في الذكرى الرابعة لسقوط مدينة ادلب: جرائم وحشية وتهجير آلاف العائلات

في مثل هذا اليوم من كل عام يستذكر الأدلبيون معانات هجرتهم من منازلهم والجرائم التي ارتكبها المسلحون خلال دخلوهم إلى المدينة بحقهم وحق عائلاتهم والتي لم تلقى أي إدانة دولية على الدماء التي سالت، إلى جانب تهجير عشرات آلاف الآمنيين من منازلهم والاستيلاء عليها ومنحها لمقاتلون أجانب.
  • في مثل هذا اليوم من كل عام يستذكر الأدلبيون معانات هجرتهم من منازلهم والجرائم التي ارتكبها المسلحون

في مثل هذا اليوم قبل 4 سنوات سقطت مدينة ادلب بعد مشروع تركي تمثل بجمع كافة الفصائل المسلحة في المحافظة ومن بينها جبهة النصرة تحت قيادة واحدة ضمن ما يسمى تشكيل "جيش الفتح".

آلاف المسلحين توزعوا على جبهات تمتد من غرب المدينة مروراً بجنوبها على مقربة من طريق ادلب أريحا وانتهاءً شمالها وشرقها نحو الطرق المؤدية إلى بلدتي الفوعة وكفريا وسرمين، حيث اشتعلت الجبهات الأربعة صبيحة يوم الثلاثاء بتاريخ 24-3-2015 بتمهيد مدفعي وصاروخي مكثف من قبل فصائل ما يسمّى "جيش الفتح".

وكانت الميادين في ذلك الوقت حاضرت بتفاصيل المعركة كاملة خلال عودتنا صباح الثلاثاء من مهمة ميدانية في ريف حماة الشمالي، حيث تعرضت حينها سيارتنا لرصاص القنص على طريق ادلب المسطومة وتدخلها على اثرها الجيش السوري لتأمين طريقنا واستهداف مصدر اطلاق الرصاص إلى أن وصلنا إلى المدينة.

وتوجه فريق عمل الميادين إلى المربع الأمني حيث يتواجد فريق من مراسلي الإعلام المحلي وبقينا جميعاً طيلة أيام المعركة لصعوبة التحرك داخل المدينة التي كانت تتعرض لقصف كثيف وعشوائي بمئات الصاوريخ والقذائف استهدفت كافة الأحياء، بالإضافة إلى عدم تمكننا من التجول وتغطية الأحداث داخلها بسبب حرص الجهات الأمنية على حياة المراسلين ومصوريهم، إلا مرة واحدة فقط خلال تغطية معركة السكن الشبابي والذي اُجبرنا فيها على التراجع في التغطية بسبب كثافة القنص والقصف ووثقنا بضع دقائق من عملية اخلاء الجرحى وإيصال الامداد إلى حاجز السكن الشبابي بعد حصاره من قبل المسلحين، ومن ثمّ فك الحصار عنه وسحب المقاتلين إلى الخطوط الخلفية حفاظاً على حياتهم بسبب كثافة الانتحاريين "الانغماسيين" الذين فجروا أنفسهم لاختراق تحصينات الحاجز.

وشهد اليوم الأول من التمهيد الصاروخي والمدفعي ارتقاء عشرات الشهداء من المدنيين وإصابة العشرات، حيث بدأ السكان بالنزوح والاختباء في الاقبية والمساجد،في حين كان الجيش السوري يرد على مصدر إطلاق القذائف  بسلاحي المدفعية والطيران، إلا أن المسلحين كثفوا من نشر القواعد الصاروخية على مساحة واسعة من الجبهات المحيطة بالمدينة، حيث كان يسمع الانفجارات داخل المدينة على مدار الدقيقة الواحدة حتى وقت متأخر من الليل مستهدفين الحواجز المحيطة بالمدينة وكامل أحيائها، وحقق المسلحون حينها تقدماً في محيطها بعد تراجع حاجزي الكونسروة وعين شيب غرب المدينة بعد تعرضهما للقصف العنيف والمفخخات.

وفي اليوم الثاني للمعركة، بدأت فصائل "جيش الفتح" مرحلة الاقتحام وشنت هجوماً متزامناً على كافة النقاط العسكرية في محيط مدينة ادلب، بالتزامن مع هجوم على النقاط العسكرية في محيط بلدتي الفوعة وكفريا لقطع طريق الإمداد عنهما، مع استمرار عمليات القنص والقصف على طريق الإمداد الوحيد الذي يصل إلى مدينة ادلب عبر ادلب اريحا.

وتزامنت مرحلة الهجوم على النقاط العسكرية في محيط مدينة ادلب مع عمل الخلايا النائمة داخل المدينة التي بدأت ببث الرعب داخل الأحياء السكنية بأن المسلحين أصبحوا داخل المدينة من جهة شارع الثلاثين وبدأوا بتصفية المدنيين، حيث استغلت هذه الخلايا انشغال كافة المقاتلين بالمعارك وتسللت إلى المساجد في حيي الثورة والضبيط والتكبير عبر المآذن الأمر الذي أدى إلى فوضى نتيجة خوف الأهالي وخروجهم من منازلهم نحو المربع الأمني.

