انشقاق في الليكود.. هل تهتزّ الخارطة السياسيّة في "إسرائيل"؟
قد يكون أحد دوافع جدعون ساعر لاتخاذ خطوته هو التغير الذي حصل في أميركا، فعندما سقط ترامب وجاء بايدن، توقع الكثيرون في "إسرائيل" أنه لن يتفق مع نتنياهو.
أعلن عضو الكنيست عن "الليكود"، جدعون ساعر، استقالته من الكنيست الحالي، كما أعلن انفصاله عن "الليكود"؛ الحزب الذي نشأ فيه وتقدّم في صفوفه عشرات السنين، وصرح عن نيته إنشاء حزب جديد يتنافس في الانتخابات القادمة، وعلى رأس أهدافه "استبدال بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة".
وكان ساعر قد استقال من الحياة السياسية لمدة سنتين، بسبب امتعاضه من سلوك نتنياهو داخل الحزب، ثم عاد لينافسه على رئاسته قبل حوالى سنة، فحصل على تأييد أكثر من 30% من أصوات الحزب، فقبل بالنتيجة، ورفض أن ينشقّ مع 11 عضواً ليكون مركباً أساسياً في حكومة يرأسها بيني غانتس، وبقي في موقعه في صفوف الحزب عاملاً مهماً في نجاح "الليكود" برئاسة نتنياهو.
رغم ذلك، رفض نتنياهو أن يقدم له أي منصب في الحكومة الحالية، وعمل على تهميشه وتكسير أجنحته داخل الحزب، وكان هذا هو نهجه مع كل من عارضه سابقاً من "أمراء الليكود"، حتى بقي بلا منافس.
أخيراً، حصلت الهزة المرجوة من أحزاب اليمين المركز داخل "الليكود". والمقصود بـ"اليمين المركز" هو أحزاب "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، و"يوجد مستقبل+تيلم" برئاسة يئير لبيد وبوجي يعلون، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان، و"ديرخ إيرتس" برئاسة يوعاز هندل، ولكن ما هي النتائج المتوقعة من هذه الهزة؟ وهل ستغير اتجاه الخارطة السياسية أم أنها ستغير الخارطة الحزبية فقط؟ وهل يمكن أن يبني عليها الفلسطينيون خاصة، والعرب عامة، أي تغيير في السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط؟
أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح لفهم هذه المتغيرات وتداعياتها المستقبلية على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فماذا تقول استطلاعات الرأي العام التي أجريت في اليوم التالي لخطوة ساعر؟ وماذا تعني؟
تشير استطلاعات الرأي العام التي أجريت في 9 كانون الأول/ديسمبر، أي بعد يوم واحد من إعلان ساعر، إلى أنه سيحصل في الانتخابات القادمة على 15-18 مقعداً. وتختلف الاستطلاعات قليلاً في الجواب على سؤال: من أين يأتي بهذه المقاعد؟ وعلى حساب من؟ بدلاً من المقارنة بين معطيات مراكز الاستطلاع المختلفة، وفي فترات زمنية مختلفة.
هنا النتائج التي أصدرها معهد "كميل فوكس" مؤخراً، مقارنة مع النتائج التي أصدرها المعهد نفسه سابقاً لقناة "13" الإسرائيلية باللغة العبرية، ومع نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة. تشير هذا النتائج إلى ما يلي:
الحزب | الوضع الحالي | استطلاع 17/11/2020 | استطلاع 9/12/2020 |
الليكود/ نتنياهو | 36 | 29 | 28 |
يوجد مستقبل/ لبيد ويعلون | 14 | 15 | 16 |
ساعر (لا يوجد اسم حزب بعد) | 0 | 0 | 15 |
أزرق أبيض/غانتس أشكنازي | 19 | 10 | 6 |
يمينا/ بينيت | 6 | 22 | 16 |
القائمة المشتركة | 15 | 11 | 11 |
حريديم (شاس+ يهدوت هتوراه) | 16 | 14 | 14 |
ميرتس | 1+2+4 | 7 | 7 |
إسرائيل بيتنا/ليبرمان | 7 | 7 | 7 |
ديرخ إيرتس/ هاوزر | 2 | 0 | 0 |
حزب العمل (متحالف مع ميرتس) | 2 | 0 | 0 |
جيشر (متحالف مع ميرتس) | 1 | 0 | 0 |
إضافةً إلى هذه المعطيات، يقول الاستطلاع الأخير إن نتنياهو ما يزال الأكثر ملاءمة لرئاسة الحكومة بنسبة 29%، وهو بذلك خسر حوالى 15% عما كان عليه عشية الانتخابات الأخيرة، يليه ساعر بنسبة 16%، ثم بينيت 13%، ولبيد 10%، وأخيراً غانتس بنسبة 5%. هذه المؤشرات تدل على تراجع تأييد نتنياهو لصالح المنافس الجديد جدعون ساعر.
