غاز شرقيّ المتوسّط.. هل ينقذ لبنان من أزمته؟

نقطة ضوءٍ يرتقبها لبنان، وهي تتمثَّل باكتشافاتٍ لمخزوناتٍ من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية، فما مدى قُدرة ذلك على النهوض بالبلاد وهل يُبالِغ اللبنانيون بتلك الآمال؟

  • غاز شرقيّ المتوسّط.. هل ينقذ لبنان من أزمته؟
    مجموعة من التهديدات تلوح في أفق المشروع اللبناني الطموح قد تُعيق وصول خيراته إلى اللبنانيين

أزمة لبنان المُتفاقِمة هذه الأيام تتشعَّب لتمتد من الاقتصاد والسياسة إلى المال والنقد، وصولاً إلى تحذيراتٍ من انفجارٍ اجتماعي، وسط جهودٍ حكومية وسياسية لِمَنْعِ الوصول إلى نقطة اللاعودة والمُخاطَرة بمستقبل البلاد. لكن تبقى نقطة ضوءٍ يرتقبها الجميع هناك، وهي تتمثَّل باكتشافاتٍ لمخزوناتٍ من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية اللبنانية، فما مدى قُدرة ذلك على النهوض بالبلاد وهل يُبالِغ اللبنانيون بتلك الآمال؟

اكتشافات الغاز الطبيعي التي تحقَّقت للبنان في السنوات الأخيرة (من خلال المَسْح عن بُعد) والتي ترجع إرهاصات البحث فيها إلى ما قبل الحرب الأهلية فيه، ربما تًشكِّل الضوء الأكثر سطوعاً في حال البلاد القاتِمة هذه الأيام. تقديراتٌ تقول إن لبنان سيغدو دولةً نفطية خلال سنواتٍ قليلة، لكن حجم الإشكاليات المُتنوِّعة التي تعيشها الدولة العربية الصغيرة في شرق المتوسّط تُرخي بظلالها على آمال استخراج الثروة المُنْتَظَرة.

لا يتّفق خبيران في لبنان على رقمٍ موحَّدٍ لعائِدات قطاع الغاز اللبناني بعد استخراجه. أولى الشركات الفائِزة بالمُناقَصة الأولى (توتال الفرنسية) بدأت في الأسبوع الأخير من شباط-فبراير الحفر الاستكشافي. هذا يضع البلاد على مسار الإنتاج إذا سار كل شيء على ما يُرام. الخطوات بالتوالي ستكون حفراً استكشافياً لمخزوناتٍ تجاريةٍ من الغاز، وتحليل المعلومات عن كل عملية حفر تتم، ثم حفر مرة بعد أخرى حتى اكتشاف مخزون تجاري، ثم بعد تحقّق الأمر واقعاً، البدء بمسار تركيب معدَّات الاستخراج والإنتاج، ثم تقرير وجهة الاستخدام. ووفق هذا المسار فإن أسرع سيناريو ممكن لبدء الإنتاج سيكون في نهاية عام 2026.

لكن مجموعة من التهديدات تلوح في أفق المشروع اللبناني الطموح، قد تُعيق وصول خيراته إلى بيوت اللبنانيين. أول هذه التهديدات يرتبط بحجم الأزمات الحالية في البلاد وصعوبة خروجها منها من دون تغيير النموذج الاقتصادي (نظام يقوم على الاستدانة وتثبيت سعر الصرف الرسمي والفوائد المصرفية العالية)، حتى لو حصلت على تدفّقاتٍ ماليةٍ جديدةٍ من عائِدات الغاز. فالبلاد ترزح تحت دَينٍ بقيمة حوالى 90 مليار دولار، مع فوائد واستحقاقات سنوية، وعجزٍ في الميزان التجاري يُقارِب 17 مليار دولار (تراجع قليلاً خلال العام 2019).

التهديد الثاني للآمال المعقودة على قطاع الطاقة اللبناني هو الفساد السياسي الذي قد يُطيح بأية ثروة وطنية مُتوقَّعة، إذا لم تتم عملية إصلاحٍ حقيقي يُخرِج البلاد من المُحاصَصة في قطاعات الدولة ومكاسبها، والذهاب نحو دولة مؤسَّسات حقيقية تقيس وَقْع سياساتها وإنفاقها على القطاعات المختلفة.

أما التهديد الثالث، فهو غياب التخطيط على المستوى الرسمي، وبالتالي فإن أيّ جهد أو تدفّق مالي قد يتم هَدْره من جرَّاء فوضى السياسات العامة، أو من خلال رداءة الإدارة الرسمية، خصوصاً وأن البلاد لم تنشء وزارةً للتخطيط، وهي لا تعطي أهمية للهيئات التي تُعنى بالتخطيط والتفكير وإعطاء الآراء، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يُعتَبر في دولٍ أخرى عديدة من العالم مؤسّسةً أساسية ترسم السياسات العامة البعيدة للدولة، وتحقّق التناغُم والانسجام بين توجّهاتها المختلفة، وتُقيس وَقْع سياساتها على المواطنين، وتأخذ آراء هؤلاء المواطنين بالسياسات وتُعيد نقلها إلى أصحاب القرار.

ترافق هذه التهديدات، تهديدات أخرى مُرتبطة بتغيّر بيئة الاقتصاد الدولي، وتغيّرات بنية رأس المال، وتحوّلها باتجاه "رأس المال البشري". وبالتالي فإن الدول التي كانت تعتمد على الطاقة كدافعٍ أساسي لاقتصادها، هي اليوم تعود من هذا الخيار لتُقلّص اعتمادها على قطاع الطاقة، وتوسيع خياراتها المستقبلية.

ويبقى التهديد الأكثر خطورةً، ذلك الذي يُمثّله الكيان الإسرائيلي الذي يشترك مع لبنان بالحدود البحرية، حيث تتداخل الخزَّانات الغازية الجوفية تحت البحر بين لبنان وفلسطين المُحتلة. وهو تهديدٌ يبرز الحاجة إلى نموذجٍ لبناني فريدٍ من المواجهة يقوم على السَيْر بالمشروع الغازي من جهة، وحمايته بالمقاومة والدولة من جهةٍ ثانية، صوناً لحقوق اللبنانيين في ثرواتهم.