لهذه الأسباب قد يلجأ بايدن إلى الخيار العسكري مع إيران

يُستبعد أن يوافق بايدن على شروط إيران للعودة إلى الاتفاق النووي وبما يلجأ إلى التهديد بعملية عسكرية بهدف إجبارها على التخلي عن بعض شروطها، لذلك، من الوارد أن نشهد تصعيداً عسكرياً في المرحلة المقبلة.

  • تضع إيران هذا الاحتمال دائماً في استراتيجيتها الردعية والعسكرية وهي طبعاً لن ترضخ.
    تضع إيران هذا الاحتمال دائماً في استراتيجيتها الردعية والعسكرية وهي طبعاً لن ترضخ.

 

هناك عدة ملفّات داهمة بوجه الرئيس الأميركي جو بايدن، تنتظر دخوله البيت الأبيض للبتّ بها، وعلى رأسها الملف المستجد الذي لم يكن منتظراً، والمتعلق بمعالجة تداعيات جنون ترامب الأخير بعد صدمة خسارته الانتخابات، لناحية معالجة التوتر الشعبي والانقسام العنيف الذي قد يكون مسبباً لحرب أهلية، إضافةً طبعاً إلى الشق الثاني منه، والمتعلق بإعادة ترميم صورة الديموقراطية في الولايات المتحدة الأميركية. 

وهناك الملف الثاني الذي ساهم بنسبة غير بسيطة في إنجاح بايدن بوجه ترامب، وهو ملفّ كورونا ونتائجه الكارثية، لناحية تفشّي الفيروس والفشل في مواجهته، ويبدو أنه سيكون أكثر الملفات إلحاحاً للمعالجة.

هذا لا يعني أن إدارة الرئيس بايدن سوف تكتفي بمعالجة هذين الملفين الداهمين فقط، لأن هناك الكثير من الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية والاشتباك الاستراتيجي غير المسبوق مع الصين وروسيا في ما خص سباق التسلح أو التنافس الاقتصادي، إضافةً إلى ملف إعادة ترميم ثقة الحلفاء بواشنطن، والتي نجح ترامب في وضعها في أدنى مرتبة في تاريخ علاقات الأميركيين مع الخارج، وتحديداً مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

الملفات المذكورة مهمة، وتنتظر إدارة بايدن أيضاً للمعالجة، ولكن يبدو أن هناك ملفاً استثنائياً بدأ يتقدم على غيره من الملفات، ويبدو أنه مؤثر بنسبة كبيرة في الكثير من الملفات المذكورة أعلاه، وأهمها ملف إعادة ترميم ثقة المجتمع الدولي بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ملف الاتفاق النووي مع إيران، الذي ثبُت مع المسار الذي سلكه ترامب أنه أساسي في تكوين المنظومة السياسية العالمية المرتبطة بأسس التعهدات والاتفاقيات تحت رعاية الأمم المتحدة، وضرورة احترامها والالتزام بها، كنقطة ارتكاز لما يسمى القوانين الدولية والأعراف والعلاقات المتوازنة بين الشعوب والأمم.

حول هذا الملف (الاتفاق النووي مع إيران)، تتسارع وتتسابق الإشارات والتصريحات والتلميحات ومحاولات جس النبض بين أغلب الأطراف المعنيين به مباشرة أو المرتبطين به بطريقة غير مباشرة، بشكل يوحي بأنه سيكون على طاولة البحث الدولي مباشرة بعد العشرين من كانون الثاني/يناير الجاري بأيام معدودة.

الرئيس بايدن يؤكد استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ولكنه قالها بالحرف الواحد: "سيكون الأمر صعباً، لكن نعم". وبحسب ما نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه يريد توسيع الاتفاق النووي ليشمل الدول المجاورة لطهران، كالسعودية والإمارات، ليأتي كلام مستشاره العتيد للأمن القومي جايك ساليفان بمثابة نقطة تحوّل بغاية الأهمّية والدلالات، إذ قال: "إنّ إدارة بايدن ليست ضدّ العودة إلى الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران مع مجموعة الخمسة زائد واحد (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا)، ولكنّ الصواريخ يجب أن تكون على الطاولة". 

من جهة طهران، وتعليقاً على طرح بايدن لتوسيع الاتفاق ليشمل دولاً مجاورة لإيران، مثل السعودية والإمارات، كان الرد الإيراني واضحاً بأن لا علاقة لأي طرف بالاتفاق النووي، مضيفاً، وبرد واضح على من تجرأ من الدول المطبعة مع "إسرائيل" وطرح نفسه لاعباً جديداً على طاولة بايدن المرتقبة للاتفاق النووي: "على الجميع أن يتحدث على قدر حجمه".

