ماذا وراء استهداف السّفينة الإيرانيّة في البحر الأحمر؟

اللافت في الاستهداف الأخير لسفينة "سافيز" الإيرانية أنه حصل في ظلّ معطيات مختلفة عن السياق التقليدي للاستهدافات.

  • اعترفت
    اعترفت "إسرائيل" صراحة بالعملية، ولو عبر وسائل إعلامية صهيونية أو خليجية.

من يتابع مسار الاستهدافات المتبادلة لسفن إيرانية وإسرائيلية مؤخراً في البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط أو خليج عمان، يمكنه وضع الاستهداف الأخير لسفينة "سافيز" الإيرانية ضمن هذا السياق العادي الأخير، إذ كانت المعطيات نفسها تقريباً تحيط دائماً بأغلب العمليات: تُستهدف سفينة إيرانية، فتنفي "إسرائيل"، مع الإيحاء بأنها غير مستاءة من الاستهداف، بل تتمنّاه، ثم تُستهدف أخرى إسرائيلية، فتنفي إيران، مع الإيحاء أيضاً بأن هذا الاستهداف كان منتظراً، تبعاً لسلوك "إسرائيل" العدواني في أغلب نقاط المواجهة معها. وبين التغيير في طريقة الاستهداف، من عبوات ناسفة لاصقة، إلى ألغام بحرية، إلى صواريخ موجّهة، تبقى أغلب التحليلات مؤشراً إلى مسؤولية كل من الطرفين في استهداف سفن الطرف الآخر.

 ولكن اللافت في الاستهداف الأخير لسفينة "سافيز" الإيرانية أنه حصل في ظلّ معطيات مختلفة عن السياق التقليدي للاستهدافات، إذ اعترفت "إسرائيل" صراحة بالعملية، ولو عبر وسائل إعلامية صهيونية أو عبر وسائل إعلامية خليجية غير بعيدة عن الصهيونية في توجهاتها وفي رؤيتها "القومية" للأمور.

واللافت أيضاً، وهذا هو الأهم في المعطيات الأخيرة، أن الاستهداف والاعتراف الإسرائيلي حصل في ظل التقدم الجدي في مفاوضات فيينا حول عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وإلغاء العقوبات عن إيران، وعودة الأخيرة إلى التزاماتها التي حدّدها الاتفاق أساساً قبل العقوبات.

في الواقع، إن اعتراف "إسرائيل" بالاستهداف هذه المرة مؤشر على تغيير في مناورة الاشتباك مع إيران، وبالتالي تغيير في استراتيجية المواجهة، ما يعني أنها تهدف من خلال ذلك إلى إيفاد الرسالة التالية: 

بمعزل عن نتائج مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي مع إيران أو مصير العقوبات عليها، فإن الصراع أو الاشتباك بين "إسرائيل" وإيران يحمل اتجاهين؛ الاتجاه النووي الذي أوحت، وتوحي دائماً، بأنها لن ترضى عن أي نتائج دولية حوله، وستبقى "تدَّعي" أنها ترفضه، مهما كان الموقف الأميركي حوله، والاتجاه الآخر يتعلق بنفوذ إيران وقدراتها، والتي تتضمن الصواريخ والقدرات النوعية الأخرى الموجودة لديها أو تلك الموجودة لدى مروحة واسعة من أطراف محور المقاومة الموزعين في عدة اتجاهات جغرافية بالنسبة إلى فلسطين المحتلة، والذين يملك كل منهم ما هو كافٍ من القوة والسيطرة والتحكّم لمواجهة "إسرائيل"، ولفرض مستوى الردع وتوازن الرعب المناسب لمواجهتها. 

 من جهة أخرى، أن تتعمّد "إسرائيل" الاعتراف باستهداف السفينة الإيرانية، بالتزامن مع ظهور بعض الإيجابيات في مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني والعقوبات على طهران، فهذا يعني حكماً أن مناورتها في تغيير "قواعد الاشتباك - الاستهداف" ترتبط بالمفاوضات المذكورة، فلو لم يكن هذا التغيير مرتبطاً بالمسار المستجد للمفاوضات حول النووي، ولو كانت صادقة في رفضها استراتيجية واشنطن في التفاوض، كما تدّعي دائماً (بطريقة خادعة)، لم تكن الآن تعمد إلى تغيير مناورة المواجهة مع إيران.

