معادلة توحيد الجبهات تترسّخ... إسرائيل أكثر قلقاً
هاجِس إسرائيل الخفّي بالتحليق في سماء لبنان ربما يُفسِّر حقيقة ما كشف عنه مسؤول سوري لقناة الميادين بعد ساعات قليلة من إسقاط المُسيَّرة الإسرائيلية في الجنوب اللبناني على يد المقاومة، عن تعرّض سوريا لعدوانٍ إسرائيلي عبر الأجواء الأردنية بالتنسيق مع القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف على الحدود مع سوريا.
في أقل من أسبوع، توجِّه المقاومة اللبنانية مرة أخرى صفعة جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يستعدّ لانتخاباتٍ مصيريةٍ في وقتٍ يهدّده القضاء الإسرائيلي بالمُلاحقة على خلفيّة الفساد المُتورِّط فيه.
ومرة أخرى، تُفاجىء المقاومة أنصارها قبل عدوّها بقُدرتها على امتلاك ردعٍ جويّ، وتوظيفه في قواعد "الردع المُشترك" من دون المزيد من التفاصيل حول طبيعة ونوعية الأسلحة التي أضحت بحوزتها في هذا المجال.
لم يكن وَقْع خبر إسقاط حزب الله للطائرة المُسيَّرة الإسرائيلية قوياً على وسائل الإعلام العالمية بقدر ما كان قوياً على وِقْع القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل. ومَن يتابع النقاش السياسي الداخلي في إسرائيل يُدرِك حجم القلق من تبدّل قواعد الاشتباك.
إسقاط الطائرة المُسيَّرة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية دليل واضح على المستوى الذي بلغته المقاومة في المجال الجوي. فإثبات المقاومة امتلاكها أسلحة قادِرة على إسقاط طائرات حربية مُسيَّرة لا يمنع من فرضية امتلاكها أسلحة قادِرة على إسقاط الطائرات الحربية ذات الوزن الثقيل، خاصة أن التكتّم المقصود لحزب الله على نوعية السلاح الذي استُعمِل في إسقاط الطائرة المُسيَّرة التي أضحت بحوزة الأجهزة المُختّصة لتفكيكها يهدف إلى إرباك إسرائيل أكثر وعدم منحها معلومات عسكرية عن قدرات المقاومة وجهوزيتها، تبذل كل جهدها لمعرفتها عبر عملائها وطُرُق تجسّسها المُتنوّعة.
والأرجح في ظلّ هذا الوضع أن إسرائيل لم يعد بإمكانها التحليق في الأجواء اللبنانية أو شنّ عدوان عسكري بطائراتها على سوريا انطلاقاً من أجوائه من دون الأخذ بفرضيّة إمكانية تعرّضها ومَن فيها للسقوط والأسْر.
هذا الهاجِس الخفّي ربما يُفسِّر لنا حقيقة ما كشف عنه مسؤول سوري لقناة الميادين بعد ساعات قليلة من إسقاط المُسيَّرة الإسرائيلية في الجنوب اللبناني على يد المقاومة، عن تعرّض سوريا لعدوانٍ إسرائيلي عبر الأجواء الأردنية بالتنسيق مع القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف على الحدود مع سوريا.
ربما هي المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى استخدام أجواء دولة عربية للعدوان على سوريا. وهي سابقة خطيرة، لا يمكن التعليق عليها من دون اتّضاح حقيقة ما حصل.
على أية حال، أضحت الأجواء اللبنانية مُقفَلة أمام الطائرات الإسرائيلية وهي أكثر منعة من سماء دول عربية أخرى، تسرح وتمرح فيها الطائرات الإسرائيلية، إما بالعبور أو التدريب أو التنصّت وجَمْع المعلومات حول المنطقة.
ولعلّ من مُقتضيات التطوّرات الإقليمية، وإذا ما أمعنا النظر في تواريخ الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والعراق وغزَّة وطبيعة أهدافها خلال السنوات القليلة، نجد أن جبهات ما يُعرَف بمحور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق فسوريا فلبنان وصولاً إلى غزَّة أضحت جبهة واحدة عملياً في وجه إسرائيل. فالظروف فرضت ذلك على قوى المقاومة أكثر من أن تكون رغبة أساسية عند أعضائها.
من هنا، فإن احتمالية شنّ إسرائيل عدواناً على لبنان، رداً على ردع حزب الله لها، تضعف يوماً بعد آخر، لأن الإسرائيليين باتوا على قناعةٍ تامةٍ بأن أيّ اعتداء على لبنان لن يترك للاحتلال فرصة لالتقاط أنفاسه على جبهاتٍ أخرى سواء كان على الجبهة السورية أو على الجبهة الفلسطينية.
الفلسطينيون من ناحيتهم مُستفيدون من توحيد الجبهات، وهي تمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس بعد أن كانت تستفرد بهم إسرائيل على مدى عقودٍ سابقة. والحرب على لبنان تصبح بعيدة الاحتمال لأن إسرائيل تعرف أن الرد سيكون أكبر من قدرتها على الاستيعاب في الجبهة الداخلية. أما السوريون، فلديهم جردة حساب طويلة مع الإسرائيليين الذين كثّفوا من اعتداءاتهم على الأراضي السورية.
المسيّرة الإسرائيلية الأولى سقطت، ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، وإن لم يكن الحزب مُضطراً إلى إسقاط كل طائرة تعتدي على الأجواء اللبنانية.
ولا يُعرف عن طبيعة السلاح الذي استعمله الحزب شيئاً، والأرجح أنه يملك أسلحة أعلى قدرة وأكثر دقّة وتصويباً. وهكذا يكون لبنان قد دخل مرحلة جديدة في المواجهة مع الاحتلال كما أدخلت قوى المقاومة قواعد جديدة على الصراع.
حاولت إسرائيل استفزاز المقاومة والنَيْل من سيادة لبنان واستقلاله بشكلٍ مستمر. ولم تترك مجالاً أمام المقاومة إلا أن ترّد بما تملك للحفاظ على السيادة. الردع هو الضمانة الوحيدة في حماية لبنان من شبح حرب مقبلة عليه، فهل تُعيد إسرائيل حساباتها؟