نتنياهو يفشل في تأليف الحكومة.. ثلاثة سيناريوهات

بما أن الأزمة هي أزمة حكم، وهي بنيوية بطبيعتها وبأهداف كل طرف فيها، فكل من هذه السيناريوهات سينتج حلاً مؤقتاً.

  • أحد السيناريوهات حكومة برأسين، يكون الأوّل فيها نفتالي بينيت، والآخر بنيامين نتنياهو.
    أحد السيناريوهات حكومة برأسين، يكون الأوّل فيها نفتالي بينيت، والآخر بنيامين نتنياهو.

في مقالات سابقة، منذ بداية العام 2019 على الأقل، تحدثنا عن الأزمة المستمرة في "إسرائيل" بصفتها أزمة حُكم، وليست أزمة حكومية. هي أزمة بنيوية تحتاج إلى تخطي حواجز أساسية في الحياة السياسية الإسرائيلية أو تتجه "إسرائيل" أكثر نحو اليمينية والفاشية. هذه الفاشية لن تكون معادية للعرب فقط، بل سيدفع ثمنها اليهود أيضاً، بتراجع القيم الديمقراطية الحالية، وإن كانت ديمقراطية إثنية منقوصة بطبيعتها.

هناك 3 حواجز تعوّق تشكيل حكومة، و3 سيناريوهات للخروج من الأزمة مؤقتاً.

 

الحواجز الثلاثة 

تتمثّل الحواجز الثلاثة بما يلي: 

1- شرعية مشاركة النواب العرب في الحكم، سواء داخل الحكومة أو بدعمها من الخارج، وهي مسألة لا تلقى رفضاً من الأحزاب الصهيونية فقط، بل يرفقها النواب العرب أيضاً بشروط ليست سهلة، يتطلَّب قبولها تنازلات عن مبادئ عقائدية أو إيديولوجية صهيونية. لقد أثبتت تجربة "القائمة الموحدة" برئاسة منصور عباس أن اليمين المتطرف لن يقبل الاعتماد على حكومة مدعومة من العرب، مهما قدموا تنازلات، لأن ذلك "كفر"، وفق تعبير سموطرتيش ومن يدعمه من ربانيم، وهو ليس وحيداً بين قوى اليمين.

2- إمكانية التوافق بين الحريديم والعلمانيين الليبراليين في حكومة واحدة. والمقصود هنا توافق بين قائمتي "شاس" لليهود الشرقيين و"يهدوت هتوراة" لليهود الأشكناز الغربيين من جهة، و"يوجد مستقبل" برئاسة يئير لبيد و"ميرتس" برئاسة نيتسان هوروفتس و"إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان من جهة أخرى. خلال الأشهر الأخيرة، جرت محاولات جدية من ربانيم إصلاحيين لإيجاد قاسم مشترك بين الطرفين، لكنه بقي في إطار النظرية بعيداً من الواقع. 

3- شخص بنيامين نتنياهو، بما يحمله من سلوك شخصي مخادع وكاذب ومهووس بعظمته، وما يواجهه من لوائح اتهام خطيرة تشمل الفساد وخيانة الأمانة واستغلال المنصب للمصلحة الشخصية، ويتم تداولها في المحكمة، وهو يقوم بكل شيء، مستغلاً منصب رئيس الحكومة، من أجل النجاة بنفسه، فضلاً عما تشكله برامجه المستقبلية من خطورة على النظام الديمقراطي، وإن كان إثنياً منقوصاً، وعلى الدولة العميقة.

بقيت كلّ هذه الحواجز قائمة خلال السنتين الماضيتين، فمنعت إقامة حكومة أو أفشلت حكومة أقيمت لفترة قصيرة، وهي ما تزال تقف في طريق الخروج من الأزمة المتفاقمة التي أدت لغاية الآن إلى إجراء 4 جولات انتخابية من دون حلّ.

