لماذا يتجسّس ابن سلمان و"إسرائيل" على غسّان بن جدو؟
عصابة ذئاب الليل في الشركات الخاصة للاستخبارات الغربية تدخل إلى غرف النوم التي تستهويها، لكن هوس ابن سلمان وابن زايد و"إسرائيل" الذي مسّ شبكة صيد واسعة خصّ الإعلام والصحافيين الأحرار.
بقدرة قادر، تكشف مؤسسة "فوربيدن ستوريز" المغمورة في فرنسا، على لسان مديرتها لوران ريشار (الاسم الفرنسي يوحي باسم مذكّر)، عن تجسّس إسرائيلي على هواتف موالية ومعادية، من بينها هواتف 180 إعلامياً في أكثر من 50 دولة، لمصلحة ابن سلمان وابن زايد وغيرهما.
التسريبات التي عرضت بعضها صحيفة "لوموند" الفرنسية ونقلها الإعلام في لبنان، تذكر أسماء سياسيين ومسؤولين عديدين. ومن بين الإعلاميين، تخصّ غسان بن جدو وإبراهيم الأمين.
إعلام المقاومة الإنسانية الأممية
لا ريب في أن اللائحة المسرّبة حالياً هي مجرّد عيّنة أولية عن مئات الأسماء في لبنان، وربما أكثر. وقد تشمل كل الصحافيين وكل إعلاميي المقاومة ورافضي الغطرسة الأميركية والغربية والاحتلال الإسرائيلي والعدوان السعودي - الإماراتي على اليمن وفلسطين.
ثلاثي محور الحرب، الإسرائيلي - السعودي - الإماراتي، يجنّد في معركة التجسّس الأمنية (إضافة إلى عملاء الاستخبارات والأجهزة الأمنية) أكثر من ألف عميل في شركة "إن إس أو" منذ العام 2016، بينهم حوالى 200 صحافي.
ربما تستوقف بعضهم في تقاريرهم الاستخبارية، جريدة "الأخبار" بخطابها الداعم للمقاومة في بيئة اليسار العربي، وقناة "الميادين" التي شبّت عن التقوقع المحلي والإقليمي إلى مهنية إعلامية تمتد باتجاه مقاومة عالم الجنوب الأرحب. مهندس هذا المسار وربّان السفينة بشعار "مع الإنسان في كل مكان"، يُقلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المقام الأوّل، والتي تُطلق أيديها الاستخبارات الأميركية والغربية في أميركا اللاتينية وأفريقيا السمراء، فتسرح وتمرح بسردية الخرافات الأسطورية بين الناس الطيّبين.
ولعلّ أكثر ما يحبط التضليل والتلاعب بالعقول، المقاربة التي تعمل عليها "الميادين" بمهنية إعلامية ملتزمة في الخبر والتغطية والحوار وقراءة الأحداث والبرامج... لتقديم رواية تاريخية وثقافية إنسانية عقلانية.
شريكا "إسرائيل" في تحالف الحرب، ابن سلمان وابن زايد، المصابان بعصاب الرهاب المرضي، تقلقهما "الميادين" بتوجّهها فوق الاصطفافات البينية والاحتراب الداخلي، من أجل تحصين الجامع الوطني والقومي المشترك الذي ينمو على تبديده ابن سلمان وابن زايد في نفخ أوار حرب داحس والغبراء العرقية والمذهبية.
ثبات "الميادين" بعزيمة وأناة الصبر الاستراتيجي لإرساء مدرسة الحقيقة في الإعلام المهني الملتزم، يقضّ مضاجع العصاب النرجسي في الرياض وأبو ظبي، والذي توهّم لوهلة، تحت مظلّة ترامب ونتنياهو، أنه صار من الشواهين.
توسّع "الميادين" فاقم مأزقهم وكشف عن أياديهم الملطّخة بدماء الأطفال والأبرياء في اليمن وفلسطين، بمخاطبة قلوب العالم وعقولهم بلغة الضمير الإنساني ولسان اللغة العربية والإسبانية والإنكليزية الذي يخترق قبَب التوحّش الفولاذية.
