لماذا تسعى السّعودية للتفجير في لبنان؟

أميركا والدول الغربية الساعية لتعطيل فعالية المقاومة تراهن على الحرب السياسية والاقتصادية للاستيلاء على قرار السلطة المقبلَة، لكن السعودية لا ترى الأمر ممكناً ما لم يسبقه تفجير أمني طائفي.

  • ابن سلمان لا يرى
    ابن سلمان لا يرى "السيناريو" الأميركي في لبنان ممكناً على المدى القريب الذي تحتاجه السعودية للملمة اندحارها في اليمن والمحافظة على "هيبتها".

القشّة التي قصمت ظهر البعير السعودي، أضافها جورج قرداحي بفضح عورة جحافل من الإعلاميين والسياسيين ورجال الدين و"المثقفين"... الذين يسبّحون بمكرمة العطاءات السعودية- الإماراتية على السمع والإذعان لرنين الدنانير.

بكلمة رجل حرّ الضمير، زعزع جورج قرداحي جبلاً هشاً من التزييف وأضاليل الانحطاط الإعلامي والثقافي الذي اعتمدته السعودية لهندمَة جرائمها في اليمن والمنطقة، لكن السعودية رأت الرأي الحرّ صاروخاً يعزّز سواعد الجيش واللجان لهزيمة العدوان، ويدعم رؤية حزب الله الذي تراه العقل المدبّر لدحر عرش الطغيان.

تباين ابن سلمان وبايدن

الرئيس الأميركي يتخذ في استراتيجية التخريب والهيمنة "المسار الديمقراطي" سلاحاً ماضياً لتدمير الدول والمجتمعات، عبر فرض وصاية سياسية على "سلطة منتخبَة" تسخّر المؤسسات التنفيذية لمواجهة المقاومة، وتنحو إلى "السلام" مع "إسرائيل" تحت إشراف الدول الغربية ومؤسساتها.

وفي هذا السياق، تراهن الإدارة الأميركية وإدارة ماكرون على الانتخابات اللبنانية للاستيلاء على قرارات مجلس النواب ورئاسة الجمهورية والحكومة بالانخراط في الحرب الأميركية ضد المقاومة، اعتماداً على دعم وصول الأتباع من السياسيين المستلَبين والمنظمات غير الحكومية إلى السلطة المقبلَة "لتحرير الدولة من الاحتلال الإيراني".

هذا السيناريو "الديمقراطي" الأميركي - الفرنسي يتباين مع عقلية ابن سلمان الذي لا يزال يعوّل على عودة ترامب وإعادة "أقصى العقوبات" والمواجهة الأمنية المباشرة عبر الوكلاء، لتشييد إمبراطورية إسرائيلية تجرّ بمعيّتها الأفخاذ وأبناء العمومة في الخليج.

ابن سلمان لا يرى "السيناريو" الأميركي في لبنان ممكناً على المدى القريب الذي تحتاجه السعودية للملمة اندحارها في اليمن والمحافظة على "هيبتها" في المنطقة، فهو متيقّن بتجربته منذ رعاية "اتفاق الطائف" في العام 1989 من أن السلطة في لبنان، أياً كان داعموها، تبقى أسيرة معادلات وتوازنات سياسية وطائفية داخلية. فضلاً عن ذلك، يمتدّ أفق المراهنة الأميركية - الفرنسية إلى المديين المتوسّط والبعيد، بموازاة عملية طويلة لتكريس فعالية السلاح الاقتصادي تحت وصاية البنك الدولي ومؤسسات "الدول المانحة".

ولا يملك ابن سلمان نعمة الوقت لفك الحبل المشدود على خناق السعودية في اليمن. وما يؤرّقه في لبنان على المدى القريب، هو غروب شمس السعودية عن بلد بات "الاستثمار فيه غير مجدٍ"، بحسب تعبير ابن فرحان، فحين تُمسك أميركا وفرنسا الأمور بيدها مباشرة، لا تسلّم شرف الوكالة للسعودية.

السعودية التي ظلّت تعضّ على جرح "عدم جدوى الاستثمار" باستمرار دعم جماعاتها (الحريري، جنبلاط، شتات 14 آذار...)، قلبت ظهر المجنّ مع دخول إيمانويل ماكرون إلى لبنان بدعم أميركي وأوروبي إثر جريمة انفجار المرفأ. على طريق "المسار الديمقراطي" الذي تأخذ به إدارات بايدن وماكرون، تلجأ مؤسّسات الدول الغربية إلى المنظمات غير الحكومية، وإلى توظيف القضاء اللبناني لخوض معركة سياسية بتحميل حزب الله أوزار الدولة- المزرعة المهترئة.

على خلاف هذا المسار، جهدَ ابن سلمان لإغراق لبنان بالفوضى، بمنع تأليف حكومة سعد الحريري ورفع الغطاء عن حكومة نجيب ميقاتي، فسحب البساط من الجماعات السعودية التقليدية، مصوّباً على المقاربة الأميركية – الفرنسية، لكنه نقل "الاستثمار" إلى الميليشيات الفاشية (سمير جعجع، الجماعات الوهابية المسلّحة...)، أملاً بتفجيرات أمنية وطائفية، لإغراق المقاومة في المستنقع اللبناني. وفي هذا الإطار، يخطّ ابن سلمان طريقه مع "إسرائيل" والإمارات للمشاغبة على إدارة بايدن في السودان بدعم الانقلاب العسكري. وقد تمتد المشاغبة إلى العراق ومناطق أخرى.

بين إدارة الأزمة وحلّها

يصيب حزب الله في لبنان نصيباً وافراً من أوزار دولة مهترئة ينخرها الفساد والتسيّب، نتيجة حرصه على أولويّة درء الفتنة والمحافظة على السلم الأهلي البارد والساخن. الدولة التي أعادت السعودية بناءها في اتفاق الطائف نحو "الانفتاح" والوصاية في مؤتمرات باريس، خرّبت المجتمع اللبناني والإدارات الحكومية والحياة السياسية بالتسوّس.

بين إدارة الأزمة "بالمسار الديمقراطي" الأميركي والفرنسي والتفجير والتخريب السعودي، يضيء انتصار اليمن خياراً آخر للخروج من مستنقع إدارة الأزمات الآسن باتجاه حلّها من جذورها.

لا ينتصر ثوار اليمن بالحرب العسكرية وحدها، إنما ينتصرون بالحرب السياسية التي تغذّي الحرب القتالية، فقد حرّرت الثورة الطاقات الشعبية من أسر الوصاية الاقتصادية ضد "الجرعة"، وحرّرتها من الخضوع لوصاية "المجتمع الدولي" ضد ما سمّاه "الشرعية".