 

3 سيناريوهات للخروج المؤقت من الأزمة

1-   حكومة برأسين، يكون الأوّل فيها نفتالي بينيت، والآخر بنيامين نتنياهو. يشغل الأول المنصب لسنة واحدة، على أن يرأسه نتنياهو ما تبقى من المدة، لكن هل يريد الأخير فعلاً أن يرأس حكومة برأسين للفترة المتبقية؟ في الغالب، الجواب بالنفي، ولا سيما أن شروط إقامة هذه الحكومة تتضمن مشروعين مهمين؛ الأول هو إقرار قانون انتخاب مباشر لرئاسة الحكومة من دون حل الكنيست الحالي. وفي حال حصول نتنياهو على هذا القانون، فإنه لن يتردد في حل حكومة الرأسين والذهاب إلى انتخاب مباشر لرئاسة الحكومة.

أما المشروع الآخر، فهو انضمام حزب "يمينا" إلى "الليكود" في قائمة يمينية مشتركة. وفي حال حصلت انتخابات للكنيست، يكون لحزب "يمينا" مقاعد بحسب قوته الحالية مقارنة بـ"الليكود" ضمن القائمة المشتركة المستقبلية.

إذا قبل بينيت بحلّ حكومة الرأسين والذهاب إلى انتخاب مباشر، فسيتحول إلى ذيل لنتنياهو. وإذا رفض ذلك، سيكون قد وقع في فخه وخسر جمهوره اليميني، وهو المنهج نفسه الذي أوقع بيني غانتس فيه. في مثل هذه الحكومة، لن يكون مكسب نتنياهو هو إقرار قانون انتخاب مباشر فحسب، ولكنه سيمنع أيضاً تعديل قانون يمنع الترشح لرئاسة الحكومة، ما دامت هناك لوائح اتهام ضد من يرى نفسه مرشحاً للرئاسة. 

من المهم هنا أن نذكّر بأن بينيت لم يعد يضع فيتو على رئاسة نتنياهو للحكومة القادمة، وإنما يطلب منه "أن يأتي بحكومة تنقصها أصوات "يمينا"، وسيجد الأخير على استعداد للانضمام إليها برئاسة نتنياهو أو أي من قوى اليمين، بما في ذلك الليكود". قد يكون هذا الموقف تكتيكياً لبينيت، وهو يعلم أن سموطرتش لن يرضى بحكومة مدعومة من العرب، أي من منصور عباس في هذه الحالة، أو قد يكون هدفه قذف الطابة في ملعب "الليكود"، لتشجيعه على الانقلاب على نتنياهو، وهو ما يسهل على بينيت وآخرين الانضمام إلى حكومة يمينية برئاسة ليكودية، ولكن ليس نتنياهو.

2-   تكليف يئير لبيد لتشكيل حكومة، وفقاً للقانون، ولو لم يكن الرئيس مقتنعاً بشكل تام بأنه قادر على تشكيلها. وبذلك، يعطيه الرئيس مدة 28 يوماً لتشكيل ائتلاف يأتي به إلى الكنيست للمصادقة عليه. 

يبدو، لغاية الآن، أن تشكيل حكومة برئاسة لبيد مهمة صعبة، ولكن، كما في السياسة، لا يوجد مستحيل. كل المواقف قد تتغير وفقاً للمصالح الذاتية أو المشتركة، ولا سيما أن موقف إدارة بايدن يشجع بشكل غير علني على التخلص من نتنياهو. وهنا تأتي المصلحة المشتركة لمركبات معسكر التغيير في التخلص من نتنياهو، لتكون عاملاً مهماً لتشكيل حكومة تغيير، ولو لفترة قصيرة، تكون مهمتها الأولى إقرار التعديل القانوني الذي يمنع عضو الكنيست المتهَم في المحكمة من الترشح لرئاسة الحكومة. عندها، يكون الجميع قد ضمنوا التخلص من نتنياهو. وعندها أيضاً، يمكن أن يعودوا إلى انتخابات خامسة قد تختلف فيها الخارطة الحزبية والشخصية، وقد تنتج منها حكومة يمينية متطرفة وواسعة، ولكن من دونه. 

