الغاز القطري والبترول السعودي.. وجهان لعملة واحدة!

أيّاً تكن حسابات بايدن، الذي يسعى لخلق المشاكل لروسيا والصين فإن آل ثاني سيجدون أنفسهم الآن في وضع صعب جداً.

  • الجميع يعرف أن آل سعود لا يتحمّلون أي غرام سري أو علني بين آل ثاني والأميركيين.
    الجميع يعرف أن آل سعود لا يتحمّلون أي غرام سري أو علني بين آل ثاني والأميركيين.

حتى لو تركنا الانتماء الطائفي الوهّابي لكِلا النظامين السعودي والقطري، فمن الواضح جداً أن الطرفين يتسابقان إلى إثبات الطاعة العمياء لواشنطن: وليّا أمرَي الرياض والدوحة، وعواصم الخليج الأخرى، ولو بدرجات متفاوتة. 

فواشنطن، ومعها تارة لندن، وتارة أخرى باريس، لها قواعد عسكرية في جميع دول المنطقة الخليجية، إلاّ أن قواعد أميركا في قطر (العديد والسيلية) هي الأهم من دون شكّ، لأنها مقرّ قيادة القوات الأميركية وعملياتها العسكرية في المنطقة، ومن أهمّ هذه العمليات احتلال أفغانستان والعراق وشرقي سوريا. ويفسّر ذلك قول الرئيس بايدن، خلال استقباله الأمير تميم: "أرغب في تصنيف دولة قطر حليفةً رئيسيةً للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي"، وهو ما سيزعج آل سعود، المنافسين الأهم لآل ثاني في خدمة واشنطن.

ومن دون الدخول في تفاصيل الولاء المشترك للسعودية وقطر لأسيادهما في واشنطن، وخصوصاً بعد ما يُسَمّى "الربيع العربي"، باعتراف حمد بن جاسم في الـ 27 من تشرين الأول/أكتوبر 2017، فالجميع يعرف أن آل سعود لا يتحمّلون أي غرام سري أو علني بين آل ثاني والأميركيين، لكن من دون أن يتسنى لهم الاعتراض على أي دور منوط بهم في المسرحية المضحكة المبكية بشأن سيناريوهات المنطقة التي يعدّها الأميركيون، ويمثّل فيها حكّام الخليج والمنطقة بنجاح باهر!

فعلى الرغم من دورهم في دعم حركات الإسلام السياسي، المعتدلة منها والمتطرفة، في جميع أنحاء العالم، وتحت إشراف المخابرات الأميركية، CİA، منذ عام 1945، فإنه كان لآل سعود دور رئيسي فيما يسمى "الربيع العربي"، في كل مراحله وتفاصيله. فبعد أن جنّدوا عشرة آلاف سعودي انتحاريِّين في صفوف "داعش" و"النصرة" في سوريا والعراق، ذهب رئيس استخبارات النظام بندر بن سلطان إلى سوتشي في 31 تموز/يوليو 2013، ليقترح على الرئيس بوتين "التخلي عن دعم سوريا في مقابل أيّ مبلغ يطلبه". وعندما رفض بوتين هذه "الرشوة السخية"، بدأت الرياض بيعَ كميات خيالية من البترول ليتراجع سعره من 120 دولاراً إلى 35 دولاراً للبرميل الواحد، في محاولة من واشنطن لضرب الاقتصاد في كلّ من روسيا وإيران، وحتى فنزويلا. 

والآن، بعد سبعة أعوام من نجاح آل سعود في قصة البترول، تريد واشنطن لآل ثاني أن يُثْبتوا ولاءهم ويكرِّروا التجربة السعودية، وهذه المرة بالغاز، ليساعدها ذلك على تدمير اقتصاد روسيا، بل الصين، ثم إيران، وهي شريكة قطر في أكبر حقول الغاز في الخليج.

فالرئيس بايدن، الذي استقبل الشيخ تميم في البيت الأبيض استقبالا مميزاً (ثاني زعيم عربي بعد الملك عبدالله)، لم يطلب منه خفض أسعار الغاز بسبب استحالة ذلك، بل دعاه إلى تغطية العجز عن تلبية احتياجات الدول الأوروبية في حال استمرار التوتر مع موسكو في أوكرانيا، أو إن تكرّر مثل هذا التوتر لاحقاً في مكان آخر.

فروسيا تغطي نحو 50 في المئة من حاجة الدول الأوروبية إلى الغاز، والتي تستورد سنوياً 175 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا، التي تصدّر سنوياً 200 مليار متر مكعب، وهو أكثر بنحو 55 مليار متر مكعب من إجماليّ الغاز الذي تصدّره قطر سنوياً، ومعظمه يذهب إلى دول آسيا، وأهمها الصين، التي تستورد سنوياً 350 مليار متر مكعب من الغاز، بينما يذهب 30% من الغاز القطري إلى أوروبا.