ومن ثمّ تابعت الخلايا أعمالها بالدخول إلى مبنى البريد وفصل شبكة الاتصالات الخليوية وقطع الانترنت بالكامل والاتصال الدولي مع استمرار الاتصال ضمن المدينة فقط،في الوقت الذي كانت فيه أجهزة الاتصال اللاسلكي تتعرض للتشويش من قبل عربة عسكرية تركية تمّ وضعها في مزارع بروما القريبة من إدلب لعرقلة التواصل بين النقاط ومواقع الإمداد والمؤازرة.

واتخذت الخلايا من المدنيين دروعاً بشرية وتحصنت في الأبنية السكنية بشارع الثلاثين وحيّ الثورة التي بدأ منها استهداف القوات المتمركزة فيهما، الأمر الذي عرقل عمل قوات الحماية في استهداف مصدر إطلاق الرصاص حرصاً على حياة المدنيين الذين أصبحوا عرضت للخطر للتمركز المسلحين ضمن منازلهم، واضطرت تلك القوات إلى التراجع نحو خطوط خلفية مع استمرار تساقط عشرات القذائف والصواريخ في المنطقة.

وفي اليوم الثاالث تراجعت حدة المعارك على الجبهتين الغربية والشمالية بعد انسحاب حواجز الحماية نتيجة كثافة الهجمات والقصف والمفخخات والانغماسيين والتراجع نحو نقاط الخلفية، بينما اشتدت المعارك من الجهة الشرقية للمدينة (محوري بنش وسرمين)، إضافة إلى الهجوم على حاجز باب الهوى شمال ادلب الذي تم من خلاله قطع طريق ادلب الفوعة وحصار البلدتين.

وشمل الهجوم الأخير اشتباكات عنيفة على حاجزي الكهرباء والإنشاءات وتفجير عدد من الانتحاريين أنفسهم، ما أجبر الحواجز على الانسحاب من الجهة الشرقية للمدينة نحو دوّار المحراب، حيث استطاع عدد من المهاجمين التسلل إلى حيّ الشيخ ثلث، والمنطقة الصناعية، حيث جرت أعنف المعارك.

واشتدت حركة النزوح مع تغلغل المسلحين ضمن أحياء الناعورة والضبيط والثورة والشمالية والتي تم فيها تصفية عدد كبير من المدنيين ميدانياً من قبل المسلحين بتهمة تأييد الدولة السورية وعدم مناصرة ما يسمى بالـ"الثوار"، بينما أصر العديد من القادة الميدانيين ومقاتليهم على الصمود في بعض المواقع لتغطية انسحاب المدنيين من الأحياء التي دخلوها باتجاه المربع الأمني في حيّ القصور للتوجه نحو طريق ادلب المسطومة.

وقام الجيش السوري والجهات الأمنية بوضع خطة لتأمين خروج آلاف المدنيين عبر طريق ادلب المسطومة باتجاه أريحا، إلا أنّ الجماعات المسلحة تمكنت من نشر عد كبير من القناصيين والرشاشات المتوسطة بعد اختراقها العديد من المناطق القريبة من الطريق وبدأت باستهداف السيارات والمشاة الذين يتراكضون على الطريق حيث استشهد العشرات منهم بينهم نساء وأطفال وتدهورت العديد من السيارات وارتقى من بداخلها.

وفي صباح يوم السبت بتاريخ 28-3-2015 كانت مدينة إدلب على موعد مع قرار عسكري يقضي بالانسحاب منها، وإعادة التموضع في محيطها، للتقليل من الخسائر البشرية وحرصاً على حياة المدنيين الذين بقيوا ضمن المناطق التي دخلتها الجماعات المسلحة.

وبعد إفراغ المدنيين من القوات العسكرية، بدأت الأخبار تتوارد من داخلها من الذين تمكنوا من الهروب عبر الطرق الزراعية، والتي تحدثت عن مجازر جماعية طالت عدد كبير من الأبرياء بين سحل بالشوارع وقطع للرؤوس وتصفية عدد من النساء من بينهم المُدرسة رولا الزير، واقتياد الأسرى نحو سجن ادلب المركزي الواقع غرب المدينة.

وفي مثل هذا اليوم من كل عام يستذكر الأدلبيون معانات هجرتهم من منازلهم والجرائم التي ارتكبها المسلحون خلال دخلوهم إلى المدينة بحقهم وحق عائلاتهم والتي لم تلقى أي إدانة دولية على الدماء التي سالت، إلى جانب تهجير عشرات آلاف الآمنيين من منازلهم والاستيلاء عليها ومنحها لمقاتلون أجانب.

وخلال السنوات الأربعة تمكنت هيئة تحرير الشام من السيطرة الكاملة على مدينة ادلب وتحويلها إلى مركز قيادي مركزي لها،وفرض قوانين أدت إلى تضييق الخناق على المدنيين وزيادة معاناتهم المادية والمعنوية.

ومنذ ذلك الحين وبعد 4 سنوات والدخول في العام الخامس ما زال ينتظر عشرات الآلاف من أهالي المدينة المهجرين خارجها وأضعافهم داخلها، ينتظرون حسم مصير ادلب التي دخلت ضمن اتفاق استانة والذي تضمن أحد بنوده تخصيص قوات مكافحة التصعيد على أساس الخرائط المتفق عليها في أنقرة في 8 أيلول / سبتمبر 2017  على أساس مؤقت في المنطقة الأمنية في منطقة التصعيد في محافظة إدلب وبعض أجزاء المناطق المجاورة (اللاذقية، حماة وحلب).

المصدر: الميادين نت