عصابة ذئاب الليل تشوبها تباينات افتراس الضحايا
كيف استطاعت مؤسسة لوران ريشار الصغيرة في عالم الاستقصاء الإداري الكشف عن لائحة مستهدفين بالبرنامج الإسرائيلي "بيغاسوس" منذ العام 2016؟ ولماذا تحرّك على الأثر النائب العام الفرنسي ومنظمة "هيومن رايس ووتش" وتحالف 17 مؤسسة إعلامية من المرجح أن تتضاعف أعدادها؟
على الأرجح أنَّ جهات حكومية فرنسية وأميركية في وكالات الاستخبارات تشعر بوصول الموس إلى لحاها، إذ تتخطى شركة "إن إس أو" الإسرائيلية الخطوط العامة المتفق عليها بين الإدارات الغربية والشركات الخاصة التابعة لها.
يبدو أنَّ "إن إس أو" طفحت في اتفاقياتها مع ابن سلمان وابن زايد وغيرهما (المغرب مثلاً) عن الجامع المشترَك في ما يسمى "مكافحة الإرهاب"، والذي ترسم توجهاته الإدارات السياسية، وتوكل خطوطه العريضة إلى وكالات الاستخبارات والشركات الخاصة، ومن بينها "إن إس أو" الإسرائيلية.
كل وكالات الاستخبارات الحكومية الغربية باتت تعتمد منذ عقدين على خصخصة الدولة والأمن (بلاك ووتر) والاستخبارات أيضاً، بحسب النموذج الأميركي. شركات المعلوماتية والاستخبارية الخاصة التي تعمل لمصلحة شركات الاستثمار المتعددة الجنسية، تعمل كذلك مع وكالات الاستخبارات الحكومية بدعم من الإدارات الحكومية، وتبزّها أحياناً بالكفاءة والخبرة التقنية.
شركة "ويست بريدج"، الذراع الأميركية لشركة "إن إس أو"، فلحت مع "سي آي إي" في البيت الأبيض والكونغرس بدعم من ترامب وكوشنر، وتشاركت مع شركة الأسهم الأميركية الخاصة "فرانسيسكو بارتزز مانجمنت". اتهمت سويسرا استخبارات "سي آي إي" واستخبارات ألمانيا "بي إن دي"، بالاستيلاء على شركة "كريبتو إي جي" السويسرية وشركة "أومنيسك" الأخرى.
لم تظهر الاختلافات الكثيرة على السّطح، على الرغم من الدلائل والفضائح الأسبوعية، فحلّها الأخوي يجري داخل العائلة الواحدة، لكنّ اتهام الشركة الإسرائيلية باحتمال اختراق هاتف ماكرون وحكومته السابقة والحالية، يدق باب الخطر، وكذلك اتهام "ويتي ويب" باختراق "لوكهيد مارتن" وعدد من الأجهزة العسكرية الأمنية الأميركية لمصلحة "إسرائيل"، بالتعاون مع عملاء سابقين أميركيين وإسرائيليين.
من غير المحتمل أن تصل الحكومات الأميركية والغربية إلى معاقبة "إسرائيل" أو محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في العائلة الواحدة، وليس بالضرورة أن تكون التسريبات في لبنان والمنطقة العربية موجّهة ضد "إسرائيل" والسعودية وأبو ظبي، فالدول الغربية معنية بالموافقة على عمليات الموساد "لحفظ أمن إسرائيل".
قد تكون بعض أهداف التسريب تخويف بعض السياسيين وإسكات صوت بعض الإعلاميين. في كلِّ الأحوال، لم يحرّك غسان بن جدو دافع عرَضي طارئ لهندسة مدرسة "الميادين" الإعلامية، ولن يدفعه إنذار أو تلويح بتهديد إلى تغيير قيْد أنملة عما هو عليه، منتمياً إلى مبادئ وقناعات جُبل عليها مع الحليب وشبّ في تجربة الحياة، لكن عصابة ذئاب الليل تهاجم فريستها في العتمة الكالحة. وقد تخيفها شمعة نور أو نبرة صوت لا يرتعش من أشباح الظلام.