لماذا لم يغتنم ترامب الفرصة؟
الجدل حول إمكانية شنّ واشنطن حرباً على إيران ما زال مستعرّاً. طهران تقابل التهديدات الأميركية بخطابات حاسمة. واشنطن تهدد بنبرة حادة، ثم تسعى إلى التهدئة، وتأخذ قرارا بشن عمل عسكري ضد أهداف إيرانية، ثم تتراجع، وهكذا. صولات من الحروب الألكترونية والإعلامية، ترامب يغرّد، ظريف يغرّد، وروّاد المواقع يلحقون بـ الوسوم (#). حتى البارحة. هناك ما حدث فعلاً، ولكن في السماء وليس على الأرض. بعد "الهدوء" النسبي في خطابات ترامب الذي كان يلمّح إلى إمكانية التفاوض مع إيران، أعلن حرس الثورة الإسلامية عن إسقاط طائرة تجسس أميركية مسيرة جنوب إيران.
شحذت الهمم الألكترونية من جديد، غرّد ترامب بما لا مجال للشك أنه غاضب، وقال باختصار وكأنه يحذر ويلوم ويعتب: "إيران ارتكبت خطاًَ كبيراً جداً". حسناً، "ارتكبت خطأً، ثم ماذا؟ جميعنا انتظرنا ما اذا كان ترامب سينتهز الفرصة، ويشن حرباً على إيران، تريدها إسرائيل وبعض الحكّام العرب.
رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وصفت الوضع مع إيران بالخطر "لكنّ واشنطن لا تريد حرباً". وكالة "رويترز" نقلت عن مسؤول أميركيّ أن حطام الطائرة موجود في المياه الدولية بمضيق هرمز وأن قطعاً بحريةً أميركيةً توجهت إلى تلك المنطقة. بوتين حذر من أن أي عمل عسكري أميركي ضدّ إيران سيكون كارثة على الشرق الأوسط والعالم.
إيران أسقطت الطائرة الأميركية، وقال قائد القوة الجوفضائية في حرس الثورة العميد أميرعلي حاجي زادة "عندما رصدنا طائرة التجسس الامريكية المسيرة وقصفناها، كانت هناك طائرة تجسس امريكية اخرى تحت اسم p-8 تحمل 35 راكبا على متنها وكان بإمكاننا اسقاطها هي الأخرى لكننا لم نفعل ذلك. الاسبوع الماضي ايضا اطلقنا قذيفة تحذيرية الى طائرة امريكية، لكنهم لم يأخذوها بمحمل الجد. فهم ترامب إذاً أن إيران جدّية، وأن لديها ما يثبت خرق الطائرة الأميركية للمجال الجوي الإيراني كان ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد غرّد بتفاصيله.
بعد أكثر من 24 ساعة على إسقاط طائرة التجسس في إقليم هرمزغان جنوب إيران، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اذن بشن عمل عسكري على أهداف إيرانية لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة. لكن لماذا تراجع ترامب، بعد أن أرسل رسالته إلى طهران عبر سلطنة عمان وحذّر الإيرانيين من هجومه الوشيك عليهم؟
ضربة إيرانية مدروسة ودفاعية ضمن رؤية هجومية
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حسام مطر قال في حديث لـ الميادين نت إن التصدي الإيراني للطائرة يقع في سياق استراتيجية الاستجابة الإيرانية للمقاربة التصعيدية لواشنطن، حيث تقول طهران إن شكل ونطاق ومجالات المواجهة لا تحددها واشنطن لوحدها. ورأى أنه ومن خلال دفع الأمور نحو التوتر العسكري تضغط طهران على إدارة ترامب لدفعها للتراجع واكتشاف حدود سلاح العقوبات وتحفيز القوى الدولية لإنقاذ الاتفاق النووي وردع حلفاء واشنطن الإقليميين من التحريض على الحرب، معتبراً أنها "ضربة" إيرانية مدروسة ودفاعية كونها ضمن المجال الإيراني ولكن من ضمن رؤية هجومية.
"الضربة"، يقول مطر، ستعزز من أجواء التوتر في الخليج بما يفاقم الانقسامات داخل الإدارة الأميركية وبين أميركا والحلفاء، وسيؤثر ذلك على حركة خروج النفط وأسعاره.
وعن الاحتمالات والخيارات المطروحة أمام ترامب، اعتبر مطر أن أمام الرئيس الأميركي احتمال جدي وحيد وهو رد محدود جداً طابعه رمزي ضدّ هدف إيراني هامشي وغير مأهول ضمن السواحل الإيرانية، وعليه أن ينتظر الرد الإيراني المقابل، كما اعتبر أن المشكلة لدى إدارة ترامب هي إنها تكتشف هامشاً من الجرأة والمخاطرة غير المتوقعة لدى الطرف الإيراني.
مطر وفي حديثه للميادين نت، رأى أن الحسابات الآن هي لكل خطوة بخطوتها نظراً للقلق والغموض المستحكم، حيث يلعب الطرفين بهامش مغامرة أعلى محسوب لدى الإيرانيين ولكن مع حرص متبادل على تجنب مواجهة عسكرية كبيرة، وأضاف أن الهدف الإيراني يتراوح بين إجبار واشنطن على خطوات تراجعية تتيح تسوية جزئية إلى حين وبين تحويل القضية إلى مأزق أميركي مكلف حتى الانتخابات الأميركية.