ماذا تعني هذه النتائج؟
1. إضافة إلى ما خسره نتنياهو من مقاعد خلال الأشهر الماضية لصالح نفتالي بينيت، فهو يخسر الآن مقعداً إضافياً لصالح ساعر، لكن بينيت خسر 6 مقاعد أيضاً لصالح ساعر. هذا يعني أن أصوات "الليكود" التي تسربت إلى بينيت خلال الأشهر الماضية، استدارت من جديد، وعاد جزء كبير منها إلى ساعر.
2. إنَّ هذه الصراعات الحاصلة داخل معسكر اليمين واليمين الفاشي، وتعزيز ظاهرة تقديس شخصية القائد وتعزيزها، هي صراعات لطالما ميَّزت الأنظمة اليمينية التي اتجهت نحو الفاشية، في لحظة كانت القوى الديموقراطية فيها مرتبكة ومشرذمة.
3. لم يتأثر الحريديم، وكذلك ميرتس وليبرمان ولبيد. أما غانتس، فهو خاسر أيضاً لصالح ساعر (4 أعضاء من 10 بموجب استطلاع 17/11)، وقد يكون هو الخاسر الأكبر مقارنة بما هو عليه الآن في الكنيست والحكومة، (بالمناسبة كل أعضاء "أزرق أبيض" وزراء أو نواب وزراء). إضافة إلى ذلك، كسب ساعر عضوين من حزب "ديرخ إيرتس"، انضما إلى ساعر، وهما يوعاز هندل وتسفي هاوزر. وقد صرح هندل بكل وضوح أن "المهمة الرئيسية اليوم هي استبدال نتنياهو من داخل اليمين؛ اليمين المؤسساتي الإيديولوجي، وليس اليمين الذي يقدس الشخص".
يذكر أن شخصيات سياسية سابقة ورؤساء بلديات سابقين وناشطين سياسيين، ممن يسمون أنفسهم "يساراً" أو "حمائم"، لم يجدوا لهم مكاناً في الخارطة الحزبية، ويسعون لتشكيل قائمة بديلة لحزب "العمل"، تستقطب مصوتين من اليهود والعرب. ويسعى آخرون إلى تشكيل قائمة عربية يهودية مبنية على مبدأ المساواة، فهل ينجح هؤلاء أو أولئك في الوصول إلى الكنيست في ظل هذه المتغيرات؟ علامة سؤال كبيرة تبقى ترافقهم حتى "يصير الفول في العدول".
دوافع المسيرة الجديدة؟
قد يكون أحد دوافع ساعر لاتخاذ خطوته هو التغير الذي حصل في أميركا. عندما سقط حليف نتنياهو الأكثر تطرفاً وجاء جو بايدن، توقع الكثيرون في "إسرائيل" أنه لن يتفق مع نتنياهو أو لن يثق به، ومن غير المتوقع أن يتعاون معه كما تعاون معه ترامب. وعليه، لا بدَّ، من وجهة نظر من يرون أنفسهم في الدولة العميقة، من استبدال الحصان، حتى ولو كان الشارع ما يزال يحمل نتنياهو على الأكتاف. وبما أن كل المحاولات السابقة لاستبدال نتنياهو من خارج "الليكود" باءت بالفشل، فلا بد من أن يأتي بديله من داخل "الليكود".
أما الدافع الآخر، فهو نتنياهو ذاته وعائلته، الذين يرون في رئاسة الحكومة ملكاً خاصاً له. في المقابل، يرى غالبية أصحاب الرأي أن نتنياهو يرى مصلحته الشخصية فوق كلّ اعتبار، وأنه يسخّر وظيفته الرسمية لمصلحته الشخصية، إضافة إلى أنه مخادع مع حلفائه، ولا يمكن الوثوق بوعوده أو بالاتفاقيات التي يوقع عليها، وهو متورط بثلاث تهم فساد كبرى وملفاته موجودة في المحاكم. وعليه، فقد وصل ساعر إلى قناعة بأن الانتصار على نتنياهو داخل "الليكود" مستحيل.
بالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أنّ هذه الخطوة لم تكن منفصلة عن مسيرة سابقة مستمرّة منذ سنوات؛ مسيرة الصراع على شكل الحكم ومضمونه، ففي حين يريد نتنياهو والمستوطنون تغيير قوانين أساسية في الكنيست بهدف السيطرة على الجهاز التشريعي والقضائي، وحتى جهاز الشرطة، ويريد المستوطنون المزيد من النفوذ في الجيش، وفي المقابل يسعى الحريديم للسيطرة على الحياة الاجتماعية، بفرض الأحكام الدينية حيثما يستطيعون، حتى على جمهور العلمانيين، يسعى الآخرون للحفاظ على أسس النظام الديموقراطي، وإن تلطخت هذه الديموقراطية، من وجهة نظرنا، بالتمييز العنصري وقمع الشعب الواقع تحت الاحتلال.
من هنا، نخلص إلى أن الصراع بين القوى الصهيونية قائم على 3 قضايا: شخص نتنياهو وما يمثله، نظام الحكم وسعي اليمين المتطرف لتغييره وللسيطرة التامة عليه، وعلاقة الدين بالدولة، والتي تتمثل بالصراع بين ليبرمان ولبيد وميرتس من ناحية، والحريديم من ناحية أخرى. وبناء عليها، يبني ساعر تحالفاته المستقبلية.
قد لا تكون لهذه الهزّة تأثير كبير في الخارطة الحزبية قريباً، ولكنها إذا ما نجحت في تحييد نتنياهو، فسيكون لها ارتدادات كبيرة داخل "الليكود"، ومن ثم على الخارطة الحزبية، وليس بالضرورة على ميزان القوى السياسي واستراتيجية الحركة الصهيونية في الشرق الأوسط. لنأخذ العبرة من الإجماع الصهيوني في تأييد "صفقة القرن" من خلال تأييد الاتفاقيات الإسرائيلية مع حكام الخليج والسودان.
من التداعيات السريعة لخطوة ساعر هي محاولة نتنياهو الآن لأن يتصالح مع غانتس، لمنع الذهاب إلى انتخابات قريبة، لعله خلال الأشهر القادمة يستطيع أن يدق الأسافين بين ساعر وحلفائه المحتملين، أو يستطيع أن يستعيد مكانته التي فقد جزءاً منها خلال الأشهر الماضية، فيقدم لغانتس اقتراحات مغرية، منها إقرار ميزانية الدولة لسنة 2020 و2021 قبل انتهاء الموعد في 23 الشهر الجاري، ولكن كيف يمكن ذلك اليوم بينما كان مستحيلاً قبل يومين؟ يتساءل المراقبون.
كما يقترح نتنياهو على غانتس أن تدوم حكومتهما 4 سنوات بدلاً من 3، على أن يدخل الأخير إلى رئاسة الحكومة في آذار/مارس 2022 بدلاً من تشرين الثاني/نوفمبر2021، ولكن من يضمن حصول ذلك، وخصوصاً أنّ ألاعيب نتنياهو أصبحت معروفة للقاصي والداني، وحلفاؤه الحاليون أكثر من يعرفها؟!
من الواضح أنّ انشقاق ساعر ودخول المجتمع السياسي الإسرائيلي في حلبة صراعات ومتغيرات جديدة، سيزيدان الضغط على نتنياهو من الداخل، أي من داخل "الليكود"، وهناك عدد من الإشارات إلى ذلك عبَّر عنها داني دانون، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة، وهو أحد الذين ينافسون على وراثة نتنياهو في رئاسة "الليكود"، وإن لم ينافسه لغاية الآن، حين قال مباشرة في أعقاب إعلان ساعر "إن الظرف يتطلب مراجعة ذاتية لما يحصل في الليكود".
أما على الصعيد الخارجي، فلا يتوقعَن أحد أن الحركة الصهيونية ستغير من استراتيجيتها في الشرق الأوسط، حتى وإن استبدل برأس نتنياهو رأس ساعر أو غيره. وما دام بعض العرب يهرول إلى التطبيع، وحتى التحالف مع "إسرائيل"، وما دامت الزعامة الفلسطينية تعلن عجزها عن مقاومة الاحتلال واستعدادها للتعاون معه ضد القوى المقاومة، فستبقى يد "إسرائيل" طويلة، وستبقى متمسكة باستعلائها وغطرستها حتى تحقيق حلم الحركة الصّهيونية في الهيمنة الكاملة على الشّرق الأوسط ومقدراته.