سيناريو أزمة استمرارية السلطة في أميركا وكابوس كورونا
ما العمل في ظل إصابة رأس المؤسسة الأميركية أو فرض الحجر الصحي عليه؟ ناهيك بإمكانية دخوله إلى العناية الفائقة؟ ومن سيتصدر القرار السياسي أو يتحكَّم بصنعه؟
أولويات المؤسّسة الأميركية الحاكمة مركّبة بطبيعتها، يتصدرها خطاب إعلامي يقفز ليحاكي مرحلة ما بعد انتهاء الفيروس وما ستؤول إليه الأوضاع العالمية، ويتكهّن إما بفوز الصين وإما باستعادة أميركا هيمنتها السابقة، بيد أن العنصر الآخر المغيّب عن التداول يتمحور حول قمة السلطة عينها، في ظلِّ أداء المؤسَّسة الباهت على الصعيدين الداخلي والعالمي، وكذلك مصير المنصب الرئاسي في حال فتك الفيروس برأس الهرم، ترامب ونائبه بينس، ومن سيتحكّم بصنع القرار- أفراداً ومؤسَّسات.
سنسلّط الضوء على الديناميكيات الداخلية والمتفاعلة مع المؤسسات المختلفة في بلورة القرار السياسي الرسمي، ومدى الاستعداد الجمعي للتحدي الفريد المتمثل بالفيروس، ولا سيما أنه "قد" يصيب أي فرد، مهما علا شأنه.
بعبارة أخرى، ما العمل في ظل إصابة رأس المؤسسة أو فرض الحجر الصحي عليه، ناهيك بإمكانية دخوله إلى العناية الفائقة؟ ومن سيتصدر القرار السياسي أو يتحكَّم بصنعه؟
علاقة الفيروس بالبديل القيادي
بداية، في حال تعرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه مايك بينس للإصابة بالفيروس، وخصوصاً أن البيت الأبيض لا يطبّق إجراءات "التباعد الجسدي والوقاية بارتداء الكمامات"، فالنصوص الدستورية الراهنة لا تنص على تراتبية سلسة لاستخلاف قمة الهرم، بل تسهب في تفصيل الشروط لاستبدال الرئيس في حال الوفاة، أو الاعتكاف، أو العجز عن القيام بمهامه، أو توفر موافقة أغلبية من وزراء حكومته بإقالته وتسليم المنصب لنائب الرئيس.
برزت تلك الفرضية إلى الصدارة بعد إصابة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالفيروس، ونقله إلى العناية المركّزة، ثم تسلم "نائبه الفعلي"، وزير الخارجية، لمهامه دستورياً، في ظل نصوص وأعراف قانونية مبهمة في البلاد حول شرعية الخلف.
إن مسألة تسلّم "مؤقت" للرئاسة تزداد تعقيداً في الولايات المتحدة، وتنذر بمعركة إضافية شرسة بين أقطاب المؤسسة كافة، وقد تستغرق فترة زمنية تمتد لبضعة أسابيع، وربما لأشهر، إلى أن يتم التوصل إلى صيغة توافقية يتقدم فيها الفراغ السياسي على أي اعتبارات أخرى.
النصوص الدستورية الراهنة تحدد التسلسل كنتيجة لحدث منفرد، وفاة أو إقالة، وليس جراء انتشار وباء قد يصيب قادة البلاد بالشلل الجماعي والعجز عن توفير الخدمات والأمن.
التسلسل الهرمي لشغل منصب الرئيس الشاغر يبدأ بمنصب الرئيس ثم نائبه، تليه رئيسة مجلس النواب – نانسي بيلوسي. وفي نهاية التسلسل، يأتي الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ تشاك غراسلي (بصفة دستورية كبديل لنائب الرئيس لترؤس جلسات المجلس وإدارة شؤون السلطة التشريعية حينئذ).
من ضمن الخيارات البديلة لرأس السلطة، تبرز مسألة إقالة الرئيس لعدم أهليته، والتي شغلت الأوساط السياسية خلال جلسات المحاكمة لعزله، وترافقها تحديات جديدة، أهمها الفترة الزمنية المنصوص عليها بالدستور، 21 يوماً، التي تُمنح للرئيس للدفاع عن نفسه، ما سيعطل الحركة القيادية برمتها.
في حال توجيه تهمة عدم الكفاءة إلى الرئيس والطلب بإزاحته، سيزداد منسوب التحدي لناحية عدم استطاعة عدد كافٍ من النواب حضور الجلسات للتصويت، وربما لإصابة بعضهم أيضاً، وما سينشأ عنه من تعطيل إضافي للحياة السياسية.
الفراغ الناشئ عن غياب الرئيس ونائبه معاً بسبب تداعيات الوضع الصحي، قد يدفع رئيسة مجلس النواب، وفق التسلسل القيادي دستورياً، إلى إعلان تسلمها مهام الرئيس، مسلّحة بالصلاحيات الدستورية، ومن ثم سيتسنى لها "إقالة" الرئيس ترامب، الخيار المفضل لكبار قادة الحزب الديموقراطي، عقب فشلهم في إدارة إزاحته خلال المرحلة السابقة.
عند هذا المفصل، ستحتاج رئيسة المجلس إلى مساندة معظم وزراء إدارته، الثلثين، للمضي قدماً في استكمال الشروط الدستورية، وما ستقدم لهم من تنازلات، مقابل الموافقة على استمرار إدارة أعمال الدولة.
