتصار المقاومة في تغيير قواعد الاشتباك ومعادلات الميدان.
في هذا الأمر، يختلف بايدن عن سياسة أوباما الذي كان يعمل مع "المجتمع الدولي" لحماية "إسرائيل"، بتأثير اللوبيات الصهيونية والمصالح الأميركية والأوروبية، التي تتجاوز اللوبيات اليهودية إلى منظومة أجهزة الدول والمؤسسات، كما أورد خفَراً في كتابه "الأرض الموعودة".
بايدن الصهيوني المعتقَد الذي يأخذ على عاتقه حماية وجود "دولة إسرائيل"، بناء على ما يُسمى "القيَم الديمقراطية الأميركية" التي تحتضن "الصهيونية الديمقراطية"، أبعد من أداء "إسرائيل" والمقاربات التي تعطّل التنويم المغناطيسي في عملية ترويج "القيَم".
هذا هو مفاد الحوار غير المألوف بين سفير "إسرائيل" في واشنطن مئير روزبن في العام 1986 وبايدن، حين أعرب عن احتمال ترشّحه للرئاسة في العام 1988. وبناء عليه، لم تضم قائمات السفارة الإسرائيلية اسم بايدن بين الأسماء الصديقة لـ"إسرائيل" أو المعادية لها.
أمام العدوان الإسرائيلي على غزة، يبدو أن بايدن يستحضر إرثه الصهيوني بأن يأخذ على عاتقه في الرئاسة حماية وجود "إسرائيل" التي خلخلت "صفقة القرن" "دولتها الصهيونية الديمقراطية" على ما نشأ عليه استعمار فلسطين في "المجتمع الدولي".
يرى بايدن أن تحلّل الدولة في إظهار وجهها الفاشي عارياً كشف الغطاء عن استيطان الاستعمار في فلسطين وتشريد شعبها والاستيلاء على تاريخها ومقدساتها... فأبطل فعالية أسلحة التضليل الدولي - الإسرائيلي في الحديث عن "قيَم" التسامح ونبذ العنف والتعايش السلمي والمفاوضات... وصولاً إلى قيمة القيَم الإمبريالية الأميركية في بدعة "مكافحة الإرهاب".
وفي هذا السياق، تنغمس إدارة بايدن لإنهاء جولة المقاومة التي دفنت "أوسلو"، تحت شعار "وقف العنف والمساعدات الإنسانية" من دون اتفاق على وقف النار، تهرّباً من الاعتراف بقواعد الاشتباك والمعادلات الجديدة، حيث يكون "مجلس الأمن" شاهد زور.
الاتحاد الأوروبي يصب بدوره الماء في الطاحونة الأميركية، على الرغم من عبارة "وقف النار" المرفقَة "بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، بحسب جوزيب بوريل، فالحلف الأميركي - الأوروبي يمهّد الطريق أمام استكمال "إسرائيل" قتل المدنيين وتدمير المنشآت وترويع الشعب الفلسطيني بشكل متقطّع، بذريعة منع المقاومة من تعطيل "مساعي التهدئة الدائمة"، ما يؤكد أن عصب احتلال فلسطين هو في أميركا والدول الأوروبية من البداية إلى النهاية.
حلفاء أميركا في المنطقة يتكفّلون بالضغط على المقاومة لـ"التهدئة"، ويذرّون الرماد في العيون بالحديث عن المساعدات وحماية الأقصى والشيخ جرّاح.... لكنهم يعدّون عدّة حصان طروادة للانخراط في محاولة القضاء على إنجازات المقاومة البطولية، وإعادة تثبيت احتلال فلسطين وراء أميركا والدول الأوروبية في وهم إحياء عظام "الحل السياسي" وهي رميم.
المقاومة المنتصرة في كسر حاجز الردع الإسرائيلي بقوّة السلاح والصواريخ التي تهدّد تل أبيب والمطارات وحقل "تمارا".... أطاحت بمعادلات تكريس احتلال فلسطين، وحققت الديموقراطية المباشرة في اختيار الشعب وتكامل المقاومة المسلّحة والمقاومة الشعبية على كل الأرض الفلسطينية المحتلّة في النكبة والنكسة، ولا يخمدها المزيد من المجازر والتنكيل بالشعب الفلسطيني بل يزيد تأجيجها.
الانتصار التاريخي - الاستراتيجي الذي تحقّقه المقاومة يتجسّد على أرض الواقع في فلسطين، التي تقسم العالم إلى فسطاطين يتواجهان في ضفتين: ضفة المقاومة لإزالة الاحتلال وتحرير فلسطين التي يتطلّع إليها الشعب الفلسطيني والعربي وأحرار العالم. وفي مقابلها، الضفّة الأميركية والدول الغربية وحلفاؤها الذين يتطلّعون إلى تكريس احتلال فلسطين ودعمه بترويج "وقف العنف" أو ما يسمى "الحل السياسي".
انتصار المقاومة أعاد قضية احتلال فلسطين إلى قلب الصراع في المنطقة والعالم، من أجل التحرّر وتفكيك منظومة التوحّش الأميركي، وأكّد استراتيجية محور المقاومة في التصويب على رأس الحية الأميركية لقطع ذنَبها.