أيّاً تكن حسابات بايدن، الذي يسعى لخلق المشاكل لروسيا والصين، عبر "العصا" القطرية الغازية، فإن آل ثاني سيجدون أنفسهم الآن في وضع صعب جداً، بعد أزمتهم مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر في حزيران/يونيو 2017، ولولا الرئيس ترامب لكانوا الآن، كما يقول المثل الشعبي، في "خبر كان".

وأيّاً تكن حسابات آل ثاني، يَبْدو واضحاً أن خياراتهم باتت محدودة جداً، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد فيها المنطقة اصطفافات جديدة، ضمن السيناريو الأميركي الجديد، الذي يريد لتركيا والسعودية وقطر والإمارات ومصر أن تكون في سلة واحدة تُمسك بها "إسرائيل" في حال فشلت مباحثات الملف النووي الإيراني. ويفسّر ذلك التحركات الأخيرة في المنطقة، وبدأت بزيارة السيسي لأبو ظبي، ولحق به هرتسوغ، على أن يحل إردوغان ضيفاً فيها في الـ 14 من الشهر الجاري، بعد لقاء هرتسوغ والرئيس إردوغان في أنقرة. كما يستعدّ إردوغان لزيارة البحرين والسعودية، ولاحقاً العراق، بعد انتخابات رئاسة الجمهورية هناك.

وقبلها، تتحدّث الأوساط الأميركية المتعددة عن سيناريوهات سوداء تعود بنا إلى نقطة الصفر في مسلسل "الربيع العربي"، وهدفه الرئيسي كان سوريا، وهي ما زالت كذلك بتآمر كل الاطراف العربية والإقليمية والدولية ضدها. ومع استمرار الاستفزازات الأميركية والأطلسية في أوكرانيا ضد روسيا، وقد تتوسّع لتمتدّ إلى روسيا البيضاء، عبر بولندا ورومانيا ودول البلطيق وأوروبا الشرقية، تريد واشنطن لحليفاتها في الجغرافيا العربية والجغرافيا الإسلامية أن تتحمّل مسؤولياتها في الدفاع عن "القيم العليا للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان"، وهو الشعار الذي رفعته العواصم الغربية في مسرحية "الربيع العربي"، ناسية أن حليفاتها في المنطقة تشتهر بأنظمتها الديكتاتورية والاستبدادية والفاشية.

ويذكر الجميع أيضاً أن الغاز القطري كان من أهم أسباب هذا "الربيع" بعد أن رفض الرئيس الأسد، في أيلول/سبتمبر 2008، اقتراح إردوغان وساركوزي والشيخ حمد أل ثاني، والقاضي بمدّ أنابيب الغاز من قطر إلى السعودية والأردن، ثم سوريا، ومنها إلى تركيا فأوروبا. وكان الهدف من هذه الأنابيب هو مساعدة أوروبا على التخلص من الغاز الروسي، وإنزال ضربة مماثلة بالغاز الإيراني والغاز الفنزويلي. وهو ما سعت إليه واشنطن خلال مؤامرتها الأخيرة في كازاخستان، ولاحقاً عبر خططها الجديدة في نقل غاز قبرص و"إسرائيل" ومصر إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، بمساهمة قطرية أيضاً. 

كل ذلك مع الحديث عن مشاريع أخرى لنقل الغاز من تركمانستان وكازاخستان إلى أذربيجان عبر بحر قزوين، ليتم نقله إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، بواسطة الأنابيب التي تنقل الآن غاز أذربيجان وبترولها إلى ميناء جيهان التركي المطلّ على البحر الأبيض المتوسط، ويغطّي نحو أربعين في المئة من حاجة "إسرائيل" إلى البترول. 

ويبقى الرهان على المنافسة الحقيقية والمصيرية بين آل سعود وآل ثاني في كسب الرضا والمباركة من واشنطن، التي تريد لهما معاً أن يكونا أوّلاً في خدمة "إسرائيل"، وبالتالي على أهبة الاستعداد دائماً للمساهمة في أي أجندة أميركية، أينما كان. وعلى سبيل المثال، نقل كل الغاز والبترول الخليجيين، عبر أنابيب تصل إلى ميناء حيفا، ومنه إلى تركيا، أو من خلال الناقلات بحراً إلى أوروبا. وستكون روسيا، مرة أخرى، الهدفَ بعد ضمان الكلمة العليا لآل صهيون في تقرير مصير الغاز والبترول الخليجيَّين، وستمر أنابيبهما بالقرب من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولليهود فيهما حسابات وحسابات. ومرّت من فوقهما طائرة هرتسوغ، وهي في طريقها إلى الإمارات، في تحدٍّ جديد للعالم الإسلامي برمته، بعد أن سبقت الإمارات كلاً من آل سعود وآل ثاني في إثبات ولائها للصهاينة في "تل أبيب".