إردوغان "يتودَّد" إلى ترامب بالأقنعة الطبية.. ما تخفيه الكمامات

قادة المعارضة يعتبرون أسلوب إردوغان في التودد إلى ترامب محاولة جديدة منه لكسب تأييده في مساعيه للحصول على مساعدات مالية أميركية أو دولية.

  • إردوغان "يتودَّد" إلى ترامب بالأقنعة الطبية.. ما تخفيه الكمامات
    خلال عمليّة تفريغ طائرة شحن عسكرية تركية مزودة بمستلزمات طبيّة لمكافحة كوفيد-19 في الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

بعد المعلومات التي تحدثت عن تأجيل تشغيل صواريخ أس-400 الروسية في تركيا، وهو ما كان مقرراً نهاية نيسان/أبريل الفائت، والتي قال المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إبراهيم كالين، إن سببه "هو وباء كورونا"، لم تتأخر أوساط المعارضة في الحديث عن مساعي أنقرة لكسب ود واشنطن بوسائل مختلفة، فقد أرسل الرئيس رجب طيب إردوغان طائرة عسكرية محمّلة بالكمامات والمستلزمات الطبية، "تعبيراً عن تضامنه مع الحليف والشريك الاستراتيجي أميركا في حربها ضد فيروس كورونا"، وهو ما أدى إلى انتقادات عنيفة من المعارضة التي استهزأت بقراره. 

وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري فائق أوزتراك: "الأقرباء أولى بالمعروف، فإردوغان الذي لم يغطِ احتياجات المستشفيات والكوادر الطبية التركية من الأقنعة والمستلزمات الطبية، وهو ما أدى إلى وفاة العديد من الأطباء، وإصابة أكثر من 7 آلاف منهم ومن الكوادر الطبية والعاملين في القطاع الصحي بفيروس كورونا، يتباهى الآن بمساعداته للآخرين، والمواطن التركي لا يجد حتى قناعاً واحداً في الأسواق".

واعتبر آوزتراك وقادة المعارضة الآخرون "أسلوب إردوغان هذا في التودد إلى الرئيس ترامب، محاولة جديدة منه لكسب تأييده في مساعيه للحصول على مساعدات مالية أميركية أو دولية، على الرغم من التغريدات والرسائل التي هدّده وأهانه فيها ترامب في العديد من المناسبات، ومنها إخلاء سبيل الراهب برونسون في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2018، والتهديدات التركية لكرد سوريا خلال العام الماضي". 

ولم تكن الكمامات وحدها وسيلة إردوغان لكسب ودّ ترامب مقابل تحدّياته الحالية والمحتملة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد انتهاء وباء كورونا، وخصوصاً في إدلب، وبعدها في شرق الفرات، وحيث الحشود التركية الكبيرة لمواجهة أي تحرك عسكري سوري وشيك، فقد أمر إردوغان، والقول للجنرال المتقاعد أحمد ياووز، بعدم تفعيل صواريخ أس-400، لامتصاص غضب واشنطن المستمر في هذا الموضوع، مع تسريب بعض المعلومات عن فتور في العلاقات التركية- الروسية، التي سبقت المعلومات التي تحدثت عن فتور بين موسكو ودمشق، وربما إرضاء للرئيس إردوغان.

وتزامن كل ذلك مع المعلومات التي تحدثت عن دعم تركي كبير للقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة السراج، وقيل إنها كانت عبر الأراضي التونسية، لتساعد هذه القوات في تحقيق انتصاراتها الأخيرة غرب العاصمة طرابلس.

وقد ساعدت هذه الانتصارات أنقرة في شنّ هجومها العنيف ضد أبو ظبي، التي ناشدها المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكسوي بلهجة تهديدية عنيفة، "بأن تلتزم حدودها في ليبيا واليمن والمنطقة، وتكفّ عن دعم الإرهاب والإرهابيين، بمن فيهم حركة الشباب الصومالية"، وهو ما ينذر بمواجهات دبلوماسية، وربما عسكرية، بين تركيا والإمارات في العديد من الساحات، وأهمها ليبيا واليمن، فقطر تقف مع الأولى، وكل من مصر والسعودية مع الثانية، فيما تسعى أنقرة لكسب واشنطن إلى جانبها ضد روسيا الآن في سوريا، وقريباً في ليبيا، وبعدها في الصومال؛ الساحة المرشحة لصراعات إقليمية جديدة، مع انعكاسات ذلك على القرن الأفريقي، بل وحتى التوتر بين كل من إثيوبيا ومصر في ما يتعلق بأزمة سد النهضة . 