وفي حال فتك الفيروس بنائب الرئيس مايك بينس وغاب عن المشهد، فمن العسير على المؤسسة المضي بإزاحة الرئيس، إذ إن لديه الصلاحية التامة لتعيين نائب له من اختياره.
أما في غياب بينس، بالتزامن مع شغور منصب الرئيس، لعدة اعتبارات، يصبح من حق رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تسلم مهام رأس السلطة السياسية، وما سيتعين على تلك الفرضية من اشتداد وتجدد في الصراع الحزبي، والغموض المرافق لجولة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولكن تلك الفرضيات والاحتمالات، فضلاً عن احتمالات أخرى لم يجرِ التطرق إليها، ستكون عرضة لحسم المحكمة العليا التي سيلجأ إليها حتماً الخصوم الجمهوريون، وقرارها النهائي نافذ، وسيعكس موازين القوى في داخلها، والتي تميل بغالبيتها لصالح التيار المحافظ في الحزب الجمهوري.
نظراً إلى تقدم رئيسة مجلس النواب (80 عاماً) والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ (86 عاماً) في السن، تتعاظم فرضية غيابهما عن المسرح أيضاً، الأمر الذي يعيدنا إلى "الخيار العسكري"، بتعزيز دور القيادات البديلة، والبدء بإجراءات انعزالها عن التواصل اليومي، وتحصينها من الإصابة بالفيروس في قبو عميق داخل جبل في ولاية كولورادو، والذي سنمر عليه بالتفصيل.
الخيار العسكري
الحل "الاستراتيجي" استنبطته المؤسَّسة الحاكمة من تراث خبرتها في إدارة الحرب الباردة، وإعدادها لكيفية التأقلم مع هجوم نووي (سوفياتي) يشل مرافق الحياة.
أُحيل قرار إدارة الشؤون اليومية، في حال حدوث شلل يصيب قادة المؤسسة الحاكمة، إلى فرع "القيادة الشمالية" في القوات المركزية – "نورث كوم"، بقرار من الرئيس ترامب، والتي تلقت أوامرها بالتحرك للإعداد للمرحلة التالية في الأول من شهر شباط/فبراير الماضي، بقرار من وزير الدفاع مارك أسبر.
أبرز محطات خطة الإعداد، وفق الوثائق والتصريحات الرسمية، ترمي إلى انعزال كبار القادة العسكريين عن التواصل العادي مع بقية أركان السلطة، لضمان سلامتهم من الإصابة بفيروس كورونا، ووضعهم في قبو بعمق 600 متر تحت الأرض في جبل شايان في ولاية كولورادو، والذي أنشئ إبان الحرب الباردة لتلقي هجوم وتفجير نووي بقوة 30 ألف طن في أعماق سلسلة جبال الروكي.
من المرجح أن ينضم بعض كبار القادة السياسيين، نائب الرئيس وقيادات الكونغرس وطواقم كبار المساعدين، إلى مجموعة الانعزال في الوقت المناسب، لتعزيز إجراءات "الدفاع عن الوطن على الرغم من تفشي الوباء"، كما أفصح رئيس هيئة "نورث كوم" ورئيس قيادة قوات الدفاع الفضائية أيضاً الجنرال تيرينس أوشاونسي.
في ظلّ الإجراءات الاستثنائية المشار إليها، سيتسلَّم الجنرال أوشاونسي مهام إدارة الأجهزة الرسمية المختلفة، السياسية والعسكرية والاستخباراتية، ومن ضمنها صلاحية نشر قوات عسكرية ربما تتبع الحرس الوطني في مناطق التوتر والاضطرابات المتوقعة والمرئية نتيجة الشلل السياسي العام.
غني عن القول أن فصل الرئيس عن نائبه وعدم تواجدهما في مكان واحد هو أحد ترتيبات القيادة العسكرية "نورث كوم"، ما يعزز فرضية انتقال نائب الرئيس إلى القبو النووي طيلة المدة المطلوبة، وبقاء الرئيس ترامب في منطقة محصنة جيداً قرب واشنطن العاصمة.
ومع توارد الأنباء عن ازدياد مطّرد في عدد الإصابات بين القوات العسكرية الأميركية، ولا سيما بين عناصر 4 حاملات طائرات (روزفلت، كارل فينسون، شيستر نيميتز، ورونالد ريغان)، وعدم التيقن طبياً من فعالية الأدوية والعقاقير المتوفرة، ناهيك بشح وجودها بكميات كافية في الأسواق المحلية، فإن ذلك سيفرض على القيادات العسكرية الأميركية مراجعة حساباتها لمضاعفة منسوب التوتر مع الصين في بحر الصين الجنوبي في المرحلة القريبة المقبلة، وكذلك الأمر في تباعد احتمالات توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران.
هذا لا يعني بالطبع أن الرغبة الأميركية لتهميش الخصوم، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، تتراجع في سلم الأولويات، بل إن المتغيرات والتطورات الراهنة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، ستعيد جدولة المهام العسكرية بالدرجة الأولى، وما قد يواكبها من بعض التلميحات بالتهدئة، كما أُعلن مؤخراً عن وقف لإطلاق النار لمدة أسبوعين في اليمن، والذي لم يعش للبناء عليه من نتائج وخطوات مقبلة.