تايوان أو أوكرانيا.. أين سيكون التحدّي الأوّل في مواجهة بايدن؟

ثمة معطيات ميدانية وعسكرية واستراتيجية كثيرة تسمح لكلّ من الصين وروسيا بأن تتشجع وتقوم بمغامرات حسّاسة في أوكرانيا وتايوان.

  • كان واضحاً أنّ الروس والصينيين لن يستسلموا أمام استراتيجيّة بايدن الهجوميّة - العدائيّة.
    كان واضحاً أنّ الروس والصينيين لن يستسلموا أمام استراتيجيّة بايدن الهجوميّة - العدائيّة.

لم يتأخّر الرئيس الأميركي جو بايدن كثيراً في عرض استراتيجيّة إدارته بشكل واضح، إذ أعلن بعد تسلّم مهامه الخطوطَ الرئيسيةَ لهذه الاستراتيجيّة: مواجهة الصين وروسيا حتى النهاية، وبكامل عناصر المواجهة، التقليدية أو الاستثنائية. 

بدأ التنفيذ مباشرة عبر فتح كلّ الملفات التي "تعيد فتح أو ربط أو خلق" نزاع أو أكثر مع كلّ من الطرفين، وأهمها في ملف حقوق الإنسان الذي تدّعي واشنطن "خداعاً" أنّها الحامية له، أو في ملف المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، أو في ملفّ النفوذ والسّيطرة في القطب الشمالي، أو في ملف شرق أوروبا والاشتباك التاريخيّ بين الروس وحلف شمال الأطلسي.

 من جهة أخرى، وفي سبيل تأمين الحاضنة التّشريعية لتنفيذ استراتيجيته، طلب الرئيس الأميركيّ موازنة دفاعية تناهز مبلغ 750 مليار دولار، تمثل بنودها الرئيسيَّة تعزيز القطع والوسائل البحرية وتطوير القدرات والأسلحة النووية. وتحت عنوان حماية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، ناشد الجمهوريين قبل الديمقراطيين لنيل دعمهم الكامل، بهدف قوننة معركته الاستراتيجية في مواجهة قطبي الضفة الأخرى (الصين وروسيا).

في الضفّة الأخرى، كان واضحاً أنّ الروس والصينيين لن يستسلموا أمام استراتيجيّة بايدن الهجوميّة - العدائيّة، فمن غير المنطقيّ أن يسلموا أو يخضعوا له، لأنَّ في السكوت أو الخضوع هزيمةً لهم وانتصاراً له، سيحقّقه بسهولة إذا تجنّبوا المواجهة أو تراجعوا أو خافوا، الأمر الذي لم يحدث بتاتاً.

وكما يبدو، اختاروا المواجهة، وكلّ في الملعب الَّذي يعتبر نفسه متفوقاً فيه، ليس عسكرياً فحسب، بل تاريخياً وسياسياً وقانونياً أيضاً (بحسب وجهة النظر الروسية والصينية)، إذ بدأت الحشود والتعزيزات العسكرية الصينية تتحرَّك في مواجهة تايوان، فيما بدأت التعزيزات الروسية شرق أوكرانيا مباشرة على حدود إقليم دونباس.

رد الفعل الأميركي والمدعوم أوروبياً جاء سريعاً. وفي تحرك دبلوماسي واسع، بدأت الانتقادات والتحذيرات للروس والصينيين. وعبر تحرك بحري استثنائي أكثر من عادي أو تقليدي، انتقلت عدة سفن حربية أميركية إلى البحر الأسود من جهة، وغرب المحيط الهادي من جهة أخرى، ليتوّج وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن رد الفعل بتحذير مزدوج واضح؛ الأول إلى روسيا بأنَّها ستواجه "عواقب" لتحركاتها العسكرية في شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي في شرق أوكرانيا، والآخر إلى الصين بأنها سترتكب "خطأً فادحاً" إذا هاجمت تايوان.

طبعاً، بمعزل عن النّفي الروسيّ والصّينيّ لأهداف التحركات العسكرية الخاصة بكلّ منهما، والقول إنَّها محض دفاعية، فإن نوعيّة تلك الحشود والتحركات وطبيعتها تشير عملياً إلى أنها تشكّل أكثر من نقاط ارتكاز هجوميّة، وذلك على الشّكل التالي:

في مواجهة تايوان، من غير المنطقيّ أن تكون مهمّة أكثر من حاملة طائرات ومدمّرة صينية تحتشد في مضيقها، وعلى مسافة لا تتجاوز كيلومترات قليلة من سواحلها، مع حركة ناشطة لعشرات المقاتلات الحربية الصينية التي اختلطت عليها منطقتا الدفاع الجوي بين الصين وتايوان، والمصحوبة بحركة من المهام المتكررة التي تنفذها القوات الجويّة الصينيّة في الجزء الجنوبي الغربي من تايوان، بالقرب من جزر براتاس التابعة للأخيرة. ومن غير المنطقي أن تكون هذه المهمّات دفاعيّة عن سواحل الصّين وبرّها ضدّ خطر هجوميّ تايوانيّ.

في مواجهة شرق أوكرانيا، وفي متابعة تقنية دقيقة للحشود الروسية في تلك المنطقة، وتحديداً على الحدود الشرقية لإقليم دونباس مباشرة، لا يمكن أن تكون حركة آلاف الآليات المدولبة والمدرعة والدبابات المدعومة بمئات بطاريات المدفعية الميدانية، والتي ظهرت في عدة وسائل إعلام مختلفة التوجّهات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، إلا بهدف مهاجمة مدن وبلدات قريبة من تلك الحدود والسيطرة عليها بشكل سريع لا يتجاوز الساعات.