واكتسب التوتر بين أنقرة والإمارات أهمية إضافية بسبب توقيته الزمني الذي جاء بعد شهر من الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع الرئيس الأسد في 27 آذار/مارس الماضي .

واعتبر الإعلام الموالي لإردوغان حينها أن هذا الاتصال محاولة من ابن زايد "لإقامة تحالفات إقليمية جديدة ضد تركيا، وعرقلة انتصاراتها العظيمة في الداخل والخارج، باسم الشعوب الإسلامية المظلومة".

وقامت أنقرة بعدها بحجب مواقع جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية التابعة للإمارات والسعودية، وهو ما فعلته الدولتان أيضاً، مع استمرار الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الموالية لإردوغان ضد ابن زايد، والتي "تحمله مسؤولية الدمار الذي لحق بالمنطقة، بالتآمر مع إسرائيل"، من دون أن يمنع ذلك الشركات الإماراتية من الاستمرار في نشاطها داخل تركيا، وهو ما بدأته بشكل موازٍ لتحالفات أبو ظبي مع أنقرة والدوحة والرياض ضد سوريا في بداية "الربيع العربي"، وحتى انقلاب السيسي الذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين في مصر.

وترى أوساط المعارضة في هذه المعطيات على صعيد السياسة الخارجية مؤشراً لمرحلة جديدة من التوترات المحتملة التي يريد لها الرئيس إردوغان أن تساعده لمواجهة سلبيات المرحلة القادمة بعد السيطرة على وباء كورونا، فقد أثقل الوباء كاهل الاقتصاد التركي بشكل خطير جداً، مع المعلومات التي تتوقع ركوداً اقتصادياً كبيراً بسبب إفلاس المئات من الشركات، وفقدان الملايين من العاملين في القطاع الخاص وظائفهم، مع أرقام خطيرة عن الواقع المالي بسبب الديون الداخلية والخارجية التي زادت على تريليون دولار .

ويبدو واضحاً أن الرئيس إردوغان لا يريد لها أن تكون حديث الناس مع تراجع شعبيته وشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد أثبت آخر استطلاع أجري الأسبوع الماضي أن أكثر من 52% من المواطنين الأتراك لن يصوتوا لإردوغان في حال إجراء انتخابات الرئاسة الآن، فيما تراجعت شعبية حزبه من 42.5% في انتخابات حزيران/يونيو 2018 إلى 34% الأسبوع الماضي.

كل ذلك مع اتهامات المعارضة لإردوغان بانتهاج سياسات فاشلة وخطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وخصوصاً في سوريا، التي اعتبرها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو سبباً رئيسياً لمجمل أزمات تركيا.

ولم يمنع كل ذلك الرئيس إردوغان من السير قدماً على طريق تحقيق طموحاته وتطبيق أجندته، السرية منها والعلنية، التي يتمنى لها أن تحيي ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية، التي تتطلب منه أن يتبنى كل الحركات الإسلامية في المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني، وسوريا في مقدمة هذه المناطق، التي دخل منها السلطان سليم إلى العالم العربي قبل 504 سنوات.

ويبدو أن هذه السنوات لم تكن كافية بالنسبة إلى إردوغان حتى يصحو من أحلامه، ويرى الواقع بالعين المجردة التي لا تريد أن ترى سوى "الحبيب الأول" أميركا. وقد قال سفيرها في أنقرة، ديفيد ساترفيلد، أمس: "كل شيء في علاقاتنا مع تركيا على ما يرام، وقاعدة أنجيرليك تعمل بشكل طبيعي"، متجاهلاً أن الرئيس إردوغان كان قد هدّد بإغلاق هذه القاعدة في حال استمرار الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية، التي سبق لأنقرة أن قالت عنها إنها مدعومة من الإمارات والسعودية أيضاً.

ويبقى الرهان على أولويات إردوغان الذي يبدو واضحاً أنه، وبفضل الواقع العربي، هو الذي سيختار الساحة التي يريد لها أن تكون حديث العالم مستقبلاً، ليساعده ذلك على تحقيق أهدافه في سوريا، وهي همه الوحيد، ومن دونها لن يتراجع عن أي من مشاريعه السياسية والاستراتيجية والتاريخية والعقائدية في المنطقة، بل العالم أجمع !