رغم ذلك، قد يفشل لبيد أيضاً في تشكيل حكومة، ولو مؤقتة، لعدم توافق القوى المركبة لها سياسياً. وللتوضيح أكثر، لا بدَّ من التساؤل: هل يجتمع ساعر وبينيت في حكومة واحدة مع ميرتس؟! ما القواسم المشتركة؟ لنفترض أن ذلك ممكن، باعتبار أن التخلص من نتنياهو هو القاسم المشترك، هل يمكن أن ينضم بينيت وساعر إلى حكومة تدعمها القائمة المشتركة أو تكون جزءاً منها؟! لا يبدو هذا الاحتمال وارداً، ولو كانت حكومة مؤقتة، خشية أن يخسر ساعر وبينيت تأييد جزء كبير من جمهورهما اليميني في أي انتخابات قادمة. هنا، يبرز السيناريو الثالث، وهو متداول في اليومين الأخيرين حتى داخل "الليكود".

 

3-   حكومة يمينية واسعة برئاسة ليكودية، ولكن ليس نتنياهو، وهو ما قد يحصل بعد أن يعيد لبيد التكليف إلى رئيس الدولة، فيعيد الرئيس القرار إلى الكنيست. وعليه، إما أن يحل الكنيست نفسه ويدعو إلى انتخابات خامسة، وإما يقبل نتنياهو بأن يتقدم أحد أعضاء "الليكود"، فيجمع العدد الكافي من الأصوات، ويتقدم إلى رئيس الدولة باقتراح لتشكيل حكومة.

في هذه الحالة، سيفتح المرشح الليكودي نافذة، وربما باباً كان موصداً، لأحزاب يمينية، مثل "يمينا" و"أمل جديد" برئاسة ساعر، وربما "أزرق أبيض" برئاسة غانتس، للانضمام إلى حكومة "الليكود". هؤلاء لا يمانعون مشاركة الحريديم في الحكومة. عندها، ستقوم حكومة يمينية واسعة تستثني العرب، كما تستثني نتنياهو، وتشمل الحريديم، ولكنها قد تبقيه في رئاسة "الليكود" يشدّ بالخيوط السياسية للحكومة من وراء الكواليس، وفق مصالحه وسياسته. في المقابل، إذا كان من شغل منصب رئيس الحكومة يرفض أن يكون دمية يحركها نتنياهو، فقد يخلق ذلك صراعاً جديداً داخل "الليكود"، ينتج تغيرات جديدة في الخارطة الحزبية، فهل يفعلها نتنياهو؟

حكومة كهذه قد تكون حكومة تطبيع أوسع مع دول عربية خليجية تلقى تعاوناً من إدارة بايدن إذا ما التزمت بالاستراتيجية الأميركية. وقد تكون حكومة حرب معتمدة على اتساع التأييد لها. ولا شكّ في أنها حكومة عنصرية استيطانية معادية لحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيهم الفلسطينيون في الداخل أيضاً.

مثل هذه الحكومة قد لا تقر تعديلاً في قانون ترشح المتهم إلى رئاسة الحكومة، بضغط من نتنياهو. في المقابل، قد لا تقر قانون الانتخاب المباشر لرئاسة الحكومة أيضاً، وقد لا تقر قوانين أو إجراءات معادية للديمقراطية في المنظومة القضائية، كما يريد نتنياهو، ولكنّها لن تلغي قانون كامينتس وقانون القومية، ولن تقيم هيئة حقيقية ذات صلاحيات لمعالجة قضية الإجرام المنظم في المجتمع الفلسطيني في الداخل. وبذلك، تذهب كل أوهام "التأثير" و"المشاركة في القرار" و"الواقعية" إلى حيث تذهب الأوهام بطبيعتها.

بما أن الأزمة هي أزمة حكم، وهي بنيوية بطبيعتها وبأهداف كل طرف فيها، فكل من هذه السيناريوهات سينتج حلاً مؤقتاً، إلى أن تأتي تلك الساعة لتغييرات بنيوية حقيقية. هذا الأمر لا يتأثر بالحراك الحاصل داخل "المجتمع" الإسرائيلي فحسب، بل بالتغييرات الإقليمية والدولية أيضاً، فالمشروع الصهيوني المتمثل في "إسرائيل" هو مشروع إمبريالي دولي، وهو مشروع يهودي عالمي، وليس مشروعاً إسرائيلياً يخص المواطنين الإسرائيليين فقط. "إسرائيل" هي مشروع دولي يخص إقليم الشرق الأوسط أولاً. لذلك، فهو يتأثر أيضاً بالتغيرات التي تحصل في الشرق الأوسط.