خطورة استمرار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا على إيران

عدم إنهاء النزاع بشكل نهائي، يخلق ثغرة أمنية مفتوحة في المنطقة التي تشكل بوابة إيران البرية نحو الشرق، وما تحمله هذه البوابة اقتصادياً واستراتيجياً لها.

  • خطورة استمرار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا على إيران
    عدم إنهاء النزاع بشكل نهائي في ناغورنو كاراباخ يخلق ثغرة أمنية مفتوحة لإيران 

يبدو أنَّ إمكانية التسوية السياسية للأزمة (الحرب) بين أذربيجان من جهة، وإقليم ناغورنو كاراباخ وأرمينيا من جهة أخرى، بدأت تتزايد وتصبح واردة، على الرغم من أن حدة المواجهة العسكرية ما زالت تحتفظ بالوتيرة نفسها من الشراسة، الأمر الذي لا يسمح لأي من الأطراف المتقاتلة بأن تخفض من جهتها مستوى قتالها لوحدها، وذلك خوفاً من استغلال كل طرف لهذا الأمر ميدانياً، بهدف اكتساب أراضٍ ومواقع عسكرية من الطرف الآخر.

صحيح أن المواجهة كانت قد اندلعت وتطورت، وارتفع مستوى حدتها بشكل متسارع وغير محسوب، ولكن مع تزايد خطر إمكانية تمددها إلى أبعد من أطرافها الأساسيين، برز مؤخراً الكثير من الأصوات الإقليمية والدولية الداعية إلى ضرورة وقفها فوراً، ما يوحي أو يؤشر إلى إمكانية ترجيح الحل السياسي لهذه الحرب العنيفة في جنوب القوقاز، والذي يمكن أن نحدده بنقطتين:

الأولى: مضمون الاتصال الهاتفي الذي حصل بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، وقول الأول إن إيران مستعدة لاتخاذ أي إجراء لحل النزاع في كاراباخ، ورد الثاني بأن أمن إيران من أمن أذربيجان، وبأنه لن يسمح لهذا النزاع بأن يؤدي إلى زعزعة الأمن في الدول المجاورة، إضافةً إلى ما أعلنته طهران الإثنين الماضي بأنها أعدت خطة مفصلة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، وأنها مستعدة لمناقشتها مع طرفي النزاع.

الثانية: مضمون تصريح رئيس وزراء أرمينيا بقوله إن "النزاعات في ناغورنو كاراباخ يجب أن تحل بناء على تنازلات متبادلة، وإن بلاده مستعدة لتقديم تنازلات في نزاعها مع أذربيجان حول هذا الإقليم، شرط وجود نية مماثلة لدى باكو"، والأهم أن الرئيس الأرميني حمّل الدعم التركي لأذربيجان مسؤولية تجدد المعارك في الإقليم وتسعير المواجهات.

انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن إمكانية الحل السياسي أصبحت واردة وبقوة، ولكن يبقى للمواقف الإيرانية بُعد مهم جداً، وخصوصاً في مضمون ما دعا إليه مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، بأن على أرمينيا الانسحاب من الأجزاء التي تحتلها من أذربيجان، إذ تعتبر هذه الدعوة بمثابة الموقف الأقوى والأكثر جرأة حول النزاع الذي يمكن أن يشكل حساسية كبيرة بالنسبة إلى أرمينيا، وخصوصاً أن العلاقة بينها وبين إيران هي علاقة ممتازة أساساً، فما الأسباب التي دفعت إيران إلى اتخاذ هذا الموقف الحساس؟ وأين تكمن خطورة استمرار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا على طهران؟ 

بمعزل عن تداعيات الحرب الحالية التي بدأت تأخذ منحى خطيراً عبر الاستهداف المتبادل للمدنيين لدى الطرفين، الأمر الذي ترفضه إيران من الباب الإنساني بشكل عام، فهناك تداعيات مباشرة عليها جراء استمرار هذه الحرب، ويمكن تحديدها بالتالي:

 

أولاً: في الموضوع الإسرائيلي 

هذه الحرب مهمة لـ"إسرائيل"، إذ إن تواجدها غير المباشر عبر طائراتها المسيرة التي قدمتها، وبكثافة غريبة، للجيش الآذري، يؤمن لها فرصة ميدانية واسعة للاستفادة الاستعلامية عن إيران، وخصوصاً شمالها المتاخم لأذربيجان أو إقليم كاراباخ.