 بالنسبة إلى الأميركيين، من الواضح أنهم بعد أن تأكدوا من ثبات إيران على الرفض الحاسم لعدم توسيع التفاوض إلى أي ملف آخر سوى النووي والعقوبات عليها، وبعد أن تأكدوا أيضاً أنها جادة في اعتبار التفاوض الحالي الفرصة الأخيرة والمحددة بوقت غير طويل، أوحوا بأنهم تخلوا عن شرط التفاوض على ملفات صواريخها ونفوذها، وفي الوقت نفسه بدأت وسائل إعلامهم الموجهة القول إن مسار المفاوضات طويل، وإن التأكد من عودة إيران إلى التزاماتها التي سوف تنفذها بعد رفع العقوبات عنها سوف يستغرق وقتاً طويلاً. 

من هنا، يمكننا أن نربط بين قبول واشنطن بالتخلي "ظاهرياً" عن الملفات الحساسة الأخرى غير النووي الإيراني، أي الصواريخ والنفوذ، والإيحاء بأنها تراجعت ومستعدة للالتزام بالنقاط التي قبلت إيران الجلوس والتفاوض حولها مع المعنيين بالاتفاق، وبين المناورة الإسرائيلية باستهداف السفن الإيرانية بشكل علني، والتي يبدو أنها سوف تطورها وتوسعها، وسوف تبحث من خلالها لخلق نزاع أو اشتباك مع إيران، يكون من الآن أوسع من الاستهدافات الغامضة التقليدية، ولكنها ستحرص على أن يبقى مقيداً بحدود عدم الجنوح نحو مواجهة واسعة لا تريدها "إسرائيل"، كما لا يريدها الأميركيون الآن.

 لذلك، انطلاقاً من هذه المعطيات حول موقف كل من واشنطن و"إسرائيل" وأهدافهما ومناورتهما في ما خص التفاوض مع إيران بخصوص البرنامج النووي أو العقوبات أو النفوذ والصواريخ، يمكن القول إنَّ الطرفين ("إسرائيل" وواشنطن) يعملان من خلال التواطؤ بين بعضهما البعض على تحقيق التالي: 

ستجد واشنطن حلاً لموقف إيران الثابت في حصر التفاوض بإلغاء العقوبات عنها وعدم تضمين هذا التفاوض أي ملف آخر، وستعود أمام المجتمع الدولي وأمام الداخل الأميركي إلى التزاماتها الدولية، وخصوصاً في الاتفاق النووي، وستعوّض بهذه العودة للدول الأوروبية التي تضررت بفعل انسحاب ترامب من الاتفاق بعضَ ما خسرته، من خلال عودة العقود والصفقات التجارية التي كان ستستفيد فيها من إيران. 

 ستجد واشنطن (وهي تتخيل ذلك، ولكن ليس ضرورياً أن يكون الأمر صحيحاً) أن عودة إيران إلى التزاماتها بعد إلغاء العقوبات عنها ستُبعدها - إلى حد ما - عن تطوير تجارتها واقتصادها مع الصين بموجب الاتفاقية الأخيرة بين بكين وطهران. وبذلك، ستعتبر واشنطن أنها ربحت نقطة في عرقلة مسار تلك الاتفاقية ونتائجها أو تأخيرها. 

في الوقت نفسه، ستُبقي واشنطن (بالتكافل والتضامن والتواطؤ مع "إسرائيل") التفاوض حول الصواريخ والنفوذ مفتوحاً في ميدان آخر غير ميدان "الاتفاق النووي"، وستكون "إسرائيل" هي التي تفاوض إيران "تحت النار"، عبر فتح الباب واسعاً أمام الاستهدافات المدروسة والحساسة للسفن الإيرانية، وذلك في البحار المحيطة بإيران، والتي تشكل مداخل ومعابر لحركة التجارة منها وإليها، وستزداد حركتها مبدئياً بعد إلغاء العقوبات عليها، لتعود واشنطن من خلال ذلك (من خلال توسيع استهداف السفن الإيرانية)، وتفرض، بواسطة "إسرائيل"، فتح باب التفاوض مع إيران حول نفوذها وصواريخها وقدرات محور المقاومة، تحت ضغط استهداف حركتها التجارية وتعطيل اقتصادها، تماماً كما هو الحال مع العقوبات عليها حالياً قبل إلغائها (إذا تم الاتفاق على إلغائها).