ومن المؤكّد أنّ هذه الحشود لا تدلّ على أنها دفاعية عن الأراضي الروسية ضد الناتو أو الأميركيين، فالدفاع في مواجهة أيّ خطر محتمل منهم لا يتم بآليات مدرعة أو مدولبة وببطاريات مدفعية تقليدية، بل يتم على الأقل بمنظومات "إس 400"، وبقاذفات استراتيجية من نوع "سوخوي 35 أو 57"، وبنصب وتجهيز صواريخ استراتيجية من أنواع "أفانغارد" و"إسكندر" و"سارمات"، على سبيل المثال لا الحصر.

في الواقع، ثمة معطيات ميدانية وعسكرية واستراتيجية كثيرة تسمح لكلّ من الصين وروسيا بأن تتشجع وتقوم بمغامرة حسّاسة في أوكرانيا وتايوان. هذه المعطيات يمكن إدراجها في النقاط والتساؤلات التالية:

أولاً، رأى الطّرفان (الصين وروسيا) شبه الانصياع أو الاستسلام الأخير لواشنطن أمام إيران، وتابعا ذلك بشكل دقيق، إذ واجهت الجمهورية الإسلامية كل الضغوط الأميركية (العسكرية والسياسية والاقتصادية)، وبقيت ثابتة وصامدة. 

اليوم، يعمل الجميع (الأوروبيون والأميركيون) على اجتراح الحل - المخرج لعودتهم إلى الاتفاق النووي وإلغاء كامل العقوبات عن إيران، مع إمكانية أصبحت شبه مؤكدة لحصول طهران على قسم كبير من التعويضات المستحقة لها. ثانياً: سوف يسأل الروس أو الصينيون، وفي معرض دراسة قرار تنفيذ المغامرة العسكرية في تايوان أو في أوكرانيا الأسئلة التالية:

سيقول بوتين في معرض دراسته للقرار: "لقد هاجمنا شبه جزيرة القرم، واستعدنا السيطرة الروسية عليها، ولم يستطع الأميركيون أو الأوروبيون أن يفعلوا شيئاً. وعندما سألونا: لماذا هاجمناها؟ أجبنا بسخرية بأنَّ دب الباندا الروسي لا يستطيع أن يعيش إلا في شبه جزيرة القرم، ونحن اليوم نعيد القرم للدببة الروس".

 وسيتابع بوتين كلامه أو تحليله: "في الأساس، لو افترضنا أنهم سيفرضون عقوبات علينا بعد سيطرتنا على الدونباس، فَهُم اليوم، ولأبسط الأمور، يفرضون علينا العقوبات. إنَّ قصة نافالني المتهم بمخالفات جنائية في روسيا أسخف بكثير من دخول دونباس أو شبه جزيرة القرم. إذاً، الدونباس لا تختلف كثيراً عن شبه جزيرة القرم، فهي ملتصقة بالأراضي الروسية مباشرة، وسكانها روس بشكل كامل، لغةً وثقافةً وسياسةً، كما أنَّ سواحلها ومرافئها مناسبة للقطع البحرية الروسية بشكل كبير، والسيطرة عليها أساسية لحماية الأمن القومي الروسي، والأميركيون أكثر من يفهم أهمية الأمن القومي للدول، إذ ينتقلون عشرات آلاف الكيلومترات في عمق المحيطين الهادي والهندي لحماية أمنهم القومي، ولن يكون عادلاً عدم تفهمهم لحركتنا البحرية على سواحلنا الجنوبية الغربية مباشرةً".

أيضاً، سيقول الرئيس الصيني: "كانت تايوان دائماً بالنسبة إلى الصين، وستبقى، حقاً تاريخياً وأساسياً وضرورياً لأمنها القومي ولحقوقها السيادية على مر التاريخ، وقبل اكتشاف كريستوف كولومبوس سواحل الهند الغربية (الولايات المتحدة الأميركية). إننا جاهزون لأيّ سؤال أو استفسار لمجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي أو الأميركيين في حال سألونا: لماذا هاجمتم تايوان؟ سنقول، وبالصوت العالي، إنَّنا لم نهاجم تايوان. لقد استعدنا حقنا التاريخي فيها!".

وسيتابع الرئيس الصيني كلامه قائلاً: "سنقول للأوروبيين: ماذا تفعلون بوحداتكم المدرعة وطائراتكم في أغلب الدول الأفريقية؟ وهل يبرر طمعكم بثرواتهم هذه الحشود والعمليات الجوية والتسبّب بنزاعات داخلية وبمآسٍ؟ وسنقول للأميركيين: كيف سمحتم لأنفسكم باحتلال العراق وأفغانستان واليمن وليبيا وغيرها من الدول وتدميرها؟ كل ذلك لمصالح خاصّة أو بدافع الحفاظ على أمن إسرائيل أو لبث الفتن والنزاعات بين الدول التي تشكل ممراً حيوياً لمشروعنا الذي تحاربوه بكامل طاقاتكم (الحزام والطريق)؟ 

 في الحقيقة، وبعد هذه المعطيات المتوفرة بشكل أوسع وأكثر تفصيلاً، سيكون الروس والصينيون مرتاحين وجاهزين للرد على كل هؤلاء، والأهم، في ما لو اتخذوا القرار - الصين بمهاجمة تايوان، وروسيا بمهاجمة الدونباس في أوكرانيا - أنهم سينجحون في كسب لعبة التحدي الاستراتيجية في مواجهة بايدن، وسيلقّنونه درساً لن ينساه إذا ما تابع تحدّيه للصين العظمى ولروسيا القيصر.