ورغم أنه ليس بالضرورة أن تكون أذربيجان متواطئة مع "إسرائيل" في هذا الهدف (الاستعلامي ضد إيران)، لأن الأخيرة تمتلك القدرة العلمية والتقنية الكبيرة لإبقاء قدرتها على التحكم بتلك الطائرات وبما تحصل عليه من معلومات، بمعزل عن إدارتها من قبل غرفة عمليات الجيش الآذري، فإن هذا التواجد الاستعلامي الفاعل لـ"إسرائيل" في تلك المنطقة يشكل خطراً استراتيجياً كبيراً على الأمن القومي الإيراني. 

إن أي اقتراب إسرائيلي ميداني أو جوي من أراضي إيران، بطريقة مباشرة عبر الطائرات المسيرة، أو بطريقة غير مباشرة عبر مدربين أو خبراء لإدارة الأسلحة الإسرائيلية التي تباع للجيش الآذري، سيكون حتماً فرصة ثمينة لـ"إسرائيل" لتكوين قاعدة معلومات عن إيران، وخصوصاً المنطقة الشمالية، التي من الطبيعي أن تكون مجهزة بنظام دفاعي صاروخي وجوي إيراني. 

 

 ثانياً: في الموضوع الإرهابي 

تعطي طهران، كما موسكو أيضاً، أهمية كبرى لخطر المجموعات الإرهابية التي يتم نقلها (برعاية تركية طبعاً) إلى أذربيجان. وحيث المعارك الأكثر حدة تكون حالياً جنوب شرق إقليم ناغورنو كاراباخ (على تخوم مدينة جبرائيل)، أي على الحدود مع إيران، وتمركز هؤلاء الإرهابيين حالياً هو الأكثر تحشيداً في تلك المنطقة، فإن خطرهم على الداخل الإيراني مستقبلاً سيكون كبيراً، وخصوصاً أنه سيكون صعباً لاحقاً نقلهم إلى منطقة أخرى، حتى ولو انتهت الحرب، الأمر الذي سوف يتم استغلاله لاحقاً من قبل الأميركيين المعروفين بإدارة معركة الإرهاب عادة، كما حصل في العراق وسوريا، وذلك في عمليات إرهابية أو ربما ميدانية وعسكرية ضد إيران. 

 وحيث إن هؤلاء الإرهابيين ليسوا سوريين بشكل كامل، بل هم من جنسيات مختلفة، ومن مناطق ودول قريبة من بقعة المواجهة حالياً، أي من القوقاز أو الشيشان أو أفغانستان أو داغستان أو غيرها، كما أنهم خاضوا أشرس معاركهم في سوريا بمواجهة فصائل المقاومة القريبة من إيران، فإن إمكانية تطور معركة هؤلاء ضد إيران مستقبلاً واردة وبقوة، وطبعاً ستكون برعاية وتوجيه ودعم أميركي بشكل مؤكد. 

وهكذا تظهر خطورة استمرار الحرب الآذرية الأرمينية على إيران، إضافة إلى أن عدم إنهاء النزاع بشكل نهائي، يخلق ثغرة أمنية مفتوحة في المنطقة التي تشكل بوابة إيران البرية نحو الشرق، وما تحمله هذه البوابة اقتصادياً واستراتيجياً لها، فإن الأخيرة أصبحت ترى أن هناك ضرورة ملحة لإنهاء هذا النزاع، وأن عليها أن تؤدي دوراً توفيقياً بين كل من أذربيجان وتركيا من جهة، وناغورنو كاراباخ وأرمينيا من جهة أخرى.