وفي متابعة لإحاطة طهران الدائمة بهذه الملفات: الاتفاق النووي، والصواريخ، والنفوذ في الخليج والمنطقة، وأمن المعابر المائية بشكل خاص، وأمن المنطقة كاملة بشكل عام، هناك مسلمات ثابتة عبّرت عنها إيران دائماً وتعبّر عنها بشكل متواصل، وهي:

- رفض إيران التفاوض على الاتفاق النووي، فهذا الموضوع انتهى وأخذ حقه من التفاوض الطويل والشاق، وعائقها الأساسي، إضافة إلى العقوبات الظالمة غير المحقة عليها، هو عدم الثقة بالتزام واشنطن بأي اتفاق جديد أو معدل إذا وافقت على إعادة النظر فيه (استطراداً). 

- موقع "إسرائيل" وعلاقتها القديمة - الجديدة مع هذه الدول "الجارة" التي تطلب الدخول على خط الاتفاق النووي، يشكل نقطة مانعة لأي بحث في هذه المواضيع الحساسة والمتعلقة بالأمن القومي الإيراني أو بأمن محور المقاومة، إذ ترى طهران أن لا مصلحة لها وللمحور الذي تقوده بأي نقاش أو تفاوض تكون أطرافه الظاهرة هي الدول الخليجية، ورائده الحقيقي (النقاش والتفاوض) هو "إسرائيل".

لناحية الإدارة الأميركية الجديدة، وبموضوعية، من غير المنطقي أن تستمر إدارة بايدن بالاستراتيجية المترددة نفسها، وأن تبقى على الموقف نفسه في هذا الاشتباك الدولي غير الواضح، والذي يؤثر بشكل واسع في إبقاء نمط غير متوازن من العلاقات الدولية، وليس فقط العلاقات الأميركية - الإيرانية، وسوف يعمل بايدن حتماً على خلق دينامية جديدة على الصعيد الدولي مختلفة عن استراتيجية ترامب التي تمثلت بالعقوبات والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية وإدارة الظهر للالتزامات الدولية.

 من هنا، لا يجب انتظار عودة بايدن إلى الاتفاق النووي بشروط إيران ، حيث لا يمكن استبعاد جنوحه نحو الضغوط غير "الترامبية" التي قد تكون تهديدات بعملية عسكرية، بهدف إجبار طهران على التخلي عن بعض شروطها، ودفعها إلى القبول بإعادة البحث في قدراتها الصاروخية الباليستية، وهي طبعاً لن ترضخ. وحيث تضع إيران هذا الاحتمال دائماً في استراتيجيتها الردعية والعسكرية، فهي طبعاً لن ترضخ. لذلك، لن يكون مستبعداً أن يلجأ بايدن إلى الخيار العسكري.

 هذا الخيار العسكري الأميركي المحتمل يمكن أن يكون في نقطة وسطية بين الضربة العسكرية الواسعة والعملية الموضعية، كاغتيال قيادات إيرانية معينة أو استهداف منشأة نووية إيرانية أو أكثر، وقد يتمثل بشن واشنطن ضربة جوية واسعة، تستهدف من خلالها أغلب المنشآت الصاروخية الباليستية، مع الحرص على عدم إيقاع خسائر بشرية قدر الإمكان، بحيث تتواكب هذه الضربة مع استنفار دبلوماسي دولي، ألماني وفرنسي وبريطاني على وجه الخصوص، لوقف تداعيات الضربة والانطلاق من موقف جديد نحو تفاوض جديد يقوم على:

أولاً: العودة إلى الاتفاق النووي بكل مندرجاته، كما تريد طهران، مع نقطة أساسية تتعلَّق بإلغاء جميع أشكال العقوبات على إيران ووقفها، الأمر الذي سيشكل نقاطاً مقبولة لها لطالما طالبت بها.

ثانياً: فتح قناة تفاوض متوازٍ تتعلّق بقدرات إيران الصاروخية، والتي ستكون نسبة كبيرة منها قد تدمرت، مع موقف صيني وروسي متردد وخجول وغير بعيد عن المناورة الأميركية، بهدف إنهاء هذا الاشتباك الدولي - الإقليمي.

ثالثاً: إدخال بعض الدول الخليجية في إطار مفاوضات الصواريخ الإيرانية ونفوذ طهران في المنطقة (محور المقاومة)، وذلك تحت عنوان التفاوض حول أمن المنطقة، كعنوان لم ترفضه طهران أساساً ولطالما طالبت به، وحاولت مراراً مع الدول الجارة لها الدخول به.

ويبقى السؤال عن موقف إيران واستراتيجيتها في مواجهة هذا الاحتمال (ضربة أميركية محدودة تستهدف بعض منشآتها الصاروخية فقط)، الذي تريد واشنطن من خلاله أن تفتح باب التفاوض الواسع، بعد أن تعود إلى تنفيذ التزاماتها بكامل مندرجات الاتفاق النووي، وبعد أن تلغي جميع إجراءاتها المتعلقة بالعقوبات على إيران.